عن اليوم العالمي للفتاة
أقرّت الأمم المتحدة الحادي عشر من أكتوبر/ تشرين الأول يوماً عالمياً للفتاة، وهذا ضوء جديد يسلّط على الإناث في مرحلة حساسة من أعمارهن، وذلك بالنظر إلى حياة الفتيات في الوطن العربي عموماً. فالفتاة، هنا، ومذ تعي الحياة، تتم برمجتها نحو الزواج والأمومة، سواء عن طريق لفت نظرها إلى المتزوجات من حولها، أو من خلال رفدها بالدُّمى التي توقظ غريزة الأمومة لديها منذ وقت مبكر. فهل يُعَدُّ هذا إساءة للفتاة وكينونتها في الحياة؟!
أنا كامرأة عربية نشأت في بلد تقليدي محافظ، لا أجد للحياة جمالاً من دون زواج، ولم أجد قيمة مثل الأمومة، ولا دافعاً للاستمرار في الحياة والتصدّي لصعوباتها مثل دافع العطاء للأبناء. وكلّما فقدت الشغف، أتذكر أنّ لي أطفالاً بحاجة للكثير مني، وأنّي قدوة لهم، فأنفض غبار الإحباط الذي تكوّم على روحي، وأنطلق مجدّداً للحياة، لكنّي في الوقت ذاته أجد أنّ تلك الطريقة في البرمجة بالذات، هي من أهم العوامل التي تساعد على انحطاط وتدهور المجتمعات.
إنّ برمجة الفتاة على أنها تكبر لتصير "عروساً"، وتعتني بمظهرها فقط لتحصل على "عريس"، وأنّ من عدم المعيب لها التقصير في تحصيلها العلمي كون "آخرها المطبخ"، يحجّم من طموحها في الحياة، ومن عطائها، ورؤاها، ويهاجم من جهة أخرى شعورها بقيمتها كإنسان دون أن تحصل على شريك حياة. ولا مانع من أن تكون تلك الحياة خاوية تماماً، فيتحوّل الزواج من شراكة حياة إلى شَرَكٍ تقع فيه، ولا يكون الزوج فيه شريك حياة، بل محور الحياة، والحياة بأكملها، إن مال عنها ضاعت، وإن لم تتزوّج انطفأت وفقدت شعورها بالحياة.
بدلاً من أن تجد الدعم النفسي والمواساة لها من عدم قدرتها على إشباع غريزتها في الأمومة، تُوصم بالنقص، وفي هذا ظلم كبير
هذا يمحور تفكير الفتيات حول الحصول على أيّ زوج، وإن كان غير ناجح أو متخلق أو على قدر من الدين والعلم والثقافة، ويقود الفتيات للرعب من العنوسة، ويجعل من لم تتمكن من الزواج في كآبة وعدم استقرار ولا شعور بالحياة، وينتهي عندها الإيمان بالقدر، وبأنّ "الزواج قسمة ونصيب"، لا سيما والمجتمع من حولها يعزّز الاستياء منها، ويتمادى في إقناعها بأنّها كبضاعة حلّ تاريخ انتهائها، وهي "بائرة".
ومثلها من تتزوّج ولم تتمكن من الإنجاب، فبدلاً من أن تجد الدعم النفسي والمواساة لها من عدم قدرتها على إشباع غريزتها في الأمومة، تُوصم بالنقص، وتظلّ أسيرة الشعور لآخر عمرها، بكونها لم تقدّم للمجتمع أطفالاً، وهي غالباً لا تتمتّع بأيّ طموح عملي أو علمي، تتمكن من خلاله من تقديم شيء قيّم للمجتمع، في حين أنّ للفتاة طاقات كبيرة ينبغي أن توظفها في اكتشاف وتجربة أشياء كثيرة في الحياة، كالكتابة، والرياضة، والمهارات الإلكترونية، ولديها من العلوم والثقافات ما يؤهلها كإنسان، وحينما تصير إنسانة واسعة الثقافة والمهارات، ستشعر بقيمتها كإنسان بغضّ النظر عن جنسها، أو وضعها الاجتماعي.
أخيراً، على ضفاف اليوم العالمي للفتاة، أقول إنّ الفتيات هنّ اليوم من يرفدن المجتمعات بالكثير من الحبّ والحنان والعطاء والتعاطف، ويتميّزن في تحصيلهن العلمي، ويبرزن في مجالاته العلمية على اختلافها، ومن حقهن أن يعشن إنسانيتهن، أن تحلم كلّ فتاة بطاقية التخرّج قبل تاج الزفاف، وأن تتخيّل نفسها تقود سيارتها قبل أن تتخيّل أطفالاً تجرّهم حولها، أن تستمتع باللعب والكتابة والرياضة والموسيقى، وأن تستخدم الألوان في لوحة الرسم قبل أن تبحث عن أصباغ وأدوات مكياج تثقل بها وجهها. وحينها ستكون جديرة بالإعجاب من قبل نفسها، ومن مجتمعها أيضاً، وهذا في النهاية سيجعل منها عروساً وزوجة، وأمّاً رائعة.