مواقع التواصل والمؤثرون... كيف حشدوا جيشاً إلكترونياً للدفاع عن فلسطين!
دخل صالح زغاري الناشط والمصور المقدسي إلى جهة حائط المبكى (حائط البراق) الكائن في القسم اليهودي من الأقصى، صور فيديو، وثق حفلات الطهور والبكاء والحلاقة والطقوس الغريبة دون معرفتهم أنه عربي مسلم ثم نشر المادة على قناته في يوتيوب، تمت مهاجمته من قبل الناشطين الصهاينة ثم حذف يوتيوب الفيديو، لكنه رغم كل هذا حصد مشاهدات عالية وتعاطفا كبيرا.
أما الناشطة آلاء حمدان وخلال استضافتها مؤثرين، ونقلها مباشرا على حسابها في إنستغرام أحداث الشيخ جراح وصلت نسبة المشاهدة إلى ما يزيد عن 100 ألف فقطع إنستغرام النقل، الكثير من الصور تم حذفها والكثير من الحسابات أغلقت، إنها ساحة معركة رقمية جنودها نشطاء فلسطينيون بعدد مشاهدات فاق التوقع، وأثرت في الشارع العربي لا سيما الشباب.
لا تملك أجيالنا اليوم سوى هذا الجهاز المحمول الذي سلخهم عن الواقع لينقلهم إلى عالم رقمي افتراضي يجدون من خلاله مجتمعا متشعبا من المؤثرين والإنفلوانسرز بأعداد هائلة من المتابعين من مختلف الأعمار والجنسيات. تلك النماذج باتت قادرة اليوم أن ترسم أفراحهم وأتراحهم تؤثر بهم حد لباسهم وفسحاتهم، تغذي أفكارهم وترسم أهدافهم.
فبين جدران تيك توك وإنستغرام إلى فيسبوك تنتشر هناك الصور وفيديوهات الرقص والقصص والحكايا التي صنفت أخيرا بأنها تافهة إلى أبعد الحدود وأدت إلى ضياع جيل كامل، بحسب وصف الكثيرين! ولطالما تصدرت على منصاتنا العربية جدالات تافهة وألعاب سخيفة ورقصات لا تسمن ولا تغني من جوع.
وهنا يجب الإشارة، كوني أعمل في مجال التعليم، إلى تدني المستوى الثقافي لدى الكثير من الطلاب مقارنة بالأجيال ما قبل تيك توك وفيسبوك. نادرا ما يعرف الطلاب اليوم اسم شاعر عربي مبدع أو حتى مخترع مشهور، ولا يفقهون بالكثير من قضايا محيطهم وحتى داخل بلدانهم إلا إذا ما أحدثت ضجة على تلك المواقع والتطبيقات.
سطع أخيراً الوجه الإيجابي لمنصات التواصل وللمؤثرين، علموا أجيالنا العربية ما معنى فلسطين وما هي القصة الحقيقية، لقد عادت فلسطين إلى قلب الحدث
إذا أردت أن تحرك شبابنا تجاه قضية ما عليك اليوم سوى عرضها بطريقة ذكية على مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات أو حتى إرسالها إلى مؤثرين ومشاهير "يوتيوب"، تماما كطرق التسويق التجاري. ولكن هنا يعد تسويقاً للأفكار والقضايا.
في رمضان الماضي تصدرت قضية الشيخ جراح السوشال ميديا بهاشتاغات وفيديوهات وصور لا تنتهي. سيتم الاستيلاء على منازل الفلسطينيين بكل بساطة من قبل المستوطنين، كان يفرض على الخبر أن يمر عاديا على شاشات التلفزة، ربما يكون عنوانا ثانيا أو ثالثا في النشرة الإخبارية، وستمر الحادثة كسابقاتها!
ولكن ما الذي حدث وما هو الفارق هذه المرة؟ بدأ الفلسطينيون الشباب بالتحرك وتصوير انتهاكات المستوطنين لحظة بلحظة، كيف يتم إخراجهم من بيوتهم أو هدمها.
في بداية الأمر عاش ذلك الشاب العربي في حيرة! الكثير من المعلومات والقليل من الأشياء التي لا يفهمها فمن هو المستوطن؟ وما الذي يحصل في فلسطين؟ من هو المستعرب ومن هم عرب الداخل!
الكثير من الأسئلة، ولكن الإجابة كانت حاضرة على تلك المنصات الإلكترونية، لمع اسم منى الكرد صحافية وإحدى سكان حي الشيخ جراح التي وثقت وما زالت توثق كل ما يحصل في الشارع والبيوت، آلاء حمدان المؤثرة الأردنية الشهيرة، والصحافية منى حوا أيضا فتحن مباشرا للمتابعين عبر إنستغرام وبدأ مسلسل النقل والشرح، واستضافة نماذج وأشخاص لم نحلم يوما بالتحدث معهم أو مشاهدتهم بشكل مباشر.
من الأقصى كان هناك جيش المرابطين الإلكتروني الناقل للأحداث على إنستغرام وفيسبوك، تطبيق باز وحتى زوم وتليغرام! فتحوا قنوات خاصة بهم وعالجوا قضاياهم ونشروا قصصهم مثل المصور المقدسي صالح زغاري، المرابطة المقدسية خديجة خويص، سارة دجاني، لطيفة عبد اللطيف، هنادي حلواني. فنشراتهم عن الأقصى لا تنتهي أنارت للكثير بل للأسف ذكرتهم بمعاناة المقدسيين.
كادت قضية فلسطين والمسجد الأقصى يغيبان عن أجيالنا بل عنا نحن جميعا، ويصبحان نسيا منسيا تماما كما اندثرت العديد من قضايا وانمحت من الذاكرة. لكن هذه المرة حسن استغلال تلك المواقع والمنصات نشر التوعية وجند جيلا إلكترونيا تصدر بهاشتاغاته أغلب الدول، بل أجبر العالم أجمع على النظر إلى قضية الشيخ جراح والحرب على غزة.
مسلسل التطبيع بدأ والحبل جر الكثير من الدول العربية والإسلامية عمل معها الإعلام بأبواقه الهزلية. الكثير من الممثلين اختصروا المسافات بيننا وبين الصهاينة ..هي دعوى للسلام المزعوم! فالحكام طبعوا، لكن المشكلة الحقيقية في الشعوب التي لم ترض بالتطبيع. فقضية فلسطين محفورة في ذاكرة الشعوب، لذلك عمل الإعلام جاهداً لخلق رأي عام عربي متقبل للصهيونية منبهر بالسلام والمستوى المعيشي والتطور.
لقد حرموا المواطن العربي أدنى مقومات الحياة من أمن وعمل وحياة. وراحت إسرائيل تلمع لنفسها لذاتها وظن الكثير أنهم سيحصلون على مقومات الحياة التي منحتها إسرائيل لمواطنيها ولكن هيهات هيهات!
فالدولة التي قامت على سفك الدماء والتهجير والقمع والعنصرية لن تدوم قشرتها البراقة طويلا لأنها مزيفة. ولن تختبئ خلف خصلة شعر متعبة، هي الخصلة التي صنعها لها الإعلام والمطبعون.
هذا ما أدركته الأجيال الحديثة، أجيال ربما لم يفسح لنا الوقت بسبب الجائحة لكي نروي لهم أحداث النكبة، ولم تعط الشاشات المتلفزة اهتماما كافيا للتذكير بالمجازر المرتكبة، لقد عمل المؤثرون، من يحملون قضية ومعتقدا، على نشر التوعية بين الأجيال. وشرحت لهم القضية من بدايتها حتى اليوم.
كيف لا والتاريخ يعيد نفسه أو ربما قافلة التاريخ ما زالت تسير وهو حي أمامنا لم ينته بعد مهما لمعت صورتها إسرائيل. اليوم هو الدور لتصحيح المسار وإعادة البوصلة إلى مكانها الصحيح وهي فلسطين، هي معركة الحق مع الباطل الذي سينتصر مهما طال الانتظار.
لاحظنا كيف اشتعلت سورية والعراق ولبنان واليمن وسالت الدماء، بينما إسرائيل كانت تنعم بالهدوء والسلام والوئام وإقامة الحفلات، أما خلال حربها اليوم على غزة ومع الداخل المحتل، هدأت المنطقة العربية إلى حد كبير حتى في لبنان منذ أيام لم نسمع أو نشاهد الطيران الإسرائيلي.
لقد بات جليا واضحا أن إسرائيل هي من خلقت وسيرت تلك التنظيمات الإرهابية، وهي التي تعمل على التفرقة العربية وانتشار الإشاعات المغرضة. وهي التي تسلحت منذ قيامها بالإعلام. هذه المرة جاءت مواقع التواصل لتخذلهم رغم إنها تعمل جاهدة على التحكم بها ولكن سدى.
وظف الكثير من الفلسطينيين والعرب حملات وجيوشا إلكترونية، نشروا الواقع والحرب والقتل بجميع اللغات، حتى اشترك منهم رياضيون كالعداء الفلسطيني محمد القاضي والرحال الأردني قاسم الحتو، فتحوا منصاتهم لخدمة القضية ونشر الحقيقة.
في المقابل، سقط الكثير من المؤثرين لعدم تضامنهم مع قضية فلسطين، ومنهم من رفض التحدث لحسابات سياسية، لكن على ما يبدو أن كل من تضامن ونشر التوعية حتى لو كان يعمل في مجال التجميل والأزياء والرياضة قد حظي بتأييد شعبي كبير على تلك المنصات.
سطع أخيراً الوجه الإيجابي لمنصات التواصل وللمؤثرين، علموا أجيالنا العربية ما معنى فلسطين وما هي القصة الحقيقية، لقد عادت فلسطين إلى قلب الحدث. كما علموهم درساً في الصمود والقتال والشرف، وأن التحدث عن فلسطين بعدة لغات ضروري لكسب الشارع العالمي وفضح أكاذيب إسرائيل.
أعاد المرابطون من بوابات مواقع التواصل حب المسجد الأقصى لقلوبنا، بعد أن كادت تغيب سيرته عن منابر الدعاة ورجال الدين وكأن قبلتنا الأولى أصبحت من بقايا التاريخ.
لقد ذكرونا بأسماء مدن فلسطين أرجعوا للشارع العربي الأمل. وأن التحرير ليس مستحيلا، وأنه قادم لا محالة، والأهم من كل هذا.. لم ولن يبقى للمطبعين إلا التخاذل ومزابل التاريخ.