فقه الميزان في العلاقة بين الحاكم والمحكوم (1)

28 اغسطس 2022
+ الخط -

إذا نظرنا في النصوص الشرعية من الكتاب الكريم والسنة النبوية المشرفة لتوصلنا بسهولة إلى أن هذه العلاقة تنظمها ثلاثة أمور أساسية، هي: (النظام العام - العقد - القيم الأخلاقية).

الأمر الأول: النظام العام، المأخوذ من الأدلة القطعية والاستقراء الكلي، الذي يتمثل في مجموعة من المبادئ الأساسية والقواعد الكلية العامة في هذا المجال، مثل مبدأ العدل وغيره مما سنذكره.

فهذا النظام العام الإسلامي يمثل خلاصة الأدلة الشرعية الكثيرة المتضافرة في هذا المجال، بل بقايا الشرائع السماوية، والفطر السليمة التي استقرت في نفوس الشعوب والتي تتطلع إليها وإن لم تصل إليها. وقد عبّر الإمام الشاطبي عنها بقوله: (إنها كلية أبدية، وضعت عليها الدنيا، وبها قامت مصالحها في الخلق، حسبما بيّن ذلك الاستقراء، وعلى وفاق ذلك جاءت الشريعة أيضاً، فذلك الحكم الكليّ باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها).

السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وإن حق السلطة لأحد ليس حقاً خالداً، وإنما هو حق مقيد

هذا النظام العام يقوم على مجموعة من القواعد الكلية، والمبادئ الأساسية، والمقاصد العامة لهذه الشريعة، وقد أشار إلى الالتزام بهذا النظام العام الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه، بل ربط بين الالتزام وبين وجوب الطاعة، فقال رضي الله عنه في أول خطبة له بعد انعقاد الخلافة له: (أيها الناس إني قد وُليت عليكم ولست بخيركم، إنْ أحسنتُ فأعينوني، وإنْ أسأتُ فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويّ عندي حتى آخذ الحق له، والقويّ فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه -إن شاء الله-، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم).

حيث أوضح الخليفة برنامج عمله الذي يقوم على مجموعة من المبادئ والحقوق المتبادلة، من أهمها:

1- أن صحة خلافته أو حكمه مرتبطة بالالتزام بالنظام الإسلامي، وهو أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.

2- أن الأمة هي مصدر المراقبة والمحاسبة، والتقييم والتقويم، وهي القادرة على الخلع كما كانت قادرة على العقد.

3- أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وأن حق السلطة لأحد ليس حقاً خالداً، وإنما هو حق مقيد بمدى التزامه بـ:

أ- الإحسان والإتقان وتحقيق الغايات المنشودة والأهداف المقصودة من الخلافة، أو الحكم، وهي: السعي الدائب، واستفراغ الجهد، وبذل المستطاع لتحقيق سعادة الدارين، وتعمير الأرض في ضوء منهج الله تعالى، وتحقيق التنمية الشاملة للإنسان. ولذلك طلب من الأمة مساعدته على تحقيق ذلك، مع نُصحه، وإرشاده، ومحاسبته بل تقويمه، وإعادته إلى جادة الصواب، وأنه إذا لم ينفع النصح والإرشاد، فيكون السبيل هو الخلع والإبعاد.

بـ- قدرته على تحقيق العدل بين الناس والابتعاد عن الظلم والاعتساف، وحماية الأمة وأمنها السياسي والاجتماعي من المتربصين بها في الداخل والخارج.

4- أن العلاقة تكون قائمة على الصدق والشفافية والبيان والابتعاد عن الكذب، والغش والتغرير والتدليس والخيانة.

..يتبع