الوحدة وفق فقه الميزان (1 - 2)
إن من أهم ثوابت الإسلام: أن الوحدة فريضة شرعية، وضرورة واقعية، وأن أداء فريضة الوحدة هي إقامة الدين نفسه، قال تعالى: "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ". (الشورى 13). فالإسلام دين التوحيد في العبودية، والربوبية لله تعالى، وكذلك فهو دين توحيد الأمة على الثوابت لتكون خير أمة أخرجت للناس..
وأن هذه الوحدة هي من أعظم مقاصد إنزال الكتب وإرسال الرسل، وأنها كانت الأصل الذي أراده الله تعالى لبني آدم، قال تعالى: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ". (البقرة 213). ولم يتركهم الله تعالى على خلافهم، بل بين الله تعالى الحق، وهدى المؤمنين الصادقين إلى الوحدة والحق، فقال تعالى: "فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ". (البقرة 213).
ثم بين بأن هذه الاختلافات للابتلاء والامتحان، وأن على الفئة المسلمة الصادقة أن تبادر بالخيرات، قال تعالى: "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ". (المائدة 48).
أمتنا في محن شاملة اقتصادية واجتماعية وإنسانية وحروب داخلية، وعدم الثقة بينها وبين بعضها
ثم اشترط الله تعالى لتحقيق الوحدة الشروط الآتية التي يجب علينا السعي وتربية الأمة عليها، وهي:
1- العبودية الخالصة لله تعالى: "إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ". (الأنبياء 92). والعبودية لله تعالى تعني عدم العبودية لغير الله تعالى.
2- التقوى، قال تعالى: "وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ". (المؤمنون 23).
3- جعل كلمة الله هي الكلمة العليا، وليست المصالح الشخصية، أو الحزبية، أو القومية، أو القبلية، ولذلك جاء بعد آية وحدة الأمة في سورة المؤمنون مباشرة قوله تعالى: "فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ". (المؤمنون 53).
4- السير الحقيقي على الصراط المستقيم البعيد عن الغلو والتطرف.
5- نلاحظ في عدد من الآيات التي تتحدث عن الوحدة أنها تتحدث بعدها عن أمرين مهمين هما:
أ- الإيثار مع الخوف والخشية. قال تعالى: "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ". (المؤمنون 60).
ب- المبادرات الجادة فقال بعد الآية السابقة مباشرة: "أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ". (المؤمنون 61). وقال في وحدة الأمة والحفاظ عليها في سورة البقرة: "فاستبقوا الخيرات".
فهناك ركود كبير، ومشاكل كبيرة.. أمتنا في محن شاملة اقتصادية واجتماعية وإنسانية وحروب داخلية، وعدم الثقة بينها وبين بعضها. وكل هذه الأمور تحتاج إلى مشاريع عملية وإلى خطط وبرامج، كل من موضعه ومسؤوليته.
..يتبع