الوحدة وفق فقه الميزان (2 - 2)
في اعتقادي أن أهم الخطوات الأساسية ما يأتي:
1- إعادة الثقة داخل الأمة بدينها وشعوبها المسلمة: أنها مثل الجسد الواحد.
2- بيان مصالح الوحدة ومنافعها الشاملة، وبيان مخاطر الفرقة، ليس على المستوى الديني فقط، بل على مستوى وجود الأمة وهويتها وقوتها العسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، لضرورة دراستها من الروضة إلى الجامعة. كما فعلت أوروبا بعد اعتماد الوحدة الاقتصادية عام 1966.
وهكذا فعل القرآن الكريم، فحينما حاول اليهودي شاس بن قيس تفريق الأوس والخزرج على أساس الثأر من حروبهم السابقة، بادر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى إطفاء نار الفتنة فقال: "أبدعوى الجاهلية تدعون وأنا بين أظهركم"، ثم قال: "دعوها فإنها منتنة"، ثم نزلت حوالي عشرين آية تعالج هذه المسألة، فعالجناها من خلال ما يأتي:
1- أن طاعة أعداء الإسلام ستترتب عليها الفرقة بلا شك، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ". (آل عمران 100).
2- أن أعداء الإسلام لا يريدون أن يكون الإسلام ويبقى على استقامته وصحته، بل يريدون تغييره إلى دين محرّف معوج، فقال تعالى: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ". (آل عمران 99).
3- بين منافع الوحدة ومخاطر الفرقة مصحوبة بتاريخ طويل، فقال تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". (آل عمران 103).
4- بقاء الأمة يقظة بحيث لا تسمح بالاختراقات. قال تعالى: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". (آل عمران 104).
علينا جميعاً أن نهتم بالمبادرات التي تعيد للأمة ثقتها بدينها من خلال التربية والتزكية، وتقوية العقيدة وترسيخ الأخلاق
5- وجود قوة عسكرية للحفاظ على حدود البلاد، فقال تعالى: "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ". (الحجرات 9). حيث أمر الله تعالى هنا الفئة الثالثة لتحقيق الصلح العادل.
6- تقبيح الفرقة وذمها، حتى سماها الله تعالى "كفراً" فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ". (آل عمران 100). وقال النبي في حجة الوداع: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض". وقال تعالى: "مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ". (الروم 31 - 32).
وقصدي من ذلك أن أمامنا طريقاً طويلاً، وجهوداً مضنية لا بد أن نبذلها حتى نحقق أعظم هدف في الإسلام وهو تحقيق الوحدة الحقيقية بين المسلمين، وبذلك نفرح ويفرح المؤمنون، وعندئذ يكون نصر الله المبين، وفتح الله العظيم، ولكن مبشرات الوحدة كبيرة بين المسلمين، حيث تجمعهم وحدة العقيدة، والعبودية لله، ووحدة الشعائر والمشاعر والشرائع، والقبلة الواحدة، والعبادات التي تجمعهم أيضاً بدءاً من صلاة الجماعة إلى الجمعة، إلى الحج الأكبر، وحتى الزكاة لتحقيق التكافل بين المسلمين، بالإضافة إلى البشائر القرآنية والنبوية بأن العاقبة للمتقين، وأن هذا الدين سيبلغ مبلغ الشمس بعز عزيز أو ذل ذليل.
علينا جميعاً أن نهتم بالمبادرات التي تعيد للأمة ثقتها في دينها من خلال التربية والتزكية، وتقوية العقيدة وترسيخ الأخلاق.. إلخ. وكذلك علينا إعادة الثقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الشعوب والأقوام المسلمة بأن تكون ثقة الشعب المسلم بالشعب الآخر قوية. ومع الأسف الشديد، فإن ما فعلته بعض الأحزاب والحكومات العربية والإسلامية بالشعوب الأخرى، أو بدولة مسلمة أخرى كان أشد مما فعلته الحكومات غير المستعمرة في الظاهر، مع أن الحقيقة هي أن هؤلاء الحكام والأيديولوجيات كانوا من صنيعهم، فمثلاً حدث احتلال الكويت بأيدي النظام البعثي في العراق، وحدثت حروب شديدة داخل اليمن بتدخل مباشر من جمال عبد الناصر، وهكذا عشرات الصراعات. وكذلك بين الأقوام والشعوب الرئيسة في الشرق الأوسط وهم الشعب العربي، والتركي، والفارسي، والكردي..، حيث حدثت صراعات بين هذه الأقوام بشكل مؤذ، بدءاً بإسقاط الخلافة العثمانية، من خلال الصراع القومي الشديد في أواخر القرن 19 و20، ثم الصراعات الداخلية لإضعاف هذه الشعوب الكبرى، وبالتالي تكون خيوط هذه الصراعات بأيدي القوى الكبرى، وحتى يقبل وجود شعب آخر جديد، وهو الصهاينة.
لذلك يجب علينا وعلى المخلصين من الحكام والمسؤولين والمربين، ووسائل الإعلام العمل الجاد والمخلص، العمل لإعادة الثقة والمحبة والوئام بين جميع شعوب الأمة الإسلامية، من خلال خطة استراتيجية ومرحلية تقوم على الأهداف الواضحة والمشاريع الناجحة، والبرامج المؤثرة، والموارد المالية والبشرية الكافية.
وكلنا أمل في الوصول إلى هدفنا الأعظم وهو وحدة الأمة الإسلامية، ولو بتدرج معقول.