"الخصي" كعقوبة للمتحرشين
كان الرابع من سبتمبر/أيلول الحالي يوماً كسائر أيام الطالبة اليمنية بثينة السمة، حيث ذهبت فيه كعادتها إلى جامعتها، إلى أن رمت بنفسها من على الباص الذي يمر من فوق جسر في أحد أحياء العاصمة صنعاء.
كانت الفتاة في غيبوبة كاملة، حتى مر من تحت الجسر فاعل خير رأى جثة بنت مُلقاة على الأرض من دون أي حركة، فأسعفها بسيارته إلى المستشفى المجاور للحادثة، ليتضح بعد الفحوصات أنها أصيبت بكسر في الرقبة ورضوض في جسمها.
كاميرات المراقبة سجلت أن بثينة قفزت من فوق باص كان بداخله ثلاثة أشخاص حاولوا التحرش بها، وإغلاق باب الباص عليها تحت النفق قبل أن يصعد إلى أعلى الجسر، فما كان منها إلا أن قفزت من فوق الباص هروباً بشرفها، غير مبالية بما قد يصيبها، وبعد ثلاثة أيام فقط توفيت بثينة نتيجة لإصاباتها.
ليست بثينة أول ضحية تحرش يضج بها الرأي العام اليمني؛ فقد اشتعل الرأس شيباً من قضية زهور وأخواتها قبل عام، وهن ثلاث أخوات تتراوح أعمارهن بين الحادية عشرة والخمس سنوات فقط، قامت زوجة أبيهن بتمكين عصابة تتكون من عشرة أفراد منهن، واستمروا لفترة طويلة في اغتصابهن، حتى أصبن بأمراض خطيرة، وأكثر من هذا، وقبلها تم اغتصاب طفل في مدينة تعز لم يبلغ الثالثة من العمر حتى الموت، وطفلة أخرى في صنعاء تبلغ من العمر عامين ونصف فقط اغتصبت حتى الموت، واغتصبت طفلة أخرى في إحدى قرى بني مطر حتى الموت، فضلاً عن القصص التي لم تصل إلى الرأي العام، وقد يكون "ما خفي أعظم".
ما يثير الصدمة والجنون، أنه برغم كل القصص التي شهدها المجتمع اليمني عن التحرش واغتصاب الأطفال وهتك الأعراض، إلا أن القانون اليمني ما يزال مائعاً تجاه التحرش
ما يثير الصدمة والجنون، أنه برغم كل القصص التي شهدها المجتمع اليمني عن التحرش واغتصاب الأطفال وهتك الأعراض، إلا أن القانون اليمني لا يزال مائعاً تجاه التحرش، وليس للمتحرش ولا للمغتصب في القانون اليمني عقاب رادع؛ فنصوص العقوبات محدودة جدًا وخجولة، واقتصر المشرع اليمني على تخيير القاضي بتطبيق عقوبة الحبس لمدة قد لا تصل إلى سنة، أو الغرامة المالية، رافضاً إمكانية الجمع بين عقوبتي الحبس والغرامة معاً، ويعيش المجرم بعدها كأنه لم يدمر حياة أحد!
كان العرب قديماً يئدون الفتيات خوفاً على بناتهم من السبي وهتك أعراضهن، وما زال العرب حتى الآن يقتلون فتياتهم لأدنى اشتباه بهن تحت مسمى "جرائم الشرف" وبمبرر "النار ولا العار". فمتى يُعاقب الجاني بدلاً من الضحية؟ ومتى يتوقف المرضى من الذكور عن التحرش بالنساء والأطفال؟ وكيف يمكن للمجتمع والدول معاً الحد من جرائم التحرش والاغتصاب وهتك الأعراض؟
قديماً كان للمغتصبين عقاباً قاسياً في دولة مصر القديمة، وذكر في كتاب "تاريخ التعذيب" لبيرنهاردت هروود: "كان يعاقب كلّ من يغتصب امرأة حرّة ببتر أعضائه الجنسية، بحيث لا يبقى في مقدوره أن يرتكب جريمة مشابهة، ويدبّ الرعب في قلوب الآخرين من هذه العقوبة المخيفة"، وحالياً توجد العديد من الدول الأسيوية والأوروبية تعاقب المتحرش بالـ(الخصي) مثل دولة التشيك، وأوكرانيا، وإندونيسيا، ونيجيريا، وولاية ألاباما الأميركية وهي ولاية جنوب شرقي الولايات المتحدة، وروسيا وبولندا وكوريا الجنوبية، كما بدأت مؤخراً أصوات تطالب بتطبيق هذا القانون في دولتي المغرب العربي ومصر، فيما نحن نتغنى بالمحافظة والفضيلة والعفة، ويقضي المتحرش عمره بستر، وتخشى الضحية انفضاح أمرها ووصمها بأنها تعرضت للتحرش!
لن يتغير الوضع إلا بأن يمتنع الناس عن التعامل مع المتحرش، ونبذه وإقصائه من مناسباتهم الاجتماعية، وبأن تنظم الأنظمة الدينية حملات توعوية حول حرمة التحرش بكافة أنواعه، (على الأقل بالتوازي مع حملاتها اللامنتهية حول لبس النساء) فلن تتحرك الدول لسن قوانين تحد من التحرش إلا بضجة مجتمعية كبرى، لذا ينبغي علينا المطالبة بتشريع قوانين رادعة ضد المتحرشين، بدلاً من الانشغال بلبس المرأة ولونه، وطريقة مشيها، وعزلها في فصول محدودة في الجامعات، فإذا كانت الدول التي نصمها بالكفر والإباحية والانحلال الأخلاقي تسن قوانين رادعة ضد المتحرشين، فالأولى بنا كأمة تقدس الشرف أن نقف ضد كل من ينتهك عرض أي امرأة أو طفل؛ فلو علم المتحرش أنه سيعاقب بالخصي، ربما سيتوقف عن النظر إلى النساء وإن راودته حورية سقطت من السماء.