الملف السوري في ضوء الانتخابات التركية
ما بين التخوّف من "هيئة تحرير الشام" وعدم قدرة المكوّنات السياسية والعسكرية على إدارة الأمور، وقرب خطوط الجبهات من القرى والبلدات، وبين أزقّة الفقر المنتشر... يعيش السوريون في الشمال السوري (مدنيون وعسكريون، وخصوصاً في "درع الفرات" و"غصن الزيتون")، حالة من الترقّب والمتابعة للمناخ السياسي في تركيا مع اقتراب الانتخابات الرئيسية والبرلمانية، في ظلّ وعود انتخابية، ستكون مؤثرة في الملف السوري، منها التقارب مع نظام الأسد.
الأمر لا يخصّ الشمال السوري فحسب، بل أيضاً اللاجئين السوريين في تركيا، فهناك حالة من الترقب لما ستفرزهُ الانتخابات التركية، ما يفتح باب التساؤلات حول مصير الملف السوري واللاجئين السوريين في حال استمرّ حزب العدالة والتنمية، ورئيسه رجب طيب أردوغان في السلطة، أو فاز تحالف الأحزاب المعارضة، بزعامة رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو.
وفي هذا المضمار، وفيما يخصّ السوريين في تركيا، هناك حالة من عدم اليقين بشأن مستقبلهم بعد الانتخابات المقبلة، لا سيما أنّ ملف سورية أصبح بطاقة تستخدمها الأحزاب السياسية، بما في ذلك الحزب الحاكم، لتعبئة الشارع، وكسب مزيد من الأصوات، لذا يخشى السوريون من إجبارهم على العودة إلى مناطق غير آمنة. وزادت الوعود التي قدمتها أحزاب المعارضة بشأن ترحيل السوريين، وأيضاً موقف الحكومة التركية بعد الإجراءات والقرارات التي تسمح لإدارة الهجرة بترحيل السوريين (حتى ولو لأسباب بسيطة)... زادت من مخاوف السوريين.
قضية اللاجئين السوريين، أصبحت في الآونة الأخيرة محور النقاش السياسي في تركيا، لذلك استفادت أطراف الصراع من تعظيم استخدام هذا الملف في طريقها إلى السلطة
ولا يخفى على أحد، أنّ قضية اللاجئين السوريين، أصبحت في الآونة الأخيرة محور النقاش السياسي في تركيا، لذلك استفادت أطراف الصراع من تعظيم استخدام هذا الملف في طريقها إلى السلطة، في وقت كان يواجه فيه أربعة ملايين سوري حالة من عدم الاستقرار النفسي والمادي.
بعد رصد ومتابعة لسياسة حزب العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة، تبيّن أنه في حال فوزه في الانتخابات، فمن المرجح أن يبقى الأمر على ما هو عليه، فيما يخصّ اللاجئين، حيث تستمر الحكومة التركية بقراراتها التعسفية التي تصدر باستمرار عن رئاسة الهجرة التابعة للحكومة، بما يتضمن العديد من القرارات الإدارية وخطط التخفيف من أعداد اللاجئين، كقرارات الترحيل العشوائية على سبيل المثال، والتي قطّعت أوصال الكثير من العوائل السورية.
وفي موازاة إعلان أحزاب معارضة عزمها ترحيل السوريين، فإنّ حزب العدالة والتنمية بدأ فعلياً باتخاذ سياسة تضييق على السوريين لإجبارهم بشكل أو بآخر على الرحيل، وهذا ما اتضح من تصريحات بعض المسؤولين. وعلى الرغم من ذلك، فإن السوريين يتمنون فوز حزب العدالة والتنمية، لأن تصريحات أحزاب المعارضة معادية علناً للاجئين.
ومن جهة أخرى، ومن ناحية قانونية، وبالعودة للقرار الأممي 2254، فإنّ تهديدات الأحزاب بترحيل السوريين إلى بلادهم بشكل مباشر في حال نجاحها، ليست مؤكدة وغير حقيقية نسبياً، لارتباط عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بشروط عديدة، أهمها ضمانات أمنية وحقوقية، وتحقيق انتقال سياسي بتوافق الأطراف، وفق القرار الأممي 2254، وجميع هذه الشروط ليست في المضمون، ولا تتوفّر حالياً في سورية، وفي حال جرى تنفيذ الترحيل القسري ستكون هناك عقوبات دولية تُفرض على الحكومة المنفّذة أيّاً كانت.
في موازاة إعلان أحزاب معارضة عزمها ترحيل السوريين، فإنّ حزب العدالة والتنمية بدأ فعلياً باتخاذ سياسة تضييق على السوريين لإجبارهم بشكل أو بآخر على الرحيل
وأما على الصعيد الخارجي، وبما يخص الملف السوري عموماً، فإنّ موضوع التقارب مع النظام السوري له أهمية كبيرة في قائمة الوعود الانتخابية، كما أنّ ملف التطبيع مع النظام السوري يأخذ حيزاً كبيراً في التصريحات السياسية للأحزاب التركية، حيث توعدت كلّ الأطراف بالعمل على عودة العلاقة مع النظام السوري الذي قتل وهجّر الملايين من السوريين. حتى حكومة حزب العدالة والتنمية، أكدت وجود تواصل وتقارب بين الحكومتين، وخصوصاً بعد تأكيدها العزم على إكمال مسارات الاجتماعات الرباعية، والتي تجمع كلاً من روسيا وإيران وتركيا مع النظام السوري.
لدى النظام السوري الآن خطا طريق مختلفا الأبعاد والغايات والمكاسب. الأول عربي مدعوم أميركياً وغربياً، يضمن للأسد دعماً اقتصادياً وساحة عربية للتحرّك والمناورة السياسية، وكفالة تحميه من المحاكمة والعقاب مستقبلاً. لكن هذه المكاسب، من المفترض أو المشاع، بأنها وفق شروط دولية عربية، وهي تولي بشار الأسد لفترة انتقالية وفق مدّة معينة، ومن ثم رحيله عن سورية بحماية دولية عربية، وهذا الحل نفذته هيئة الأمم المتحدة بالكثير من البلدان التي كانت تعيش الحالة السورية نفسها، وقد جرى تجهيز مسودته في القرار المتعلّق بسورية، رقم 2254.
الاستمرار في الخط العربي المدعوم غربياً، يعني أنّ الأسد ونظامه رضخوا للحل الدولي وإرادة المجتمع الدولي في إخراج أو تقليل الوجود الإيراني في سورية
والثاني، وهو خط إيراني تركي روسي، يُبعد الأسد عن الساحة العربية عدا بعض الدول المتوافقة مع الرؤى الروسية في سورية، ويُنتظر من هذا التقارب تحقيق سيطرة ميدانية جديدة للنظام السوري، وتقارباً تركياً على صعيد تفاهمات واتفاقيات فعلية محتملة، مع تزايد نفوذ إيران الاقتصادي والثقافي في سورية.
وفقاً لهذا، من المتوّقع أنّ نظام الأسد سيعمل على الاستمرار في كلّ خطوط العلاقات المتاحة إلى أن يجري وضوح بعض العوامل الدولية المؤثرة في صنع القرار، ومنها الانتخابات التركية.
إنّ الاستمرار في الخط العربي المدعوم غربياً، يعني أنّ الأسد ونظامه رضخوا للحل الدولي وإرادة المجتمع الدولي في إخراج أو تقليل الوجود الإيراني في سورية، وإنهاء دور بشار في سورية، مع كفالة وضمان عدم محاكمته. أما الاستمرار في الخطّ الإيراني الروسي التركي، فيعني اختيار النظام عملية المواجهة، بعيداً عن التنازل، وسيكون الخطّ الأول مجرّد مناورة سياسية ماكرة تمكّنه على الأقل من الانتعاش الاقتصادي، ولو مؤقتاً.
سيكون للقرارات والرؤى التركية خلال الشهور المقبلة، وبعد الانتخابات، دور فعّال ومفصلي في الملف السوري. وكما أنّ لكلّ نتيجة سبباً ما، كان هذا ما ترتب عليه التشرذم السوري، وعدم التوحّد في الصفوف والانصياع للأوامر الخارجية التي كانت دوماً بعيدة عن أهداف وطموح السوريين في سورية حرة، تحمل مبادئ العدل والمساواة، وهذا التشرذم والانقسام، هو ما أدى إلى ربط مصير الثورة السورية بقرارات دول وحكومات أخرى.