الأسد يشعل حرب التجويع لكسر الثورة

23 أكتوبر 2014
الأسد أفقر الشعب السوري ليطيل أمد نظامه (فرانس برس)
+ الخط -
بدلاً من أن يساهم تدهور الاقتصاد في إسقاط النظام الديكتاتوري لبشار الأسد في سورية، استغل بشار سلاح الأزمات المعيشية لإرهاق الشعب وكسر الثورة، فنشر الفقر والمرض والخراب، ودمر البنية الصناعية والزراعية والتحتية، ليطيل عمر نظامه. واستخدم حرب التجويع لإحباط السوريين، فحول نصف شعبه ما دون خط الفقر وأدخل 60% منه إلى دائرة البطالة، وتزايدت معاناة الشعب في ظل الصمت الدولي على جرائم الأسد، واضطر ملايين السوريين للهجرة، وتعرض الآلاف للموت غرقاً على الشواطئ الأوروبية، بعد أن ضاقت بهم بلاد الجوار والأشقاء، ويأتي ذلك ضمن معادلة أعلنها الأسد يقول فيها للشعب "أنا أو الموت" كما قال أنصاره منذ البداية "الأسد أو نحرق البلد".
مدير هيئة مكافحة البطالة المنشق عن النظام السوري الدكتور حسين العماش، تحدث لـ "العربي الجديد" عن جرائم نظام الأسد الاقتصادية، وكيف ساهمت في إفقار السوريين وتجويعهم وتهجيرهم، قائلا: إنها كارثة دمار اقتصادية وإنسانية لم تحصل حتى في الحرب العالمية الثانية في أبشع صورها، فهذا التدمير الذي يمارسه نظام الأسد ممنهجاً وشاملاً بفكر حاقد، ولم يكن موجها فقط إلى أماكن تواجد الثوار، بل هو تدمير المقصود منه إضعاف وإلغاء الحاضنة الثائرة .. تدمير لم تمارسه أية قوة احتلال في التاريخ".

وانتقل العماش، الذي عمل مستشاراً سابقاً في الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، إلى الخسائر قائلا "إحصاءات الخسارة الاقتصادية والبشرية هائلة ولا تزال في تزايد. وعنف السلطة على مدى ثلاث سنوات ونصف، ولد أكثر من 200 ألف قتيل، ونحو 600 ألف جريح، ونحو 250 ألف معتقل لايزالون في سجون النظام، وأكثر من 3 ملايين في الخارج، ونحو 6 ملايين نازح ومهجر في الداخل، وأكثر من 2.5 مليون مسكن ومنشأة مدمرة كليا أو جزئيا. إنها إحصاءات مرعبة، ولا يزال العداد مستمرا".
وأضاف العماش: "إذا حاولنا ترجمة هذه الخسائر إلى أرقام مالية، فإننا لن نتمكن بدقة لأن النفس البشرية لا تقاس بمال. أما الخسارة الاقتصادية الباهظة فأرقامها في تزايد، حتى إننا نقول إن سورية دمرت بالكامل باستثناء بعض المدن التي لا يزال يتحصن فيها نظام الأسد".
وحسب العماش، أصاب الفقر كل سوري تقريبا، وارتفع معدل الفقر المدقع إلى 9 ملايين نسمة (أي نحو نصف السكان)، والتضخم الحقيقي لأكثر من 300%، وتوقف الإنتاج والصادرات تقريباً، أما الاحتياطي النقدي فقد تلاشى رغم دعم حلفاء النظام من إيران والعراق وروسيا، وسرقة الناس وتوجيه النظام للأموال التي يحصل عليها لتسديد رواتب مرتزقته من السوريين وميليشياته الطائفية المستوردة.

القتل بالاقتصاد

وقال العماش: "آثار حرب النظام السوري على الشعب جسيمة. فلم يبق سوري إلا وخسر شيئا ما، إلا أن أغلبية السوريين أصبحوا أقرب إلى المجاعة، فانقطع التيار الكهربائي في أغلب المناطق، ودمرت آلاف المدارس وحرم ملايين الأطفال من التعليم، وانهارت أغلب المشافي وافتقد الشعب العناية الصحية بصورة شبه كاملة".
وأضاف مدير هيئة مكافحة البطالة المنشق عن النظام السوري: "تشابه حال السوريين في المناطق المحررة أو المحتلة. فهم متشابهون في الشقاء، فالغلاء انتشر وتعاني السوق أزمة نقص السلع، وأصبح الاحتكار من تجار السلطة والمهربين والحواجز الأمنية هو السمة الشائعة".
وحسب المسؤول السوري السابق، فإن توقف الاستيراد والتصدير ومستلزمات الإنتاج أدى إلى هجرة المنتجين مزارعهم ومصانعهم، حتى ولو لم تتعرض للقصف والتدمير، وأصبحت كتائب
حرب النظام، هي رب العمل الوحيد في البلاد، حسب العماش، الذي أكد أنه بسبب انهيار مصادر الدخل والقوة الشرائية، فقد تضاعف التضخم 3 مرات، وفقدت الليرة السورية أكثر من 75% من قيمتها أمام الدولار.
وكان مصرفيون سوريون قد أشاروا في وقت سابق، إلى أن تدخلات المصرف المركزي السوري لم تفلح في تحسين سعر صرف الليرة التي تهاوت أمام العملات الرئيسية، بشكل مستمر منذ بدء الثورة عام 2011، رغم استمرار ضخ المصرف النقد الأجنبي عبر شركات الصرافة والمصارف الخاصة.
وقالوا إن الليرة فقدت ثقة السوريين وهذا أخطر ما يواجهها اليوم، حيث تراجع الاحتياطي الأجنبي الذي كان يزيد على 18 مليار دولار قبل الثورة، وتراجعت صادرات النفط والتحويلات من الخارج، وتجاوز سعر الدولار 200 ليرة سورية في السوق السوداء، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، فزاد العبء على المواطن السوري.
وأكد العماش أن حرب الأسد على معيشة المواطن السوري، لم تحدث من قبل الفرنسيين أو طوال تاريخ البلاد.
وعن عدم استفادة الثوار من الثروات والإمكانيات المتاحة داخل المناطق المحررة؛ للحد من الفقر ومواجهة خطط الأسد التخريبية، قال: "الثروات كانت هائلة وقادرة على تجهيز جيش كامل العتاد والعدد من 100 ألف ثائر حر مقاتل وبكل سهولة، وبدون أي دعم من الخارج. ودائما انتهاز الفرص يحتاج إرادة وإدارة. ويبدو لسوء الحظ أن كليهما كانا غائبين عن قيادة الثورة، حتى وان كانت الأماني عالية للجالسين في الصفوف الأمامية للثورة".
وحسب العماش، أيضاً، كان استغلال هذه الثروات والقدرات غير ممكن ما لم يتم توفير الحماية والأمن لها، وأوضح أن النفط والمياه والزراعة والحبوب والقطن والسدود والكهرباء وغيرها فيها وفرة، خاصة في المنطقة الشرقية التي خرجت مبكراً من تحت سيطرة الثورة إلى أيدي داعش، ولم تحسن المعارضة الحفاظ عليها، كما لم تستطع حماية المناطق المحررة من طيران النظام.
ووفقاً للعماش، إذا أضيف إلى ذلك عوائد المعابر والتجارة والخدمات فإنه بوجود إدارة مالية جيدة بالإمكان تدبير ما لا يقل عن 500 مليون دولار شهرياً، وهي تكفي لتمويل الثورة والإغاثة. أما اليوم وفي ظل استمرار التشرذم والضعف للكتائب المقاتلة، فإنني لا أرى سبيلاً مالياً لاستغلال هذه الثروات الهائلة (في ظل غياب القوة) التي ذهبت إلى الأعداء، أو تبخرت بسبب الإهمال وضعف الإدارة للثورة.

منطق العصابة

أوضح العماش أنه رغم توقع كثير من الناس سقوط نظام الأسد خلال الأشهر الأولى من الثورة. إلا أن هذا النظام لا يحكمه منطق الدولة ولا مصلحة الشعب؛ وإنما يحكمه منطق العصابة والطائفة المحتلة للبلد.

وأضاف: "منذ بداية الثورة عام 2011 حاول النظام استخدام أدوات السيادة الاقتصادية للدولة السورية لتحقيق أهدافه لضرب الثورة وحماية أركانه، من خلال استنزاف الاحتياطي، ثم طبع نقود في روسيا بدون رصيد، ثم الاقتراض الداخلي. وهي كلها أدوات استنزفت مواردها عام 2014، فلجأ بعدها إلى "اقتصاد الظل" من خلال وسائل التهريب وأدوات تبييض الأموال داخليا ومن خلال حلفائه، وسرقة ممتلكات الأفراد السوريين في الداخل والخارج، وطبع نقود داخلية معدومة القيمة. وهنا سوف تستمر هذه العصابة بإجرامها ما دام لديها شريحة من الشعب والبلاد مختطفة بقوة السلاح والحقد، وما دام بعض الدول العربية لا تزال تعترف بها، وتفتح لها بوابات التبادل التجاري والسياسي".
وحول مدى قدرة صمود واستمرار الدعم الخارجي لنظام الأسد قال العماش: "ما لم تضرب وتهدد مصالح إيران وروسيا بقوة داخل سورية وخارجها؛ فإنهما سيستمران بقتل السوريين بدون خجل وبدون مبرر حقيقي. فمن أمن العقوبة أساء الأدب، وحتى الآن لا يوجد أي عقوبة جدية وغير جدية على كليهما، ولم تعلن الدول العربية أو الغربية مواقف حاسمة بالضغط على الدول الداعمة لبشار، الأمر الذي يسهل إسقاطه، بل العكس من ذلك هنالك غزل وأكثر من ذلك على دماء السوريين".
لكن عاد العماش ليؤكد أن نظام الأسد سيسقط طال الزمن أو قصر، مشيراً إلى أنه ليس من المنطقي أن تعترف أي حكومة ستحكم بعد نجاح الثورة وإسقاط الأسد، بهذه الديون أو سداد أموال خصصت لقتل الشعب السوري، ولم توجه لصالح الشعب.
وقال العماش في ختام حديثه مع "العربي الجديد " : "يجب ألا ينسى أي مواطن سوري بأن المستقبل سيكون أفضل من الواقع الحالي مهما كان. فالاستبداد يقتل، أما الثورة فسوف تحيي كل الأرواح. والإيمان بالمستقبل يجب ألا يكون غيبيا وأن نربط الحرية بالتنمية في كل خطوة؛ لئلا نقع بذات المحظور عندما سلمنا أمرنا للطغاة الوطنيين بدلا من الغرباء".
المساهمون