تضاعفت أعداد الباعة الجائلين في المغرب بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وانخرط الآلاف من هؤلاء في صفوف المطالبين بتحسين الأوضاع المعيشية.
الأرقام الرسمية قدّرت عدد الباعة الجائلين بقرابة 278 ألفاً، يعيلون حوالي 1.5 مليون نسمة، من بينهم أكثر من 130 ألفاً بالدار البيضاء وحدها، كما أن هذا النشاط يمثل حرفة بالنسبة لـ60 في المائة منهم.
ويصل رقم معاملات القطاع إلى 45 مليار درهم، بمعدل نمو سنوي في حدود 3 إلى 4 في المائة. لكنه مقابل ذلك، يضيع على خزينة الدولة مليارات الدراهم نظير الضرائب والتحملات الاجتماعية التي لا يؤديها هؤلاء... وإلى الآن تقف السلطات المعنية عاجزة عن إيجاد وصفة ملائمة لحل المعضلة، وكثير من التجارب التي قامت بها لم تفلح.
في كثير من المناطق التي تعرف انتشار الباعة الجائلين، تتعامل السلطات معهم بأسلوب المطاردة، بمبرر مزاولتهم أنشطة تجارية غير مرخصة، واحتلالهم الفضاء العام، وأيضا بسبب الشكاوى العديدة التي تصدر عن التجار المرخصين بسبب المنافسة غير المتكافئة التي تهدد تجارتهم بالكساد. وحتى بعض التجارب التي تبنتها السلطات الوصية في عدد من المحافظات كانت محط انتقادات واسعة من طرف الباعة الجائلين سواء بسبب إقصاء باعة آخرين أو بسبب عدم ملاءمة الفضاءات المخصصة لهم.
مبالغ مرتفعة
يقول البائع الجائل بمنطقة البرنوصي بالدار البيضاء، مصطفى ماض، لـ"العربي الجديد"، في هذا الصدد: "اعتقلت برفقة 25 آخرين بسبب احتجاجنا على مشروع فرضته المحافظة دون إشراكنا في بلورته ولا حاورتنا حتى تعرف موقفنا منه. ولحد الآن لم نستفد من الحل الذي لم يحل المشكلة من أصلها، بل خلق فضاءً مشوّهاً لا يستجيب للمعايير التي نادينا بتطبيقها".
"المشكلة أن المحافظة في مشروعها وضعت دفتر تحملات به شروط مجحفة"، يقول ماض، "ومن ضمنها عدم إمكانية الاستمرار في المساحة المخصصة على صغرها لأكثر من سنتين، فضلاً عن فرض أداء مبالغ شهرية تصل إلى 1200 درهم (120 دولاراً) شهرياً، وهذا يثقل كاهل الباعة نظراً لمحدودية مداخيلهم أصلاً".
والسؤال هو: كيف يمكن للسلطات أن توقف نزيف تكاثر الباعة الجائلين، خاصة مع الظروف الاقتصادية التي تضطر الكثيرين لسلوك هذا الخيار الأسهل بدل الاستمرار في البحث عن عمل قد يطول انتظاره؟
يجيب يوسف الرخيص، مستشار جماعي وواحد ممّن اشتغلوا على ملف الباعة الجائلين في مجلس مدينة الدار البيضاء، أنه ليس هناك إحصاء دقيق لأعداد الباعة الجائلين بسبب عدم انتظامهم في جمعيات أو اتحادات، "وهذا يعقد مأمورية السلطات المختصة في حال رغبت في محاورتهم بشأن مقترحات أو برامج تهمهم. ولهذا حتى ولو افترضنا القيام بإحصاء لمن يستغلون فضاءً أو شارعاً معيناً، فإننا نصطدم بمشكلة وجود أفراد غرباء عن المنطقة، ولا يقطنون فيها ولا معنى لأن يستفيدوا من حلول في منطقة لا ينتمون إليها، وهذا سيولّد بطبيعة الحال موجة من الاحتجاج".
الإشكال الأكبر، يقول الرخيص، "يتمثل في ندرة الوعاء العقاري في أغلب مدن المملكة، وهذا يحول دون بناء مركبات وفضاءات يمكنها أن تستوعب هؤلاء. بل أكثر من هذا، فشلت العديد من التجارب التي أنجزت في هذا الصدد، لأن الأماكن التي استطعنا أن نحصل فيها على عقار وأقيمت فيها مشاريع، بعيدة عن الأحياء التي تعرف كثافة سكانية مرتفعة وسرعان ما يهجرها الباعة ليعودوا إلى الشارع العام حيث الرواج التجاري والقرب من الزبائن".
ويطرح غياب قانون مؤطر لهذه الظاهرة العديد من الإشكالات، ما يضطر السلطات إلى اللجوء إلى المقاربة الأمنية في محاولة لتحرير الشوارع من خلال التدخلات التي غالباً ما تقود إلى نتائج عكسية. وهو ما يحصل أيضاً حين يتم الاعتماد على التشريعات المنظمة لعملية احتلال الفضاء العمومي، ما يعطل إمكانية تنفيذ برامج أثبتت نجاعتها في عدد من الدول التي تمكنت من احتواء الظاهرة بأقل الخسائر. ويرى فاعلون في القطاع المدني أن الحلول ممكنة لمعالجة تداعيات هذا الملف، منها التجارب التي تعتمدها العديد من الدول الأوروبية، حيث يسمح للباعة الجائلين باستغلال فضاءات لأوقات محددة تنتهي غالباً مع المغيب، على أساس فرض رسوم توجه لتنظيف الفضاءات وتوفير الأمن والخدمات الأساسية. لكن شريطة أن يتم الإحصاء الدقيق للمهنيين وتغليب المصلحة العامة في هذه القضية، ما يقطع الطريق على المتاجرين في مثل هذه البرامج.
اقرأ أيضاً:جودة التشغيل في المغرب... الخلل من التكوين
الأرقام الرسمية قدّرت عدد الباعة الجائلين بقرابة 278 ألفاً، يعيلون حوالي 1.5 مليون نسمة، من بينهم أكثر من 130 ألفاً بالدار البيضاء وحدها، كما أن هذا النشاط يمثل حرفة بالنسبة لـ60 في المائة منهم.
في كثير من المناطق التي تعرف انتشار الباعة الجائلين، تتعامل السلطات معهم بأسلوب المطاردة، بمبرر مزاولتهم أنشطة تجارية غير مرخصة، واحتلالهم الفضاء العام، وأيضا بسبب الشكاوى العديدة التي تصدر عن التجار المرخصين بسبب المنافسة غير المتكافئة التي تهدد تجارتهم بالكساد. وحتى بعض التجارب التي تبنتها السلطات الوصية في عدد من المحافظات كانت محط انتقادات واسعة من طرف الباعة الجائلين سواء بسبب إقصاء باعة آخرين أو بسبب عدم ملاءمة الفضاءات المخصصة لهم.
مبالغ مرتفعة
يقول البائع الجائل بمنطقة البرنوصي بالدار البيضاء، مصطفى ماض، لـ"العربي الجديد"، في هذا الصدد: "اعتقلت برفقة 25 آخرين بسبب احتجاجنا على مشروع فرضته المحافظة دون إشراكنا في بلورته ولا حاورتنا حتى تعرف موقفنا منه. ولحد الآن لم نستفد من الحل الذي لم يحل المشكلة من أصلها، بل خلق فضاءً مشوّهاً لا يستجيب للمعايير التي نادينا بتطبيقها".
"المشكلة أن المحافظة في مشروعها وضعت دفتر تحملات به شروط مجحفة"، يقول ماض، "ومن ضمنها عدم إمكانية الاستمرار في المساحة المخصصة على صغرها لأكثر من سنتين، فضلاً عن فرض أداء مبالغ شهرية تصل إلى 1200 درهم (120 دولاراً) شهرياً، وهذا يثقل كاهل الباعة نظراً لمحدودية مداخيلهم أصلاً".
والسؤال هو: كيف يمكن للسلطات أن توقف نزيف تكاثر الباعة الجائلين، خاصة مع الظروف الاقتصادية التي تضطر الكثيرين لسلوك هذا الخيار الأسهل بدل الاستمرار في البحث عن عمل قد يطول انتظاره؟
يجيب يوسف الرخيص، مستشار جماعي وواحد ممّن اشتغلوا على ملف الباعة الجائلين في مجلس مدينة الدار البيضاء، أنه ليس هناك إحصاء دقيق لأعداد الباعة الجائلين بسبب عدم انتظامهم في جمعيات أو اتحادات، "وهذا يعقد مأمورية السلطات المختصة في حال رغبت في محاورتهم بشأن مقترحات أو برامج تهمهم. ولهذا حتى ولو افترضنا القيام بإحصاء لمن يستغلون فضاءً أو شارعاً معيناً، فإننا نصطدم بمشكلة وجود أفراد غرباء عن المنطقة، ولا يقطنون فيها ولا معنى لأن يستفيدوا من حلول في منطقة لا ينتمون إليها، وهذا سيولّد بطبيعة الحال موجة من الاحتجاج".
الإشكال الأكبر، يقول الرخيص، "يتمثل في ندرة الوعاء العقاري في أغلب مدن المملكة، وهذا يحول دون بناء مركبات وفضاءات يمكنها أن تستوعب هؤلاء. بل أكثر من هذا، فشلت العديد من التجارب التي أنجزت في هذا الصدد، لأن الأماكن التي استطعنا أن نحصل فيها على عقار وأقيمت فيها مشاريع، بعيدة عن الأحياء التي تعرف كثافة سكانية مرتفعة وسرعان ما يهجرها الباعة ليعودوا إلى الشارع العام حيث الرواج التجاري والقرب من الزبائن".
ويطرح غياب قانون مؤطر لهذه الظاهرة العديد من الإشكالات، ما يضطر السلطات إلى اللجوء إلى المقاربة الأمنية في محاولة لتحرير الشوارع من خلال التدخلات التي غالباً ما تقود إلى نتائج عكسية. وهو ما يحصل أيضاً حين يتم الاعتماد على التشريعات المنظمة لعملية احتلال الفضاء العمومي، ما يعطل إمكانية تنفيذ برامج أثبتت نجاعتها في عدد من الدول التي تمكنت من احتواء الظاهرة بأقل الخسائر. ويرى فاعلون في القطاع المدني أن الحلول ممكنة لمعالجة تداعيات هذا الملف، منها التجارب التي تعتمدها العديد من الدول الأوروبية، حيث يسمح للباعة الجائلين باستغلال فضاءات لأوقات محددة تنتهي غالباً مع المغيب، على أساس فرض رسوم توجه لتنظيف الفضاءات وتوفير الأمن والخدمات الأساسية. لكن شريطة أن يتم الإحصاء الدقيق للمهنيين وتغليب المصلحة العامة في هذه القضية، ما يقطع الطريق على المتاجرين في مثل هذه البرامج.
اقرأ أيضاً:جودة التشغيل في المغرب... الخلل من التكوين