13 يونيو 2021
هل يتراجع الصومال أمام الإمارات؟
تثير دعوة وزير خارجية الصومال، أحمد عيسى عوض، شركة موانئ دبي العالمية، إلى مراجعة عقدها مع منطقة أرض الصومال، والعمل مع السلطات الاتحادية لتطبيع العلاقات بين مقديشو وأبوظبي، تساؤلات بشأن موقف الحكومة الفيدرالية الصومالية التي اتخذ برلمانها قرارا بأغلبية ساحقة، في شهر مارس/آذار الماضي، ببطلان الاتفاقية الثلاثية التي وقّعتها "موانئ دبي" في الشهر نفسه مع كل من أرض الصومال وإثيوبيا لتطوير ميناء بربرة الاستراتيجي. وما إذا كان هدف مقديشو طرد الإماراتيين، على غرار ما فعلت الجارة جيبوتي التي ألغت عقد "موانئ دبي" بخصوص إدارة ميناء دوراليه الاستراتيجي، لتراجع عوائده بصورة متعمدة لصالح هذه الشركة في جبل علي في الإمارات، أم أن الهدف الصومالي هو إعادة تقنين أوضاع "موانئ دبي"، بحيث تذهب عوائد الاتفاقية التي قدرت بـ442 مليون دولار إلى الحكومة الاتحادية، وليس لحكومة إقليم أرض الصومال؟
واضحٌ في ضوء التصريح الوزير الصومالي أن حكومة بلاده تسعى إلى تقنين المسألة، وليس إلى طرد الإماراتيين نهائيا، والذين قاموا بالتصعيد من جانب واحد، عبر إلغاء التعاون العسكري مع كل من مقديشو وبونت لاند، الأمر الذي يطرح تساؤلين، بشأن الفرق بين حالتي الصومال وجيبوتي في التعامل مع الإمارات، وبشأن الأسباب الكامنة وراء الرغبة الصومالية في تقنين وضع شركة موانئ دبي، وليس طردها.
يمكن القول بوجود تباين كبير بين حالتي جيبوتي والصومال، فالأولى دولةٌ مستقرةٌ إلى حد كبير، وتتمتع الحكومة المركزية فيها بالسيادة على كامل أراضيها، تساعدها في ذلك علاقاتها الوطيدة بالخارج، خصوصا فرنسا الدولة المستعمرة الأم، والتي تحتفظ على أراضيها بأكبر قاعدة عسكرية لها في أفريقيا، ناهيك عن الولايات المتحدة التي لديها قاعدة أخرى، فضلا عن الصين. كما أن حكومة جيبوتي هي التي وقّعت الاتفاقية مع "موانئ دبي". وعلى الرغم من عدم إقرار الأخيرة بإنهاء الاتفاق، وتهديدها باللجوء إلى التحكيم الدولي، إلا أن هذه الأمور ربما لا تتوفر بصورة كبيرة في الحالة الصومالية، فعلى الرغم من إقرار الفيدرالية في دستور البلاد الانتقالي، إلا أن هناك أقاليم ترى نفسها صاحبة استقلال فعلي، مثل "بونت لاند" في شمال شرق البلاد، والتي يوجد فيها ميناء بوصاصو، ناهيك عن ولاية جلمدغ والصومال الجنوبي الغربي، وهي الأقاليم الثلاثة التي عارضت الحياد الذي التزمت به الحكومة الفيدرالية في أزمة حصار قطر العام الماضي، فيما أيدته ولايتا جوبا لاند وهيرشبيلي. أما إقليم أرض الصومال (صومالي لاند)، فقد أعلن انفصاله نهائيا بعد سقوط سياد بري، أوائل تسعينيات القرن الماضي.
وقد سبق أن وقّعت هذه الأقاليم، خصوصا بونت لاند وصومالي لاند، اتفاقيات منفصلة مع شركة موانئ دبي عام 2016، من دون موافقة الحكومة الفيدرالية، لتطوير ميناءي بوصاصو في الأولى، وبربرة في الثانية، واستغلالهما، فضلا عن اتفاقية عسكرية في بربرة، في فبراير/شباط 2017. وبالتالي، الجديد في الاتفاق الثلاثي الذي تم توقيعه الشهر الماضي، وتردّد أنه يهدف إلى تطوير الميناء وإقامة منطقة تجارة حرة، هو إدخال إثيوبيا طرفا ثالثا، مع تنازل "موانئ دبي" عن جزء من حصتها (19%) لصالح أديس أبابا التي تعتبر "أرض الصومال" خاضعة لنفوذها، باعتبارها هي التي ساعدتها على الانفصال. وقد جاء هذا التنازل الإماراتي لتجنب اعتراض إثيوبيا على تشغيلها لبربرة، أو على القاعدة العسكرية هناك، فضلا عن الاعتقاد بإمكانية أن تضغط أديس أبابا على الحكومة الصومالية لقبول الاتفاق.
وبالنسبة للجزئية الثانية، الخاصة بسعي حكومة الصومال إلى تقنين وضع "موانئ دبي"، وليس طردها، فيرجع إلى عدة اعتبارات: الأول: تردي الأوضاع الاقتصادية للحكومة المركزية، وبالتالي هي ترغب في الاستفادة من هذه الأموال التي سيتم استثمارها هناك (قرابة نصف مليار دولار). الثاني: الرغبة في تعزيز وضعها السياسي، حكومةً مركزيةً في مواجهة حكومات الأقاليم، لا سيما فيما يتعلق بالسيادة وإبرام الاتفاقيات الدولية، حيث يثار جدل كبير بينها وبين هذه الحكومات بشأن الطرف الذي يحق له توقيع مثل هذه الاتفاق، فحكومات الأقاليم تستند إلى البند 53 من الدستور الانتقالي، في حين تستند حكومة مقديشو للبند 54 الذي ينص على أن اختصاصات الحكومة الفيدرالية هي السياسة الخارجية والدفاع والعملة الوطنية والجنسية، وهي خارجة عن استشارة الولايات. الثالث: تفادي الضغوط الإماراتية والسعودية، فالحكومة الصومالية في مرحلة التعافي، وليس من مصلحتها معاداة السعودية والإمارات، لا سيما في ظل أوراق الضغط التي تملكها كل منهما تجاهها، فالسعودية أكبر مستورد خليجي
للماشية الصومالية. وفي حصار قطر، هددت الصومال عبر ورقة تأشيرات الحج، والمنح الدراسية. ويتردد أنها تسعى الآن إلى الوساطة في الأزمة التي استجدت بين مقديشو وأبوظبي. أما الإمارات فيوجد فيها أكثر من 50 ألف صومالي، ثلثهم يعمل في قطاع الأعمال والمال، والبنوك المحلية تمرِّر حوالاتها البنكية من أبوظبي، ناهيك عن أنها أكبر مورد للصومال (44% من الواردات)، فضلا عن الأعمال الإنسانية، والتدريبات العسكرية، والمساهمة في دفع رواتب حوالي ألفي جندي. وبالتالي، ليس من صالح الصومال عداء هاتين الدولتين. الرابع: حالة الفراغ الأمني الذي يتركه انسحاب القوات الإماراتية. ربما تملأ تركيا هذا الفراغ، لكن معاداة الإمارات تظل غير مرغوب بها، حتى لا تشجع الأقاليم على مزيد من الانفصال، كما أن دخول إثيوبيا العدو اللدود في الاتفاقية يجعل إلغاءها أمرا محفوفا بالمخاطر أيضا، لاسيما في ظل الدور التاريخي الذي تلعبه أديس أبابا لإضعاف الحكومة المركزية الصومالية، حتى لا تطالب بإقليم أوغادين الذي استحوذت عليه بعد حرب 1977- 1978.
واضحٌ في ضوء التصريح الوزير الصومالي أن حكومة بلاده تسعى إلى تقنين المسألة، وليس إلى طرد الإماراتيين نهائيا، والذين قاموا بالتصعيد من جانب واحد، عبر إلغاء التعاون العسكري مع كل من مقديشو وبونت لاند، الأمر الذي يطرح تساؤلين، بشأن الفرق بين حالتي الصومال وجيبوتي في التعامل مع الإمارات، وبشأن الأسباب الكامنة وراء الرغبة الصومالية في تقنين وضع شركة موانئ دبي، وليس طردها.
يمكن القول بوجود تباين كبير بين حالتي جيبوتي والصومال، فالأولى دولةٌ مستقرةٌ إلى حد كبير، وتتمتع الحكومة المركزية فيها بالسيادة على كامل أراضيها، تساعدها في ذلك علاقاتها الوطيدة بالخارج، خصوصا فرنسا الدولة المستعمرة الأم، والتي تحتفظ على أراضيها بأكبر قاعدة عسكرية لها في أفريقيا، ناهيك عن الولايات المتحدة التي لديها قاعدة أخرى، فضلا عن الصين. كما أن حكومة جيبوتي هي التي وقّعت الاتفاقية مع "موانئ دبي". وعلى الرغم من عدم إقرار الأخيرة بإنهاء الاتفاق، وتهديدها باللجوء إلى التحكيم الدولي، إلا أن هذه الأمور ربما لا تتوفر بصورة كبيرة في الحالة الصومالية، فعلى الرغم من إقرار الفيدرالية في دستور البلاد الانتقالي، إلا أن هناك أقاليم ترى نفسها صاحبة استقلال فعلي، مثل "بونت لاند" في شمال شرق البلاد، والتي يوجد فيها ميناء بوصاصو، ناهيك عن ولاية جلمدغ والصومال الجنوبي الغربي، وهي الأقاليم الثلاثة التي عارضت الحياد الذي التزمت به الحكومة الفيدرالية في أزمة حصار قطر العام الماضي، فيما أيدته ولايتا جوبا لاند وهيرشبيلي. أما إقليم أرض الصومال (صومالي لاند)، فقد أعلن انفصاله نهائيا بعد سقوط سياد بري، أوائل تسعينيات القرن الماضي.
وقد سبق أن وقّعت هذه الأقاليم، خصوصا بونت لاند وصومالي لاند، اتفاقيات منفصلة مع شركة موانئ دبي عام 2016، من دون موافقة الحكومة الفيدرالية، لتطوير ميناءي بوصاصو في الأولى، وبربرة في الثانية، واستغلالهما، فضلا عن اتفاقية عسكرية في بربرة، في فبراير/شباط 2017. وبالتالي، الجديد في الاتفاق الثلاثي الذي تم توقيعه الشهر الماضي، وتردّد أنه يهدف إلى تطوير الميناء وإقامة منطقة تجارة حرة، هو إدخال إثيوبيا طرفا ثالثا، مع تنازل "موانئ دبي" عن جزء من حصتها (19%) لصالح أديس أبابا التي تعتبر "أرض الصومال" خاضعة لنفوذها، باعتبارها هي التي ساعدتها على الانفصال. وقد جاء هذا التنازل الإماراتي لتجنب اعتراض إثيوبيا على تشغيلها لبربرة، أو على القاعدة العسكرية هناك، فضلا عن الاعتقاد بإمكانية أن تضغط أديس أبابا على الحكومة الصومالية لقبول الاتفاق.
وبالنسبة للجزئية الثانية، الخاصة بسعي حكومة الصومال إلى تقنين وضع "موانئ دبي"، وليس طردها، فيرجع إلى عدة اعتبارات: الأول: تردي الأوضاع الاقتصادية للحكومة المركزية، وبالتالي هي ترغب في الاستفادة من هذه الأموال التي سيتم استثمارها هناك (قرابة نصف مليار دولار). الثاني: الرغبة في تعزيز وضعها السياسي، حكومةً مركزيةً في مواجهة حكومات الأقاليم، لا سيما فيما يتعلق بالسيادة وإبرام الاتفاقيات الدولية، حيث يثار جدل كبير بينها وبين هذه الحكومات بشأن الطرف الذي يحق له توقيع مثل هذه الاتفاق، فحكومات الأقاليم تستند إلى البند 53 من الدستور الانتقالي، في حين تستند حكومة مقديشو للبند 54 الذي ينص على أن اختصاصات الحكومة الفيدرالية هي السياسة الخارجية والدفاع والعملة الوطنية والجنسية، وهي خارجة عن استشارة الولايات. الثالث: تفادي الضغوط الإماراتية والسعودية، فالحكومة الصومالية في مرحلة التعافي، وليس من مصلحتها معاداة السعودية والإمارات، لا سيما في ظل أوراق الضغط التي تملكها كل منهما تجاهها، فالسعودية أكبر مستورد خليجي