بينما بات العالم مشغولاً تماماً بانتشار فيروس كورونا الجديد، تتفاقم معاناة اليمنيين مع استمرار النزوح هرباً من الموت. هؤلاء لا يعرفون متى يحملون ما بقي من أمتعتهم ويرحلون إلى مكان جديد مرة أخرى
للمرة الثالثة، أجبر النازح عبد الله الخولاني على ترك مسكنه والتوجّه إلى محافظة مأرب، بعد اندلاع المواجهات المسلحة في محافظة الجوف التي عاش فيها أكثر من سنتين. بدأ مشوار نزوح أسرة الخولاني في عام 2011، التي غادرت محافظة صعدة للعيش في صنعاء، ثم انتقلت بعدها إلى محافظة الجوف وانتهى بها المطاف أخيراً في مأرب شمال شرقي اليمن. يقول: "كلّما استقررنا في مكان وحاولنا التعايش مع الوضع الجديد، اندلعت الحرب من جديد لنضطر إلى النزوح والهرب"، مشيراً إلى أن النزوح المتكرر تسبب بأضرار وخسائر له ولأفراد أسرته.
يواصل: "تعبنا من النزوح المستمر. نخسر المال ويحرم أولادي من التعليم والصحة الجيدة والاستقرار النفسي. اليوم، نحن في مأرب وهي مدينة مزدحمة للغاية وتكاليف السكن فيها مرتفعة". ولا تختلف ظروف النازح عمر الحبيشي الذي ينتمي إلى محافظة إب (وسط) عن الخولاني. أجبر على مغادرة مسكنه في عاصمة محافظة الجوف مطلع مارس/ آذار الجاري، ليختبر نزوحاً متكرراً بدأ من محافظة إب إلى محافظة مأرب (شمال شرق) ومحافظة الجوف (شمال)، قبل أن يعود إلى مأرب.
ويتحدّث الحبيشي عن بعض من تفاصيل رحلة النزوح التي عاشها. يقول إنه مع بداية الحرب، غادر بمفرده محافظة إب إلى مأرب بسبب المضايقات التي تعرض لها من جماعة أنصار الله الحوثيين. يضيف: "بعد استقراري في مدينة مأرب، استأجرت سيارة بمبلغ 200 ألف ريال يمني (266 دولاراً أميركياً بسعر صرف السوق في عدن) لتهريب أسرتي من مسقط رأسي في إب إلى محافظة مأرب، ثم انتقلنا معاً إلى محافظة الجوف للاستقرار هناك قبل أن نجبر على تركها والنزوح مجدداً إلى محافظة مأرب بداية شهر مارس/ آذار الماضي".
ويشير الحبيشي إلى أن المرة الوحيدة التي استطاع فيها أخذ أثاث منزله كانت في نزوحه الثاني من مأرب إلى الجوف. "نزحنا من الجوف إلى محافظة مأرب بشكل مُفاجئ وسريع. خسرت مبلغاً كبيراً من المال للوصول إلى مأرب وتركت كل شيء هرباً من الحوثيين". ويلفت إلى أن كثيراً من الأسر التي نزحت من الجوف إلى مأرب تاهت في الصحراء أو غرقت مركباتها في الرمال وتعرضت للنهب من قبل بعض قطاع الطرق.
يتابع: "بعد وصولي إلى مدينة مأرب، استقبلني أحد أصدقائي في منزله لمدة أربعة أيام. وخلال هذه الفترة، بعت سلاحي الشخصي الآلي (كلاشنيكوف) للبحث عن منزل للإيجار"، مشيراً إلى أنه لم يجد منزلاً "بسبب ارتفاع أسعار بدلات الإيجار وشروط أصحاب العقارات المبالغ فيها لناحية دفع بدل إيجار على فترة ستة أشهر، مقدماً، عدا عن الضمانة التجارية". ويؤكد أن مئات العائلات النازحة من محافظة الجوف استقرت في مخيم الميل غرب محافظة مأرب، علماً أنه يفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية، فلا ماء ولا كهرباء ولا دورات مياه خاصة، الأمر الذي دفع بعض الأسر إلى تركه.
أما النازح إبراهيم داود، فقد اضطر إلى ترك كل ما يملك في محافظة الجوف للمرة الثانية، لينتقل للعيش في محافظة مأرب بعدما اشتدت المواجهات المسلحة. يقول إنه عانى كثيراً مع أفراد أسرته من جراء النزوح المتكرر منذ بداية الحرب. يضيف: "فور وصولي إلى مدينة مأرب بعت حلي زوجتي لدفع بدل إيجار لخمسة أشهر، مقدماً، للمنزل الذي استأجرته بقيمة 80 ألف ريال يمني (106 دولارات بسعر صرف السوق في عدن) شهرياً". ويوضح أن غالبية الأسر النازحة من الجوف اضطرت إلى المكوث عند معارفها أو أقاربها أو في مخيمات في مدينة مأرب لعدم امتلاكها المال الذي يمكنها من استئجار منازل خاصة بها. ويؤكد أن السلطات المحلية في مأرب أو الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً "لم تقدم مساعدات إغاثية حتى يومنا هذا، وتكتفي بالوعود، لكن منظمة دولية قدمت للنازحين بعض الأرز والتمر والزيت فقط".
ويُعد النزوح من الجوف إلى مأرب الرابع أو الخامس بالنسبة لبعض الأسر، بحسب رئيس الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين في اليمن (حكومية) نجيب السعدي. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن بعض الأسر المتحدرة من محافظة صعدة (معقل الحوثيين) نزحت أولاً من محافظة صعدة إلى مدينة أخرى في المحافظة نفسها، ثم إلى محافظة عمران ومنها إلى العاصمة صنعاء ثم إلى محافظة الجوف وحالياً إلى محافظة مأرب.
ويوضح السعدي أن "إجمالي عدد الأسر التي نزحت من الجوف إلى مأرب منذ سيطرة الحوثيين على المدينة مطلع مارس/ آذار وحتى 26 من الشهر نفسه، بلغ نحو 11 ألف أسرة معظمها من محافظات صنعاء وصعدة وعمران". ويشير إلى أن غالبية الأسر النازحة تعيش أوضاعاً إنسانية "سيئة للغاية، وتعيش حالياً في العراء وفي منازل المجتمع المضيف، ما يشكل ضغطاً كبيراً على المجتمع المحلي".
ويؤكد السعدي أن حجم المساعدات التي قدمها شركاء العمل الإنساني في اليمن "لا تغطي الاحتياجات الكبيرة والمتسارعة للنازحين المتدفقين بشكل يومي إلى محافظة مأرب، وهم في حاجة بشكل عاجل إلى خيام إيواء، وغذاء، ومساعدات نقدية، ورعاية صحية، ومياه للشرب، ودورات مياه".