13 يونيو 2021
نجاحات إسرائيلية وهزائم عربية في أفريقيا
تناول مقال سابق لصاحب هذه السطور تراجع الاهتمام العربي بأفريقيا، وطرح سؤالا عما إذا كانت إسرائيل ستستفيد من هذا الفراغ العربي في القارة السمراء. وهل يمكن القول إن تل أبيب هزمت عربيا في القارة السمراء، بعد قرارها تأجيل أول قمة تجمعها مع دول القارة في توغو في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
لا بد من التمييز بين أمرين: قرار إسرائيل إرجاء القمة والقول إن الفكرة تم نسفها من الأساس، ووجود فرق بين القمة كإحدى الآليات والتنامي الملحوظ في العلاقات الإسرائيلية الأفريقية عبر آليات دبلوماسية وعسكرية واقتصادية كثيرة، بل وحتى دينية، فبيان الخارجية الإسرائيلية أكد التأجيل وليس الإلغاء، ناهيك عن أن وصف الإرجاء بدليل نجاح إسرائيل في القارة، وإلا لما مورست ضغوط (لم يتم تحديد مصدرها) للمطالبة بالإلغاء، أو حتى الإرجاء، كما أن إسرائيل تدرك أن آلية القمة هي إحدى الآليات المهمة، لكنها ليست الوحيدة، وهناك استراتيجية واضحة متعدّدة الأبعاد تعتمد على سياسة النفس الطويل، لا سيما في مواجهة العقبات التي تعترض طريقها. وهو ما أكد عليه المدير العام لوزارة الخارجية، يوفال روتم، لصحيفة التايمز الإسرائيلية في سبتمبر/ أيلول 2017، حين قال إن الرحلة إلى أفريقيا طويلة. وسوف يستغرق الأمر بضع سنوات، وأنها تتطلب منا الاستثمار والمثابرة. وعلى طول الطريق، ستكون هناك عقبات، لكننا سوف نتغلب عليها".
هناك مؤشرات تجعل صعوبة للقول إن إسرائيل هُزمت عربياً في أفريقيا، بل العكس هو الصحيح. بمعنى أنها استغلت تراجع الدور العربي في القارة، لكي تتمدد في هذا الفراغ، من خلال مجموعة آليات ناجحة.
نشاط دبلوماسي
عادت إسرائيل إلى أفريقيا وعادت أفريقيا إلى إسرائيل. هكذا أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، استراتيجية إسرائيل القديمة الجديدة تجاه أفريقيا، مستغلا حالة الفراغ العربي، لاسيما بعد التطبيع المصري الإسرائيلي، والذي كان أحد أسباب انتهاء القطيعة الأفريقية مع إسرائيل بعد حرب 1973، فقد ترتب على توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل العام 1979، ثم عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، عودة العلاقات بين إسرائيل ومعظم الدول الأفريقية. فوفقاً لإحصائية الخارجية الإسرائيلية عام 2005، لإسرائيل علاقات مع 44 دولة أفريقية، ارتفعت أخيرا إلى 45، بعد قرار غينيا، العام الماضي، عودة علاقاتها مع إسرائيل. وتلاحظ عدة أمور على هذا النمط من العلاقة:
1ـ تنوع هذه العلاقات، وإن كان يغلب عليها نظام التمثيل غير المقيم (بمعنى إدارة سفير إسرائيل في إحدى الدول العلاقات الدبلوماسية لتل أبيب مع دول أخرى مجاورة. وقد يكون ذلك بهدف ترشيد النفقات، أو لاعتبارات سياسية أخرى (لإسرائيل 31 تمثيلا غير مقيم، في حين لها 11 سفارة في الدول الأفريقية. ومعنى ذلك أن لإسرائيل علاقات على مستوى سفارة مع 42 دولة أفريقية، أي بنسبة 80% تقريبا، وهي نسبة مرتفعة إلى حد كبير).
2- معظم العلاقات الدبلوماسية مع دول وسط القارة وجنوبها وغربها، في حين تتراجع هذه العلاقات مع الدول العربية الأفريقية، والدول الأفريقية المجاورة لها.
3- هناك دول محورية في علاقاتها مع إسرائيل، يدير فيها السفراء الإسرائيليون شؤون البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في دول الجوار، وفق نظام التمثيل غير المقيم. ومن ذلك:
أ- عمل السفير الإسرائيلي المقيم لدى كينيا (شرق أفريقيا) سفيرا غير مقيم لست دول (مالاوي- سيشل- تنزانيا- أوغندا- جزر القمر).
ب - عمل السفير الإسرائيلي المقيم لدى جنوب أفريقيا (الجنوب الأفريقي) سفيرا غير مقيم لخمس دول (بيتسوانا- ليسوتو- زيمبابوي- ناميبيا- سوازيلاند).
جـ ـ عمل السفير المقيم في ساحل العاج (غرب أفريقيا) سفيرا غير مقيم لأربع دول (بنين-بوركينافاسو- توغو- ليبيريا). والأمر نفسه لسفير السنغال، حيث يعمل سفيرا غير مقيم لدى (غينيا بيساو- جزر الرأس الأخضر- سيراليون- غامبيا).
د ـ عمل سفير الكاميرون (وسط أفريقيا) سفيرا غير مقيم لأربع دول (الكونغو- أفريقيا الوسطى-غينيا الاستوائية- الغابون).
5- هناك تسع دول أفريقية، ليس لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل على أي مستوى (خمس منها عربية، ليبيا- الجزائر- السودان- الصومال- جيبوتي، وأربع أفريقية خالصة، تشاد- مالي-غينيا- النيجر"، وإن كانت غينيا أعادت العلاقات الدبلوماسية عام 2016.
وقد شهدت الأعوام الثلاثة الماضية نشاطاً دبلوماسياً إسرائيليا ملحوظا في أفريقيا، مهد له وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بزيارته في يونيو/ حزيران 2014 رواندا وإثيوبيا وكينيا في شرق أفريقيا، ومن غربها زار غانا وساحل العاج، وهي مناطق تماس مباشرة للدول العربية، سواء السودان ومصر في الشرق، ودول الشمال الأفريقي في زيارته الغرب. وكان غرض الزيارة التمكين للرغبة الإسرائيلية في الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي. وفي مارس/ آذار 2016، دشن نتتياهو اللوبي الإسرائيلي الأفريقي لحماية مصالح الطرفين، لاسيما في المحافل الدولية. ولم يخف الغرض من هذا اللوبي، وهو مواجهة الطرف العربي وأية محاولات إدانة إسرائيل في المحافل الدولية، حيث قال للسفراء الأفارقة المعتمدين لدى تل أبيب: "أعي أنّ ممثلي دولكم سيصوّتون في المحافل الدولية بما يتماشى مع مصالح أفريقيا، وأنا أرى أن مصالح إسرائيل ومصالح أفريقيا تقريباً متطابقة، ما يعني أن التصويت لصالح إسرائيل هو بالضرورة تصويت لصالح أفريقيا". وهذا هو النهج الذي حرص عليه أول رؤساء حكومات إسرائيل، ديفيد بن غوريون، في قوله إن الدول الأفريقية ليست غنية، لكن أصواتها في المحافل والمؤسسات الدولية تعادل في القيمة تلك الخاصة بأكثر الدول قوة∙
وبعد هذا التدشين بثلاثة أشهر، زار نتنياهو أربع دول في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي: أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، وهي دول تقع في نطاق دائرة الأمن القومي المصري تحديدا. ولم يفوت فرصة حضور الزعماء الأفارقة الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد عقد في سبتمبر/ أيلول 2016 لقاءات مع 18 من قادة الدول الأفريقية، بمشاركة رجال أعمال إسرائيليين وممثلين عن الشركات الإسرائيلية الكبرى المتطلعة للعمل في أفريقيا. ما تكرر في سبتمبر/ أيلول 2017 أخيرا، وكان من أغراض اجتماعاته بهم الترتيب لعقد القمة الأفريقية الإسرائيلية. وشوهد كم كان ترحيب مصر عبد الفتاح السيسي بنتنياهو، في اجتماعهما في نيويورك، حارا، ما يجعل صعوبة في القول إن إسرائيل ما تزال تشكل تهديدا للأمن القومي العربي، وأن الأفارقة مطالبون بالتضامن مع العرب في مواجهة إسرائيل. أما النقلة النوعية الأهم فكانت في يونيو/ حزيران الماضي، عندما استضيف نتنياهو في ليبيريا (غرب أفريقيا)، وكان أول رئيس حكومة غير أفريقي يشارك في قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) التي تضم 15 دولة، وتشكل نقطة التماس والظهير لدول الشمال الأفريقي من ناحية، فضلا عن أنها تضم دولا ذات أغلبية إسلامية، أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، في مقدمتها نيجيريا. وأعلن نتنياهو أمام القمة عن الهدف من المشاركة فيها وفي غيرها. واعتمد مبدأ العصا والجزرة في مقابل عدم الخروج الأفريقي عن بيت الطاعة الإسرائيلي، فصرح في القمة بأن "إسرائيل" ستقدم مليار دولار للمنظمة في السنوات الأربع المقبلة، لتطوير مشاريع الطاقة الخضراء في الدول الأعضاء في مقابل عدم اتخاذ هذه الدول مواقف ضد "إسرائيل".
تفوّق إسرائيلي
كان من نتائج هذه الجهود نجاح إسرائيل بشكل ملحوظ في تحييد الجانب الأفريقي في عملية التصويت ضدها في المحافل الدولية، أو التصويت لصالحها، ومن ذلك:
1- تصويت دول أفريقية في سبتمبر/ أيلول 2015، توغو ورواندا وكينيا وبوروندي، ضد قرار للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يطالب إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؛ وما يعنيه ذلك من خضوع منشأتها الدولية للتفتيش الدولي باعتبارها الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تنضم إليها. صحيح أن الحملة ضد القرار تنبتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، إلا أن هذه الدول ساهمت أيضا في عدم تمرير القرار.
2- تصويت نيجيريا، ودول أفريقية أخرى، لصالح المرشح الإسرائيلي لرئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة في يونيو/ حزيران 2016، كما امتنعت نيجيريا في 2014 عن التصويت على مشروع القرار العربي في مجلس الأمن، الداعي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وهو ما أسهم في إفشال تبني الأمم المتحدة هذا القرار.
3- هناك قرارات دولية دانت إسرائيل في مجلس الأمن، لكن تبنيها كان فردياً من بعض الدول الأفريقية، ناهيك عن أن هذه الدول تعرّضت لعقوبات إسرائيلية، مثل السنغال التي تقدمت مع نيوزيلندا وفنزويلا وماليزيا في ديسمبر/ كانون الأول 2016 بمشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وقد كان أحد أسباب الموافقة عليه موقف إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، التي اكتفت بالامتناع عن التصويت. وكانت النتيجة صدور قرار المجلس رقم 2334 بموافقة 14 دولة وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت. لذا قطعت إسرائيل المساعدات المقدمة منها للسنغال، وسحبت سفيرها من هناك. ولم تتحسن العلاقات إلا بعد لقاء نتنياهو برئيس السنغال على هامش قمة "إيكواس"، حيث تم الاتفاق على عودة السفير، وتعهد داكار في المقابل بدعم ضم إسرائيل عضوا مراقبا في الاتحاد الأفريقي.
السلاح والإنسانية
تدرك إسرائيل جيداً مدى حاجة دول أفريقيا للسلاح، لمواجهة حركات التمرد الداخلية، والحركات الجهادية الموصومة بالإرهاب، مثل بوكو حرام في غرب أفريقيا، وشباب المجاهدين في الصومال وشرق أفريقيا. ولذا لا تبيع السلاح فقط، وإنما أيضا تقوم بعمليات التدريب، وتوفير الحماية، أحياناً، من خلال شركات الأمن الخاصة التابعة لها والمنتشرة في القارة. وقد ارتفعت مبيعات السلاح الإسرائيلي للقارة من 71 مليون دولار عام 2009 إلى 318 مليون دولار عام 2014. كما وطدت إسرائيل علاقاتها مع بعض الدول المهمة، خصوصا في إقليم غرب أفريقيا، ومن ذلك غانا، حيث يقوم الجيش الإسرائيلي بتدريب عناصر من سلاح الجو على تشغيل منظومات الطائرات بدون طيار التي اشترتها أكرا أخيرا من إسرائيل، والتي تستخدمها في عمليات الرصد ومحاربة الإرهاب. كما تمكنت شركة يافنيه الإسرائيلي، المتخصصة في صناعة الطائرات من دون طيار، في سنة 2006 من إبرام صفقة مع نيجيريا، أكبر دولة إسلامية في القارة وأكبر دولة في غرب أفريقيا، تضمنت تزويد نيجيريا
بـ15 طائرة حربية، وتدريب طيارين نيجيريين. وقد ألمح بعضهم إلى أن هذه الصفقة هدفت إلى حماية منطقة غرب أفريقيا، حيث تتوسع فيها أنشطة الشركات النفطية الأجنبية.
ولم تقتصر إسرائيل على الآليات الدبلوماسية والعسكرية، وإنما سعت إلى التغلغل من خلال التدخل الإنساني، فقدمت مساعدات لضحايا الفيضانات والجفاف في سيراليون وجنوب السودان، كما اتفقت مع رواندا، قبل عامين، على إعادة توطين اللاجئين الأفارقة غير الشرعيين الذين يقصدون تل أبيب، في كيغالي، مقابل الحصول على ملايين الدولارات.
إلى ذلك، تعمل إسرائيل، بالاشتراك مع الصهيونية المسيحية، على محاربة الإسلام في أفريقيا، فقد ساعدت حركة جون قرنق المسيحية المتمردة في جنوب السودان. وحركة الإيبو الوثنية في جنوب شرق نيجيريا، والتي كانت ترغب في الانفصال عن الحكومة المسلمة في الشمال عام 1967، ودعمت جماعة الأمهرة الحاكمة في إثيوبيا أيام حكم هيلا سلاسي ومنغيستو في مواجهة الجماعات المسلمة في البلاد (الأورومو)، مستغلة مزاعم الأمهرة بأنهم ينتمون إلي سلالة سيدنا سليمان. كما أخذت الكنيسة الأرثوذكسية هناك تروج أن الامهرة هم شعب الله المختار في إثيوبيا. وقد فتحت الدبلوماسية القائمة على الجانب الديني إمكانات لا نهاية لها لإسرائيل، للتعاون مع البلدان الأفريقية على أعلى مستوى. وقال مدير حزب الحلفاء المسيحيين في الكنيست، جوش راينشتاين. "هذه ليست سوى البداية. وهذه الموجة الجديدة من الدعم ستثبت نفسها سياسيا واقتصاديا في السنوات المقبلة".
لذا، وفي ضوء كل المعطيات السابقة يمكن القول إن إسرائيل، وإن خسرت مؤقتاً عقد القمة في موعدها، إلا أن ما لديها من آليات ووسائل أخرى يجعلها تكسب كل يوم مزيداً من النقاط في أفريقيا، على حساب العرب الذين خسروا ليس أفريقيا فحسب، وإنما أيضا خسروا المشروعات التكاملية فيما بينهم.
لا بد من التمييز بين أمرين: قرار إسرائيل إرجاء القمة والقول إن الفكرة تم نسفها من الأساس، ووجود فرق بين القمة كإحدى الآليات والتنامي الملحوظ في العلاقات الإسرائيلية الأفريقية عبر آليات دبلوماسية وعسكرية واقتصادية كثيرة، بل وحتى دينية، فبيان الخارجية الإسرائيلية أكد التأجيل وليس الإلغاء، ناهيك عن أن وصف الإرجاء بدليل نجاح إسرائيل في القارة، وإلا لما مورست ضغوط (لم يتم تحديد مصدرها) للمطالبة بالإلغاء، أو حتى الإرجاء، كما أن إسرائيل تدرك أن آلية القمة هي إحدى الآليات المهمة، لكنها ليست الوحيدة، وهناك استراتيجية واضحة متعدّدة الأبعاد تعتمد على سياسة النفس الطويل، لا سيما في مواجهة العقبات التي تعترض طريقها. وهو ما أكد عليه المدير العام لوزارة الخارجية، يوفال روتم، لصحيفة التايمز الإسرائيلية في سبتمبر/ أيلول 2017، حين قال إن الرحلة إلى أفريقيا طويلة. وسوف يستغرق الأمر بضع سنوات، وأنها تتطلب منا الاستثمار والمثابرة. وعلى طول الطريق، ستكون هناك عقبات، لكننا سوف نتغلب عليها".
هناك مؤشرات تجعل صعوبة للقول إن إسرائيل هُزمت عربياً في أفريقيا، بل العكس هو الصحيح. بمعنى أنها استغلت تراجع الدور العربي في القارة، لكي تتمدد في هذا الفراغ، من خلال مجموعة آليات ناجحة.
نشاط دبلوماسي
عادت إسرائيل إلى أفريقيا وعادت أفريقيا إلى إسرائيل. هكذا أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، استراتيجية إسرائيل القديمة الجديدة تجاه أفريقيا، مستغلا حالة الفراغ العربي، لاسيما بعد التطبيع المصري الإسرائيلي، والذي كان أحد أسباب انتهاء القطيعة الأفريقية مع إسرائيل بعد حرب 1973، فقد ترتب على توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل العام 1979، ثم عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، عودة العلاقات بين إسرائيل ومعظم الدول الأفريقية. فوفقاً لإحصائية الخارجية الإسرائيلية عام 2005، لإسرائيل علاقات مع 44 دولة أفريقية، ارتفعت أخيرا إلى 45، بعد قرار غينيا، العام الماضي، عودة علاقاتها مع إسرائيل. وتلاحظ عدة أمور على هذا النمط من العلاقة:
1ـ تنوع هذه العلاقات، وإن كان يغلب عليها نظام التمثيل غير المقيم (بمعنى إدارة سفير إسرائيل في إحدى الدول العلاقات الدبلوماسية لتل أبيب مع دول أخرى مجاورة. وقد يكون ذلك بهدف ترشيد النفقات، أو لاعتبارات سياسية أخرى (لإسرائيل 31 تمثيلا غير مقيم، في حين لها 11 سفارة في الدول الأفريقية. ومعنى ذلك أن لإسرائيل علاقات على مستوى سفارة مع 42 دولة أفريقية، أي بنسبة 80% تقريبا، وهي نسبة مرتفعة إلى حد كبير).
2- معظم العلاقات الدبلوماسية مع دول وسط القارة وجنوبها وغربها، في حين تتراجع هذه العلاقات مع الدول العربية الأفريقية، والدول الأفريقية المجاورة لها.
3- هناك دول محورية في علاقاتها مع إسرائيل، يدير فيها السفراء الإسرائيليون شؤون البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في دول الجوار، وفق نظام التمثيل غير المقيم. ومن ذلك:
أ- عمل السفير الإسرائيلي المقيم لدى كينيا (شرق أفريقيا) سفيرا غير مقيم لست دول (مالاوي- سيشل- تنزانيا- أوغندا- جزر القمر).
ب - عمل السفير الإسرائيلي المقيم لدى جنوب أفريقيا (الجنوب الأفريقي) سفيرا غير مقيم لخمس دول (بيتسوانا- ليسوتو- زيمبابوي- ناميبيا- سوازيلاند).
جـ ـ عمل السفير المقيم في ساحل العاج (غرب أفريقيا) سفيرا غير مقيم لأربع دول (بنين-بوركينافاسو- توغو- ليبيريا). والأمر نفسه لسفير السنغال، حيث يعمل سفيرا غير مقيم لدى (غينيا بيساو- جزر الرأس الأخضر- سيراليون- غامبيا).
د ـ عمل سفير الكاميرون (وسط أفريقيا) سفيرا غير مقيم لأربع دول (الكونغو- أفريقيا الوسطى-غينيا الاستوائية- الغابون).
5- هناك تسع دول أفريقية، ليس لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل على أي مستوى (خمس منها عربية، ليبيا- الجزائر- السودان- الصومال- جيبوتي، وأربع أفريقية خالصة، تشاد- مالي-غينيا- النيجر"، وإن كانت غينيا أعادت العلاقات الدبلوماسية عام 2016.
وقد شهدت الأعوام الثلاثة الماضية نشاطاً دبلوماسياً إسرائيليا ملحوظا في أفريقيا، مهد له وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بزيارته في يونيو/ حزيران 2014 رواندا وإثيوبيا وكينيا في شرق أفريقيا، ومن غربها زار غانا وساحل العاج، وهي مناطق تماس مباشرة للدول العربية، سواء السودان ومصر في الشرق، ودول الشمال الأفريقي في زيارته الغرب. وكان غرض الزيارة التمكين للرغبة الإسرائيلية في الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي. وفي مارس/ آذار 2016، دشن نتتياهو اللوبي الإسرائيلي الأفريقي لحماية مصالح الطرفين، لاسيما في المحافل الدولية. ولم يخف الغرض من هذا اللوبي، وهو مواجهة الطرف العربي وأية محاولات إدانة إسرائيل في المحافل الدولية، حيث قال للسفراء الأفارقة المعتمدين لدى تل أبيب: "أعي أنّ ممثلي دولكم سيصوّتون في المحافل الدولية بما يتماشى مع مصالح أفريقيا، وأنا أرى أن مصالح إسرائيل ومصالح أفريقيا تقريباً متطابقة، ما يعني أن التصويت لصالح إسرائيل هو بالضرورة تصويت لصالح أفريقيا". وهذا هو النهج الذي حرص عليه أول رؤساء حكومات إسرائيل، ديفيد بن غوريون، في قوله إن الدول الأفريقية ليست غنية، لكن أصواتها في المحافل والمؤسسات الدولية تعادل في القيمة تلك الخاصة بأكثر الدول قوة∙
وبعد هذا التدشين بثلاثة أشهر، زار نتنياهو أربع دول في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي: أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، وهي دول تقع في نطاق دائرة الأمن القومي المصري تحديدا. ولم يفوت فرصة حضور الزعماء الأفارقة الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد عقد في سبتمبر/ أيلول 2016 لقاءات مع 18 من قادة الدول الأفريقية، بمشاركة رجال أعمال إسرائيليين وممثلين عن الشركات الإسرائيلية الكبرى المتطلعة للعمل في أفريقيا. ما تكرر في سبتمبر/ أيلول 2017 أخيرا، وكان من أغراض اجتماعاته بهم الترتيب لعقد القمة الأفريقية الإسرائيلية. وشوهد كم كان ترحيب مصر عبد الفتاح السيسي بنتنياهو، في اجتماعهما في نيويورك، حارا، ما يجعل صعوبة في القول إن إسرائيل ما تزال تشكل تهديدا للأمن القومي العربي، وأن الأفارقة مطالبون بالتضامن مع العرب في مواجهة إسرائيل. أما النقلة النوعية الأهم فكانت في يونيو/ حزيران الماضي، عندما استضيف نتنياهو في ليبيريا (غرب أفريقيا)، وكان أول رئيس حكومة غير أفريقي يشارك في قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) التي تضم 15 دولة، وتشكل نقطة التماس والظهير لدول الشمال الأفريقي من ناحية، فضلا عن أنها تضم دولا ذات أغلبية إسلامية، أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، في مقدمتها نيجيريا. وأعلن نتنياهو أمام القمة عن الهدف من المشاركة فيها وفي غيرها. واعتمد مبدأ العصا والجزرة في مقابل عدم الخروج الأفريقي عن بيت الطاعة الإسرائيلي، فصرح في القمة بأن "إسرائيل" ستقدم مليار دولار للمنظمة في السنوات الأربع المقبلة، لتطوير مشاريع الطاقة الخضراء في الدول الأعضاء في مقابل عدم اتخاذ هذه الدول مواقف ضد "إسرائيل".
تفوّق إسرائيلي
كان من نتائج هذه الجهود نجاح إسرائيل بشكل ملحوظ في تحييد الجانب الأفريقي في عملية التصويت ضدها في المحافل الدولية، أو التصويت لصالحها، ومن ذلك:
1- تصويت دول أفريقية في سبتمبر/ أيلول 2015، توغو ورواندا وكينيا وبوروندي، ضد قرار للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يطالب إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؛ وما يعنيه ذلك من خضوع منشأتها الدولية للتفتيش الدولي باعتبارها الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تنضم إليها. صحيح أن الحملة ضد القرار تنبتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، إلا أن هذه الدول ساهمت أيضا في عدم تمرير القرار.
2- تصويت نيجيريا، ودول أفريقية أخرى، لصالح المرشح الإسرائيلي لرئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة في يونيو/ حزيران 2016، كما امتنعت نيجيريا في 2014 عن التصويت على مشروع القرار العربي في مجلس الأمن، الداعي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وهو ما أسهم في إفشال تبني الأمم المتحدة هذا القرار.
3- هناك قرارات دولية دانت إسرائيل في مجلس الأمن، لكن تبنيها كان فردياً من بعض الدول الأفريقية، ناهيك عن أن هذه الدول تعرّضت لعقوبات إسرائيلية، مثل السنغال التي تقدمت مع نيوزيلندا وفنزويلا وماليزيا في ديسمبر/ كانون الأول 2016 بمشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وقد كان أحد أسباب الموافقة عليه موقف إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، التي اكتفت بالامتناع عن التصويت. وكانت النتيجة صدور قرار المجلس رقم 2334 بموافقة 14 دولة وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت. لذا قطعت إسرائيل المساعدات المقدمة منها للسنغال، وسحبت سفيرها من هناك. ولم تتحسن العلاقات إلا بعد لقاء نتنياهو برئيس السنغال على هامش قمة "إيكواس"، حيث تم الاتفاق على عودة السفير، وتعهد داكار في المقابل بدعم ضم إسرائيل عضوا مراقبا في الاتحاد الأفريقي.
السلاح والإنسانية
تدرك إسرائيل جيداً مدى حاجة دول أفريقيا للسلاح، لمواجهة حركات التمرد الداخلية، والحركات الجهادية الموصومة بالإرهاب، مثل بوكو حرام في غرب أفريقيا، وشباب المجاهدين في الصومال وشرق أفريقيا. ولذا لا تبيع السلاح فقط، وإنما أيضا تقوم بعمليات التدريب، وتوفير الحماية، أحياناً، من خلال شركات الأمن الخاصة التابعة لها والمنتشرة في القارة. وقد ارتفعت مبيعات السلاح الإسرائيلي للقارة من 71 مليون دولار عام 2009 إلى 318 مليون دولار عام 2014. كما وطدت إسرائيل علاقاتها مع بعض الدول المهمة، خصوصا في إقليم غرب أفريقيا، ومن ذلك غانا، حيث يقوم الجيش الإسرائيلي بتدريب عناصر من سلاح الجو على تشغيل منظومات الطائرات بدون طيار التي اشترتها أكرا أخيرا من إسرائيل، والتي تستخدمها في عمليات الرصد ومحاربة الإرهاب. كما تمكنت شركة يافنيه الإسرائيلي، المتخصصة في صناعة الطائرات من دون طيار، في سنة 2006 من إبرام صفقة مع نيجيريا، أكبر دولة إسلامية في القارة وأكبر دولة في غرب أفريقيا، تضمنت تزويد نيجيريا
ولم تقتصر إسرائيل على الآليات الدبلوماسية والعسكرية، وإنما سعت إلى التغلغل من خلال التدخل الإنساني، فقدمت مساعدات لضحايا الفيضانات والجفاف في سيراليون وجنوب السودان، كما اتفقت مع رواندا، قبل عامين، على إعادة توطين اللاجئين الأفارقة غير الشرعيين الذين يقصدون تل أبيب، في كيغالي، مقابل الحصول على ملايين الدولارات.
إلى ذلك، تعمل إسرائيل، بالاشتراك مع الصهيونية المسيحية، على محاربة الإسلام في أفريقيا، فقد ساعدت حركة جون قرنق المسيحية المتمردة في جنوب السودان. وحركة الإيبو الوثنية في جنوب شرق نيجيريا، والتي كانت ترغب في الانفصال عن الحكومة المسلمة في الشمال عام 1967، ودعمت جماعة الأمهرة الحاكمة في إثيوبيا أيام حكم هيلا سلاسي ومنغيستو في مواجهة الجماعات المسلمة في البلاد (الأورومو)، مستغلة مزاعم الأمهرة بأنهم ينتمون إلي سلالة سيدنا سليمان. كما أخذت الكنيسة الأرثوذكسية هناك تروج أن الامهرة هم شعب الله المختار في إثيوبيا. وقد فتحت الدبلوماسية القائمة على الجانب الديني إمكانات لا نهاية لها لإسرائيل، للتعاون مع البلدان الأفريقية على أعلى مستوى. وقال مدير حزب الحلفاء المسيحيين في الكنيست، جوش راينشتاين. "هذه ليست سوى البداية. وهذه الموجة الجديدة من الدعم ستثبت نفسها سياسيا واقتصاديا في السنوات المقبلة".
لذا، وفي ضوء كل المعطيات السابقة يمكن القول إن إسرائيل، وإن خسرت مؤقتاً عقد القمة في موعدها، إلا أن ما لديها من آليات ووسائل أخرى يجعلها تكسب كل يوم مزيداً من النقاط في أفريقيا، على حساب العرب الذين خسروا ليس أفريقيا فحسب، وإنما أيضا خسروا المشروعات التكاملية فيما بينهم.