مواجهة السرطان بالأمل في العراق

04 فبراير 2019
يحلم بمستقبل أفضل (حيدر محمد علي/ فرانس برس)
+ الخط -
لا توفّر الجهات الرسمية في العراق بيانات دقيقة حول المصابين بمرض السرطان، لكنّ العدد الأقرب إلى الواقع الذي تحدّثت عنه جهات معيّنة وأكدته وزارة الصحة قبل عام هو أنّ معدّل الإصابة بالمرض يبلغ 2500 حالة في كل عام، وهو عدد يبدو متدنياً مع ما يُسجّل اليوم في البلاد، خصوصاً في الفلوجة والبصرة التي تحتلّ الصدارة في معدّلات السرطان بالعراق.

في تقرير أصدره ديوان الرقابة المالية الاتحادي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لتقويم أداء سياسة وزارة الصحة والبيئة في توفير المستلزمات الضرورية للكشف المبكر عن الأمراض السرطانية، كانت إشارة إلى ارتفاع في معدّلات الإصابة بالسرطان نظراً إلى عدم توفر المتطلبات الكافية للكشف المبكر عنه والحدّ منه. وبيّن التقرير أنّ من بين أبرز المشكلات التي تتسبب في زيادة عدد المصابين بالمرض قلّة عدد الكوادر الطبية والأجهزة المتخصصة، بالإضافة إلى عدم امتلاك الوزارة رؤية واضحة لتحديد المتطلبات التي تستوجبها الخدمة العامة في هذا المجال. وأوضح التقرير أنّ نسبة الوفيات جرّاء مرض السرطان في العراق بلغت 10 في المائة من مجموع الوفيات التي تتسبب فيها الأمراض غير السارية، لافتاً الانتباه إلى أنّ عدد المرضى المسجّلين لدى مجلس السرطان العراقي يشير إلى تزايد عدد الحالات المسجّلة لديه سنوياً.




ويرتفع عدد الإصابات بالسرطان في مدن الجنوب ومناطق عرفت معارك في وقت سابق وتعرّضت إلى قصف باليورانيوم في غربي البلاد وشمالها، بحسب ما أكّدته دراسات علمية عالمية أشارت إلى حرب 1991 التي شنّتها الولايات المتحدة الأميركية على العراق نتيجة غزو الكويت. وبيّنت الدراسات أنّ مئات أطنان دقائق اليورانيوم المنضّب التي غطّت مساحات شاسعة من صحارى جنوبي العراق وغربه استُخدمت في تلك الحرب، وذلك كفيل بإشباع أجواء العراق بتلك الدقائق على مدى أعوام.

في هذا الإطار، يقول الطبيب المتخصص بالعلاج الإشعاعي، عادل الزهيري، لـ"العربي الجديد" إنّ "العراق مليء بالإشعاعات الخطيرة التي تسبّب أمراضاً مختلفة، من بينها السرطان. بالإضافة إلى حرب عام 1991، فإنّ ما شهدته البلاد من غزو للإطاحة بنظام (الرئيس الراحل) صدام حسين في عام 2003، اشتمل على آلاف الأطنان من الأسلحة المدمّرة، في حين استخدمت القوات الأميركية في الأعوام اللاحقة أسلحة تحوي إشعاعات خطيرة لقتال المقاومة، خصوصاً في مدينة الفلوجة". ويؤكّد الزهيري أنّ "آثار تلك الأسلحة ما زالت في التربة وفي أجسام عدد كبير من المواطنين وسوف تنتقل إلى الأجيال اللاحقة"، مشدداً على أنّ "حالات السرطان التي تظهر اليوم في العراق هي بمعظمها نتيجة الحروب".

ومع تزايد الوعي حول المرض، راحت تنتشر ثقافة مواجهته بالأمل، وهي ثقافة اكتسبها ذوو المرضى من خلال نصائح الأطباء والمختصّين. يخبر ذو الفقار الجابري أنّه حاول توفير كل الوسائل التي تجعل ابنه حسن سعيداً وتخفّف عنه مرضه، من دون أن يأبه بالتكاليف المادية التي ينفقها في سبيل هذا الأمر. يضيف الجابري لـ"العربي الجديد" أنّ "حسن الذي يبلغ من العمر 12 عاماً مصاب بالسرطان منذ عامَين. وعلى الرغم من أنّ أيّاً من أفراد عائلتنا لم يُصب بالمرض، فإنّ ترجيحات الأطباء تعيد السبب إلى لعبه في بستان العائلة الواقع جنوبيّ بغداد، فالمنطقة هناك تعرّضت إلى تلوّث إشعاعي في أثناء غزو 2003".

والجابري الذي يؤكد أنّه ميسور، أنفق مبالغ كبيرة من المال على ولده، وقد بقي لمدّة عام في الأردن يعالجه في مستشفى خاص. يقول إنّ "العناية الطبية التي توفّرت لولدي هي سبب بقائه على قيد الحياة حتى يومنا هذا"، لافتاً إلى أنّه "بين الحين والآخر تنتكس حالة ولدي وهو ماضٍ في علاجه الكيميائي". ويتابع أنّه "وصل إلى الشفاء التام قبل أكثر من ستة أشهر، لكنّ حالته انتكست مرّة أخرى، لذا أحثّ دائماً أصدقاءه على زيارته للتخفيف عنه. وهم يفعلون ذلك باستمرار، وعندما تكون حالته الصحية جيّدة يخرجون معاً للتنزّه. وجود الناس حوله يشعره بفرح، وهذا يساعده في علاجه".

تجدر الإشارة إلى أنّ العلاج الكيميائي الخاص بمرض السرطان مكلف جداً، ويكرّر مسؤولون في وزارة الصحة أنّ إمكانيتها المادية لا تسمح لها بتوفير العلاج الكامل للمصابين بالسرطان مجاناً، ما يفرض على كثيرين التكفّل بعلاجهم على نفقتهم الخاصة.

في منزل عائلة صبا جعفر، تنتشر صور الشابة التي توفيت قبل نحو عامَين جرّاء إصابتها بالسرطان، في حين أنّ والدها لم ينتهِ بعد من سداد الديون الخاصة بعلاجها. ويقول والدها جعفر العامري لـ"العربي الجديد": "بعت قطعة أرض سكنيّة كنّا نملكها وسيارتي ومصوغات زوجتي لتوفير تكاليف علاج ابنتي، إلى جانب مساعدات مالية كانت تصلنا من أقارب وأصدقاء، لكنّني اضطررت كذلك إلى استدانة مبلغ كبير من المال". يضيف: "لقد كانت على وشك الدخول إلى الجامعة، بعدما تخرّجت من الثانوية بمعدّل 92 من 100. إنّها ابنتي البكر، وما زالت تشاركنا كلّ شيء بالذكريات التي تركتها هنا".

يخبر العامري أنّ "صبا صُدمت عند تشخيص مرضها، لكنّها تغلبت على حالتها النفسية الصعبة وصارت تحارب المرض بإرادة قوية". ويشير إلى أنّ "طبيباً نفسياً نصحني بأن تتعلم ابنتي العزف على آلة موسيقية، إذ إنّ من شأن ذلك أن يساعدها. وبالفعل شجّعتها وكانت سعيدة. اشتريت لها آلة عود بحسب رغبتها، وراحت تدرس الموسيقى على يد معلّم متخصص وأجادت العزف. تحسّنت حالتها النفسية كثيراً، وكنّا أنا وأمّها أكثر سعادة منها. استمرّت على تلك الحال لأكثر من عامَين، وفجأة ساءت حالتها الصحية ولم تصمد إلا شهرَين قبل أن تفارق الحياة".




في السياق، يؤكد الزهيري أنّ لـ"الحالة النفسية أثراً كبيراً في علاج المريض. ففي حال كان وضعه النفسي جيّداً، فإنّه يسير على طريق الشفاء، بالتزامن مع متابعته العلاج الطبي". يضيف أنّ "حالات كثيرة شفيت نظراً إلى عدم الاستسلام للمرض ومحاربته بالضحك ومزاولة الحياة بصورة طبيعية. وقد تبيّن لنا أنّ تمتّع المريض بحالة معنوية مرتفعة، في حال لم تسعفه لمواجهة الموت، فإنّها سوف تساعده في تأخير النهاية".