في الكويت، يؤكد كثيرون من مرضى السرطان أنّهم يحصلون على دعم كبير من عائلاتهم وذويهم وأصدقائهم، منذ لحظة تشخيص المرض لديهم. والدعم لا يأتي معنوياً فحسب، بل كذلك مادياً في أحيان كثيرة. أحمد خلف من هؤلاء، وهو شاب في أواخر العشرينيات من عمره، اكتشف إصابته بالسرطان بعد زواجه بأشهر فقط وفق ما يحكي لـ"العربي الجديد". يقول: "فور اكتشافي السرطان خيّرت زوجتي ما بين العودة إلى بيت أهلها والحصول على الطلاق لأنّه لا ذنب لها في ما حدث لي، وما بين البقاء. فبقيت إلى جانبي وعبّرت عن امتعاضها من التخيير. واليوم، ما زلنا نقاتل السرطان معاً، منذ ثلاثة أعوام، وآمل أن نتغلب عليه فيكون مجرّد قصة عابرة نحكيها لأبنائنا".
يشير أحمد إلى "لحظات يحسّ فيها مريض السرطان بأنّه يتلاشى. هو شعور شبيه بالانتهاء، لا أستطيع وصفه بكلمات دقيقة. لكنّ وجود أحبائك من حولك يمنحك أملاً وقوة غير اعتيادية للبقاء. وهذا أمر مهمّ في العلاج بحسب ما أخبرني الأطباء". وعند سؤاله عن الأشخاص الذين يدعمونه في كفاحه ضد السرطان، يجيب أحمد: "بالتأكيد زوجتي أولاً، لأنّها إلى جانبي طوال الوقت وتتغيّب كثيراً عن عملها من أجلي، على الرغم من أنّ ذلك يحرمها من الترقيات. ثمّ والدتي ووالدي وإخوتي وأخواتي، فحضورهم الدائم وسؤالهم المستمرّ والاهتمام الذي ألحظه لديهم أمور تمنحني نوعاً من الراحة".
ويخبر شقيق أحمد، سعد خلف، "العربي الجديد": "صرنا نتردّد على مركز الكويت لمكافحة السرطان أكثر من أيّ مكان آخر، بسبب وجود أخي هناك، لافتاً إلى أنّ "العائلات التي تدعم أبناءها بصورة مستمرة تتعرّف بعضها إلى بعض ونكوّن شبكة علاقات نتعلّم من خلالها كيف نواجه جميعاً هذا المرض. فهو لا يصيب المريض فحسب بل عائلته كلها". يضيف سعد أنّه "حين أصيب أخي بالمرض، اهتزّت العائلة وتغيّر كل شيء. أحسسنا جميعنا بأنّنا مصابون به. بالتالي دورنا ليس فقط دعم المريض بل دعم أنفسنا كذلك".
يُعَدّ مركز الكويت لمكافحة السرطان أكبر مؤسسة حكومية صحية لعلاج السرطان في البلاد، ويقول عضو لجنة العلاقات العامة ولجنة الفعاليات في المركز، جاسم الشمري، لـ"العربي الجديد" إنّ "مرضى السرطان هنا بمعظمهم يحصلون على دعم كامل من عائلاتهم وأقربائهم وأصدقائهم، لأنّ المجتمع الكويتي مترابط ومرض السرطان ليس مرضاً عادياً حتى يترك الناس أحباءهم يواجهونه لوحدهم. ومن جهتنا، نقوم بنشاطات تستهدف خصوصاً الأشخاص الذين ينشغل أهلهم بوظائفهم في بعض الأحيان في أثناء تلقّيهم العلاج". يضيف الشمري أنّ "المشكلة تكمن في أنّ مرضى كثيرين يطلبون من أهلهم عدم مرافقتهم إلى العلاج أو عدم التواصل معهم. وعندما نسألهم عن السبب، يجيبون أنّهم لا يريدون إقلاقهم عليهم، لكنّنا نوضح لهم أنّ عدم توفّر الدعم المستمرّ أمر مضرّ لمسيرة علاجهم".
ويشير الشمري إلى أنّ "ثمّة أمراً محزناً لا يمكن تلافيه وتحاول إدارة المركز التعامل معه، وهو الوحدة التي يعانيها الأشخاص الذين ليس لديهم أقرباء في داخل البلاد، خصوصاً من بين العمّال الوافدين. كثيرون منهم لا يستطيعون العودة إلى بلدانهم الفقيرة وتلقي العلاج فيها بالقرب من عائلاتهم، بسبب عدم توفّر علاجات مناسبة هناك أو بسبب تكلفتها الباهظة بالمقارنة مع الكويت. فنعمد إلى الترويح عنهم، في حين أنّ ثمّة فرقاً تطوعية تتواصل معهم وتقدّم الدعم لهم".
من جهته، نجا فرحان الشمري من سرطان القولون قبل أعوام، وهو يقصد أسبوعياً مستشفى "مكي جمعة" التابع لمركز الكويت لمكافحة السرطان لدعم المرضى هناك، ويتحدّث معهم عن كيفية التغلب على السرطان. يقول فرحان لـ"العربي الجديد": "أشعر بأنّ من واجبي كمحارب انتصر على هذا المرض أن أساعد آخرين لا يحصلون على دعم كاف من قبل عائلاتهم".
أمّا مها الظفيري، وهي أمّ لأربعة أطفال تبلغ من العمر 37 عاماً واكتشفت إصابتها بالسرطان قبل عامَين وسافرت إلى فرنسا لتلقّي العلاج برفقة زوجها، فتستعرض الدعم الذي حصلت عليه، وتقول لـ"العربي الجديد" إنّه كان "دعماً هائلاً. فور انتشار خبر إصابتي، راح الجميع يتصل ويسأل ويعلن دعمه. كثيرون هم المتصلون الذين لا يعلمون أنّهم يقدّمون لي دعماً معنوياً عظيماً. فعفوية أسئلتهم واهتمامهم تدخل السرور إلى قلبي وتساعدني على محاربة السرطان".
وتتحدّث مها عن دعم زوجها الذي تصفه بأنّه "رجل عظيم. ففي أثناء علاجي في فرنسا، كان إلى جانبي على الدوام، حتى عندما يطلب منه الأطباء المشرفون على حالتي الخروج كي أحصل على الراحة من وجهة نظرهم. هو كان يصرّ على البقاء وقد رأى فيه سنداً لي". تضيف: "أظنني عرفت القيمة الحقيقية لدعم العائلة في مجتمعنا عندما رأيت كيف تتصرّف عائلة أحد المرضى في فرنسا، إذ إنّها كانت تأتي من حين إلى آخر لرفع الحرج عن نفسها. رأيت في عينيه كيف تقتل الوحدة المريض وهو يحاول التعافي من السرطان".
في السياق، تقول الدكتورة فاطمة العنزي، وهي طبيبة متدرّبة في مستشفى "مكي جمعة" لـ"العربي الجديد": "نحن الأطباء المتدربين نضطلع غالباً بأدوار مساندة للأطباء الرئيسيين، وواحد من أهمّ تلك الأدوار في المستشفيات الخاصة بعلاج السرطان هو التوقّف عند حالة المريض النفسية، لأنّه أمر مؤثّر جداً في العلاج. وهو أمر سهل في الكويت، لا سيّما أنّ المرضى بمعظمهم يستفيدون من علاج مجاني، لذلك فإنّ الضغوط النفسية التي يصاب بها مرضى السرطان حول العالم من جرّاء التفكير المتزايد في تكاليف العمليات والعلاجات غير موجودة هنا. ويصير دعم العائلة والأصدقاء وحتى الطاقم الطبي للمريض أسهل بكثير".