لا يبدو الخوف على وجه منى كَسْكِين، وهي تمسك بمقص الجراحة والمشرط، داخل إحدى غرف العمليات في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، منهمكة بإجراء عملية جراحية في دماغ أحد المرضى.
فرغبة كَسْكِين القوية في أن تصبح طبيبة جرّاحة، لم "تترك للخوف مكاناً"، وهي التي تخرجت من جامعة كازاخستان الحكومية، عام 1998، الطبيبة الأنثى الوحيدة، المتخصصة في جراحة المخ والأعصاب، في مستشفيات قطاع غزة.
وقالت كَسْكِين (41 عاماً)، إن "معظم من حولي نصحوني بالتراجع عن قراري بدراسة طب الجراحة، فهو تخصص دقيق جداً لا يناسب المرأة التي تتسم بالعاطفة"، مشيرة وهي أم لأربعة أطفال، أكبرهم في السابعة من عمره، " لم يكن عملي صعباً أو مخيفاً كوني امرأة، أتسم بالعاطفة كبقية النساء، لأنني كنت أرغب في هذه المهنة جداً، فتجاوزت ذلك".
وتعمل الطبيبة الجراحة، في قسم المخ والأعصاب، منذ 15 عاماً في مستشفى الشفاء، الذي يعدّ أكبر مستشفيات قطاع غزة، لافتة إلى أنها تعرضت للعديد من الانتقادات من مجتمعها الذي يتّسم بأنه "محافظ" كونها امرأة، وعملها في الطب في ذلك الوقت، لم يكن مقبولاً اجتماعياً.
واستدركت: "الآن أحظى بالاحترام، العديد من المرضى يطلبون أن أشرف على حالتهم الصحية وأن أجري العمليات الجراحية لهم، ولا يشعرون بالخوف على أنفسهم كَون طبيبة سيدة تتابع حالتهم الصحية".
وأشارت كَسْكِين إلى أنها اختارت هذا التخصص نظرة لقلة عدد الأطباء المتخصصين فيه، في ذلك الوقت. وقالت: "عملي ليس سهلاً فهو يحتاج دقة وساعات طويلة من العمل، لكنه غير مستحيل في الوقت ذاته"، مضيفة "واجهتني العديد من المواقف الصعبة خلال عملي، كان موقفاً قاسياً عندما وصل أحد أقربائي مصاباً خلال إحدى الحروب الإسرائيلية، كان مغطى بالدماء وحالته صعبة".
ولم يؤثر العمل المتواصل للطبيبة الجراحة، على حياتها الاجتماعية، فهي تؤدي مهامها كزوجة وأم على أكمل وجه، وفق قولها. ولم يكن التوفيق بين عملها ودورها كأم وزوجة هيناً في بادئ الأمر، خصوصاً في وقت الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ تضطر لترك عائلتها لعدة أيام.
وعلى أحد أسرّة مستشفى الشفاء، كان يرقد المسن الغزّي علي حرارة (76 عاماً)، بعد إجراء عملية جراحية في نخاعه الشوكي، قبل عدّة أيام، والذي قال: "لم أكن واثقاً في بداية الأمر من متابعة طبيبة لمرضي، فربما عاطفتها تغلبها، وترتكب خطأ خلال العملية، لكن ثقتي بها بعد ذلك جعلتني أطلب منها ألا يجري عمليتي أي طبيب غيرها".
أما ياسر علي (46 عاماً)، فسيرتاح أخيراً من آلام ظهره، بعد عملية جراحية لاستئصال الغضروف. وأوضح أنه لا يخشى من متابعة سيدة لحالته، فليس هناك فرق بين الطبيب والطبيبة، سوى الكفاءة والقدرة على تحقيق أكبر قدر من التعافي للمريض، وكسكين أثبتت ذلك.
واستدرك: "لقد أرشدتني كسكين للصواب وأجرت لي عملية الغضروف، إنها تتعامل معنا بصدق وتخبرنا بالمضاعفات التي قد تحدث، وبالايجابيات أيضاً لهذا أثق بها".
بدوره قال عبد اللطيف الحاج، مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، إن "كَسْكِين هي الطبيبة الجراحة الوحيدة التي تعمل في قسم المخ والأعصاب في قطاع غزة". وأضاف: "تعمل لدينا طبيبة أخرى في قسم جراحة القلب، اقتربت من التقاعد، وهناك طبيبة ثالثة تعمل في قسم جراحة العظام، لكنها مستنكفة (ممتنعة) عن العمل بسبب أحداث الانقسام الفلسطيني".
وامتنع موظفو السلطة الفلسطينية في قطاع غزة والبالغ عددهم 55 ألف موظف، عن الذهاب إلى عملهم، بأوامر من السلطة عقب سيطرة حركة حماس على غزة وتوليها شؤون الحكم فيها، في يونيو/حزيران 2007 بعد الاقتتال الداخلي مع حركة فتح.
وأشار الحاج إلى أن معظم الطبيبات السيدات يتخصصن في الجراحة النسائية والتوليد، وأن أقسام الجراحة الأخرى في مستشفيات قطاع غزة، تفتقر لوجود العنصر النسائي بالكامل، موضحاً أن عدد الطبيبات في أقسام الجراحة النسائية يصل إلى نحو 30 طبيبة.
ويبلغ إجمالي عدد الأطباء في قطاع غزة، الذين يعملون في مستشفيات وزارة الصحة والمراكز والعيادات الطبية الأخرى، في مختلف المحافظات، 1705 أطباء، منهم 1440 طبيباً، و265 طبيبة، بحسب محمود حمّاد، مدير دائرة شؤون الموظفين في قطاع غزة.
اقرأ أيضاً:إسراء الطوالبة طبيبة شرعية أردنية تشرّح مشاكل المجتمع