لم يكن السلاح الكيماوي الذي استخدمته قوات النظام السوري في الواحد والعشرين من أغسطس/ آب 2013 ضد سكان الغوطتين الشرقية والغربية وأدى إلى وفاة نحو 1700 شخص وإصابة ستة آلاف آخرين معظمهم أطفال ونساء، السلاح الوحيد من نوعه المحرّم دولياً والفتاك ضد المدنيين، بل إن النظام السوري دأب على استخدام أسلحة متنوعة، وتفنن في اختراع أسلحة تهدف إلى قتل أكبر عدد من السكان.
ويمكن الحديث أولاً عن أسلحة كيماوية عدة محرمة دولياً، استخدمتها قوات النظام السوري، علماً أن النظام السوري استخدام الغازات السامة في هجومه على مناطق سورية 33 مرة قبل قرار مجلس الأمن 2118 الصادر في 27 سبتمبر/ أيلول عام 2013، و136 بعد صدوره، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
ووفقاً للتقرير، بلغت الهجمات الكيماوية ذروتها في محافظة إدلب، تبعتها محافظة ريف دمشق وحماة. ووصل عدد ضحايا الهجمات التي خرقت قرارات مجلس الأمن 88 شخصاً، 45 من مسلحي المعارضة، و7 من أسرى القوات الحكومية، و36 مدنياً، بينهم 20 طفلاً، و6 سيدات.
في الثالث عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2013، قدمت البعثة الخاصة للأمم المتحدة تقريراً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بيّنت فيه أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تلقّى 16 بلاغاً من دول أعضاء بوقوع حوادث منفصلة تنطوي على استخدام الأسلحة الكيماوية.
وأشارت اللجنة في تقريرها إلى سبعة حوادث، منها في خان العسل، وحي الشيخ مقصود في حلب، وسراقب، وأشرفية صحنايا، إضافة إلى الغوطتَين.
ورغم أن الأماكن التي استخدمت فيها الأسلحة الكيماوية معظمها في مناطق سيطرة المعارضة، إلا أن تقرير البعثة الخاصة لم يشر إلى الجهة التي استخدمت الأسلحة الكيماوية، كما لم يتبع أي إجراء يهدف إلى تحديد المسؤول عن استخدام هذه الأسلحة.
ويصنّف مركز توثيق الانتهاكات في سورية مراحل عدة استخدم فيها النظام السوري الهجوم الكيماوي في مجزرة الغوطتين.
المرحلة الأولى بدأت باستخدام غاز الخردل، وهو غاز مركّب غير قاتل، عبارة عن سائل يصدر بخاراً خطيراً، ويسبب حروقاً وتقرّحاً في الجهاز التنفسي، وضيق تنفس عند تنشقه.
ويسبب التقيؤ والإسهال عند ابتلاعه، ويلحق أضراراً بالعيون والأغشية المخاطية، والأعضاء التي يتولد فيها الدم. وأخطر تأثيراته طويلة الأجل، تتمثل في كونه مسبباً للسرطان، ولا علاج له.
في المرحلة الثانية، تطور الانتهاك إلى استخدام مادة "في إكس" القاتلة، وتسمى غاز الأعصاب. هذه المادة عبارة عن سائل أخضر اللون لا رائحة حادة له، ومفعوله دائم، ويعتبر من بين أكثر المواد سمية. بإمكان مادة (في اكس) المنتقلة بالهواء أن تقتل متلقيها بغضون دقائق، لكن امتصاصها الرئيسي يكون عبر الجلد. تؤثر على الجهاز العصبي، وتشمل عوارض الإصابة غشاوة البصر، وصعوبة التنفس، واختلاج العضلات، والتعرق، والتقيؤ، والإسهال، والغيبوبة، والتشنّجات، وتوقف التنفس الذي يؤدي إلى الموت.
في المرحلة الثالثة، استخدمت قوات النظام مادة "السيانيد والكلور سيانيد" والسيانيدات هي أملاح حمض سيانيد الهيدروجين، وتتميز باحتوائها على مواد تتكون من ارتباط ذرة الكربون برابطة ثلاثية مع ذرة النيتروجين، وتعد المركبات التي يمكن أن تحرر أيون السيانيد من المواد شديدة السموم، وهي قاتلة بنسبة 97 في المائة.
ولفت المركز إلى أن آخر المواد المستخدمة في سورية هي مادة السارين (Sarin)، وهو سائل أو بخار لا لون له. تشمل عوارضه، التي تتوقف على مدى التعرّض له، غشاوة البصر، وصعوبة التنفس، واختلاج العضلات، والتعرق، والتقيّؤ، والإسهال، والغيبوبة، والتشنجات، وتوقف التنفس الذي يؤدي إلى الموت.
بالإضافة إلى أنواع الأسلحة الكيماوية هذه، دأب النظام كذلك على استخدام غاز الكلور الذي لا لون له، ويُعدّ من المواد غير القابلة للاشتعال، وله رائحة قوية، ومن أهم أعراضه الاحمرار في الوجه والحرقة في العين والأنف والحلق. ويُعدّ الكلور من أولى الغازات السامة التي استُخدمت كأسلحة في الحروب، إذ قام الجيش الألماني بإطلاق كميات كبيرة منه خلال الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) في بلجيكا.
وتمكن النظام السوري، بفعل استخدامه غاز الكلور، من تحقيق سلسلة من الانتصارات، على رأسها استعادة السيطرة على بلدة المليحة وعدرا العمالية والصناعية بريف دمشق، بعد اضطرار المعارضة العسكرية إلى الانسحاب تحت وطأة استخدام الغاز. كما أن قوات النظام لا تزال تستخدم الغاز في جوبر والمناطق الاستراتيجية الهامة التي تعجز عن اقتحامها بشكل متكرر.
وشهد الشهران الرابع والخامس لعام 2014، أعلى معدلات استخدام سلاح الكلور السام، من قبل قوات النظام السوري. ففي الشهر الرابع، استخدم النظام غاز الكلور ثماني مرات عن طريق براميل متفجرة، قُتل خلالها مدنيان، وأُصيب المئات بحالات اختناق، وكان النصيب الأكبر لبلدة كفر زيتا في ريف حماة الشمالي، والتي وُثّق فيها أربع حالات، وأسفرت عن إصابة أكثر من مائتي مدني.
وفي الشهر الخامس استخدم النظام غاز الكلور سبع مرات، تركزت معظمها في كفرزيتا وبلدة التمانعة في ريف إدلب، وأودت بحياة مدنيين اثنين، وأُصيب خلالها أكثر من 65 شخصاً، بين مدنيين وعناصر تابعين لـ "الجيش الحر".
ورغم وقع المجزرة الكبير، والتهديدات بالضربة العسكرية المحتملة من قبل الولايات المتحدة ضد النظام السوري، والاستنفار العالمي الذي حدث لإيقاف المأساة السورية، إلا أن النظام السوري واصل استخدام أسلحة محرمة دولياً في سورية بعد هذه المجزرة، بل وابتدع أسلحة أخرى لا تقل فتكاً وقتلاً عن سابقاتها.