ليبيا 2017: الثقافة كنوع من الأمل

01 يناير 2018
(من آثار لبدة في ليبيا، دي أغوستيني)
+ الخط -
في أواخر 2017، صدر في فرنسا كتاب بعنوان "في ليبيا.. على خطى جان ريمون باشو"، للكاتب الفرنسي جان ماري بلا روبليس، يقدّم فيه محاكاة لرحلة مستكشف فرنسي زار ليبيا في القرن التاسع عشر، حيث عاد روبليس إلى الأماكن نفسها التي زارها باشو، وهي في الغالب مناطق الآثار الرومانية واليونانية القديمة.

عبر عقد مقارنة بين عصرين، وتبيان حجم التغيرات التي طرأت على المواقع - بسبب الإهمال قبل 2011، وبسبب النهب والتخريب بعدها - لن تكون الخلاصة التي تصل إلى القارئ إلا سلبية. ولا تمثّل الآثار سوى وجه من بين وجوه عديدة حول حال الثقافة في بلاد عمر المختار.

لكننا مع بقية قطاعات الثقافة، وإذا طبّقنا فكرة روبليس، سنقع على شكل مختلف من "المأساة"، فأن نأتي بنقطتين، سواء قبل 2011 أو بعدها، لن نجد من المتغيّرات الكثير، إن لم تكن الأمور قد ذهبت إلى مزيد من الركود، فحال الثقافة في عصر القذافي كان مختنقاً بسبب الهيمنة الأمنية التامة وفرض خيارات دعائية، إلا في استثناءات نادرة، ثم حين انهار نظام العقيد لم يتغيّر الكثير، فقد أتت الفوضى والاقتتال بدله، وحكمت على الثقافة مرة أخرى بالبقاء في النقطة نفسها.

قد تبدو الصورة العامة محزنة، غير أنها طبيعية، إذ إن الثقافة في ليبيا لا تستفيد من أهم "داعم" للإنتاج الثقافي في البلاد العربية؛ التمويل العمومي، فلم تعرف ليبيا موازنة عامة منذ أربع سنوات، بسبب تعدّد الحكومات وانقسامها. رافد آخر يبدو معطلاً وهو الحياة الأكاديمية التي تؤمّن في بلدان عربية كثيرة جزءاً كبيراً من الحياة الثقافية.

لكن، رغم هذا الإطار القاتم، نجد في ليبيا عدداً من الومضات؛ مثل إصدار كتاب "شمس على نوافذ مغلقة"، الذي يضم نصوصاً مختارة لمجموعة من الأسماء الشابة، ما يمكن اعتباره اعترافاً بوجود جيل أدبي جديد، وهو في حدّ ذاته نقطة إيجابية، وإن أثار الكتاب نفسه سجالاً على خلفية وجود مقاطع "خادشة للحياء"، لكن ذلك من الأمور التي لا تخلو منها أي ساحة ثقافية عربية.

الأهم من كل ذلك، هو أن 2017 حملت مجموعة من التظاهرات في نسختها الأولى، ما يجعل منها ربما قاعدة انطلاق نحو سنوات ثقافية أفضل. من بين هذه التظاهرات "الملتقى المتوسطي للفنون التشكيلية" في مدينة مصراتة، و"المونديال المغاربي للميلودراما" في مدينة البيضاء، و"مهرجان إيراتو السينمائي لأفلام حقوق الإنسان" في طرابلس، و"أسبوع الفيلم الليبي" في بنغازي، و"المؤتمر العلمي الأول للثقافات المحلية" في كاباو. كما شهد العام افتتاح "دار البوانيس للثقافة والتراث" في سمنو، وإطلاق "راديو ليبيا الثقافي" في سرت.

تعدّد هذه المشاريع، وبقدر ما تبعثه من تفاؤل، يجدّد التخوّف من سقوطها في خطواتها الأولى، لكنها في النهاية تشير إلى أن في ليبيا اليوم بوادر جهد جماعي يحاول إعادة بناء ثقافة وطنية. الثقافة في ليبيا لا تزال إلى يومنا مجرّد وعد.

المساهمون