فوزية أبو خالد في "حديث الألِف": الشِّعر عمران البشر

10 يناير 2025
فوزية أبو خالد مع هالة كوثراني في "حديث الألف" (حسين بيضون/ العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الشعر كشرط وجودي وعمارة وجدانية: تعتبر فوزية أبو خالد الشعر جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية والواقع الاجتماعي والسياسي، حيث تسعى من خلاله إلى بناء الذات والتعبير عن القضايا المجتمعية والنسوية، مؤكدة على دوره في تحقيق التوازن بين العمارة البشرية والوجدانية.

- ريادة قصيدة النثر وترحال معرفي: تُعد فوزية أبو خالد رائدة في قصيدة النثر في الخليج العربي، حيث أثرت تجربتها الشعرية بالترحال المعرفي والثقافي، مما أضاف عمقًا وثراءً لأعمالها.

- إسهامات أدبية ومواقف نسوية: قدمت إسهامات متعددة في الشعر والنثر، تناولت قضايا المرأة وحقوقها، وأصدرت أعمالًا تعكس تجربتها الغنية والمتنوعة، مثل "قراءة في السر لتاريخ الصمت العربي".

أيُّ قراءة في مسار الشاعرة السعودية فوزية أبو خالد (1955) وأي حوار أينما شرّق وغرّب، فإنّ الخلاصة التي تتجدّد هي اللقاء مع الشِّعر بوصفه الشرط الوجودي لعمارة الأرض.

الشعر سيكون مجال التأمُّل والسرد في مستوى الكلام وفي مستوى الحكي. في المجاز والرمز. فإذا قرأت الشاعرة الخطاب السياسي الاجتماعي، وعاينت ميدانياً المرأة السعودية المُزارعة في جنوب البلاد، فإنّها لا تستأذن الشاعرة التي تمرّدت منذ أوّل ديوان لها بالذهاب إلى حقل علمي، بل تُكمل بناء الذات.

لم تُفكّر الشاعرة الأستاذة الجامعية للحظة إلّا في أنّها هي نفسها، كما تُخبرنا في الندوة الشهرية "حديث الألِف" التي استضافتها "مكتبة ألِف" في الدوحة، والتابعة لمجموعة "فضاءات ميديا" أوّل من أمس الأربعاء، ولم تتردّد في فتح مزدوجَين يضمّان التالي: "ما دام هناك عمران بشري ينبغي أن يكون هناك عمران وجداني، وهذا الأخير لا يستوي من دون الشعر".

منحها ديوانها الأوّل لقب رائدة قصيدة النثر خليجياً

لأوّل مرّة منذ بدء الندوات في سبتمبر/ أيلول 2023 يقرأ الضيف نصّاً، ذلك لأنّ تقليد الندوة يقضي عادة أن يقرأ مشاركون نصوصاً من كتب الضيوف. بيد أنّ مديرة الندوة، الكاتبة هالة كوثراني، طلبت أن تفتتح هذه الأمسية بصوت فوزية أبو خالد مع قصيدة طويلة كتبتها عن أمّها بعنوان "هلّتها ولا منتهاها"، التي اختتمت بهذه الكلمات "مَن سر الكون والملكوت والأفلاك؟! ناصية البدايات، منتهى النهايات. مَن سوى أمّي؟ مَن سوى بلدي؟ مَن سواهما الكاف والنون وما بينهما من مستحيلات؟!".

وتكفّل الشاعر والإعلامي محمّد أبو نصيرة بقراءة باقي النصوص التي تقاسمها الشعر والنثر وأبرزه سير الأمّهات والأماكن.
وبقدر ما استطاعت الندوة أن تُحيط به، مرّت الساعتان المخصّصتان لها في طرح النقاشات حول الشعر، وتحديداً قصيدة النثر، والكتب والدراسات الأكاديمية التي تتعلّق بدراسة مجتمعها المحلّي، والكتب التي تقرأ المكان والإنسان بما هما جغرافيتان تتناسلان من بعضهما البعض.

فالشاعرة والكاتبة صاحبة ترحال واسع المدى، وهو إلى ذلك ترحال ينتج وليس مجّانياً. من مدرستها في جدّة إلى لبنان الذي خبرته في طفولتها مدينة مدينة وضيعة ضيعة، ثمّ الدراسة في الجامعة الأميركية، فالانتقال إلى الولايات المتّحدة وبريطانيا.
ليست كلُّ واحدة منها محطّة، بل هي بناء صلب في الوعي، وعي الشابة التي نشرت، وهي في مرحلة الدراسة المدرسية، أوّل ديوان لها، أرسلته كمن يرسل رسالة في قنّينة ويلقيها في بحر اسمه "لعلّ وعسى".

صاحبة ترحال واسع المدى، ترحال منتج وليس مجّانياً

كلُّ مدماك معرفي بنته أو طوّرته كان يبدأ من مدرستها في حيّها ويجوب العالم ويعود ثانية. حتّى في فكرة التجاوُز لا تُذعن للقطع المجاني الاستعراضي. من المدرسة حيث كانت معلّمتها الفلسطينية نهى العبوة تنشر لها أوّل قصيدة، وهي، أي المعلّمة، مع الأمّ كانتا مؤمنتَين بموهبة البنت.

على ذلك، فإنّ الموقف النسوي كان محرّضاً للذات الشعرية التي تتّخذ موقفاً من العالم وتقول فيه ما تقول. هذا أوّل ديوان تحت عنوان "إلى متى يختطفونك ليلة العرس؟" (1975)، وهو الذي سيمنح الشاعرة اللقب الدارج، وهو يفيد بأنّها رائدة قصيدة النثر في الخليج العربي.

هذه الريادة كانت خياراً ثورياً صقلته الخبرة في بيروت، قبل أن يمتلك ملامحه بصلابة وهدوء، لتكون الشاعرة ذاتها كما هي باسمها وهويتها من الرأس إلى أخمص القدم. لقد تتلمذت في بيروت على أيدي نجوم المعرفة والأدب، ومنهم العلّامة إحسان عباس، وخليل حاوي، وهشام شرابي إبان السلك الدراسي الجامعي، وفي فضاء بيروت الثقافي ثمّة نجوم المرحلة من شعراء السبعينيات والثمانينيات، إضافة إلى قراءتها المثابرة للشعر المترجم.

عرفت خيارها دفعة واحدة، ثمّ لم تقع فريسة المنوال الذي يطمئنّ إلى ريادته ويستريح. كان يكفيها أن تكون "متمرّدة" في مجتمعات عربية محافظة حتى تحصل على وسام قد لا يخدمها سوى في عقد من الزمان. هي آمنت بأنّ أعالي البحار مياه بالعرف السياسي المعاصر دولية، وبالمعنى الشعري كرة أرضية تدور على محورها.

حين نشرت الديوان الأوّل كان والدها عبد الله أبو خالد يتلقّى في مسمعيه انتقادات لإصدار ابنته هذا الديوان، بما فيها من سؤال حارق "إلى متى يختطفونك ليلة العرس؟". وفي الجملة كان يُقال إنّ هذا الكلام تغريب للشعر، وخروج عن التصوّر الشعري التقليدي، وتقاليد سائدة في المجتمع، فكان الأب يطلب ممّن يسأل أن يتوجّه بالسؤال إلى فوزية، كي تجيب هي عن أي سؤال، وهذا مما تتذكرّه وتُكبره في والدها حتى اليوم، إذ جعلها تدافع عمّا تطرحه بلسانها هي.

على كلّ حال، والشاعرة التي خصّصت لأمّها وشاركها كتّاب وكاتبات سيراً تتعلّق بالأمهات، أرادت كلّما سُئلت عن هذا السياق أن تزجي تحية إلى نساء قاتلن بما يملكن لإثبات حقّهن، والدفاع عن كيانهن دون أن يضطررن لتأطير ذلك في مصطلح "نسوية".

كانت تجيب عن سؤال لمحاورتها بشأن هوية كتابتها النسوية قائلة إنها تنطلق دائماً من المهمّش في حياة المرأة وتفاصيلها اليومية، وهي مهجوسة بحقوق المرأة بوصفها مواطنة إنسانة، دون أن تلزم بمصطلح صارت سمعته في عالمنا العربي وحتى الغربي سيئة.

السمعة السيئة التي تُطاول النسوية كما ذهبت أتت، لأنّها ارتبطت كثيراً بحرّيات خارج "ما نحلم ونبتغي من قيم الحرية والتعبير والإنتاج إلى السقوط في معان جديدة ضيّقة، فضلاً عن أنّ مفهوم النسوية ذاته تغيّر منذ الستينيات حتى التسعينيات".
إذاً، ما الشعر الذي تريد فوزية أبو خالد أن تمضي به ويمضي بها بوصفها امرأة؟ إنّه ببساطة "صوت النساء"، أي الصوت المستبعد، إضافة إلى ذلك حق المرأة في أن تكتب عن ذاتها بالخروج من فخّ موضة تقليد الرجال، هذا الأمر، أو الفخّ للدقّة، الذي استوعبته مي زيادة (1886 - 1941) حين دعت إلى أن نكتب كتابة لا تحمل صوت الرجُل، كما قالت.

بعد ديوانها الأوّل منتصف السبعينيات نشرت أبو خالد "قراءة في السر لتاريخ الصمت العربي/ أشهد الوطن" (1982)، و"ماء السراب" (1995)، و "مرثية الماء" (2005)، و"شجن الجماد" (2006)، و"تمرّد عذري" (2008).
وصدرت في عام 2014 الأعمال الشعرية الكاملة، وتضمّنت كلّ المجموعات السابقة، إضافة إلى "ملمس الرائحة"، المجموعة التي نُشرت لأوّل مرّة ضمن الأعمال الكاملة، ثمّ "ألف صباح وصباح: مكاشفات شعرية" (2014)، بالاشتراك مع أميمة الخميس، و"ما بين الماء وبيني" (2017).

كما أصدرت في السيرة المكانية كتاب "كمين الأمكنة" (2016)، و"تحدّيات وطنية: مقاربة لمطالب النساء في المجتمع العربي السعودي" (2017)، و"سيرة الأمّهات" (2020)، الذي يضمّ عشرات الشهادات لكتّاب حول أمّهاتهم. وإضافة إلى ذلك، ثمّة إسهامات في أدب الأطفال ودراسات عديدة في مجالات تتعلّق خصوصاً في علم الاجتماعي السياسي والمعرفي.

ومثلما بدأت الشاعر بأمثولة الوجود الشعري ختمت بالقول إنّه ليس هناك ما هو أطول من عمر الإنسان سوى الأمل. وتنتمي الضيفة بقوّة إلى أنّ الشعر هو ما يقول الذات والعام، ويحمي الروح ويبقى عابراً للزمن مهما وقعت تحت صروف التحوّل والموت. الشعر عندها هو المرصود للولادة دائماً.

المساهمون