أطلت دولة الإمارات مجدّداً في الميدان العسكري الليبي، في محاولة لخلط الأوراق وجرّ المنطقة إلى أتون حرب مفتوحة بين أطراف إقليمية، بعدما خسرت رهانها على مليشيات حليفها في ليبيا، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وذلك بعد قصف طائراتها مباشرةً قاعدة الوطية، جنوب غربي طرابلس، أمس الأحد.
وكشف المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي، التابع لعملية "بركان الغضب"، عبد المالك المدني، عن هوية الطائرة التي قصفت قاعدة الوطية، أمس الأحد، مؤكّداً أنها طائرة إماراتية.
الجواشي: التدخل الإماراتي الجديد يهدف إلى جرّ الساحة إلى أتون حرب جديدة، ويهدف أيضاً إلى استفزاز قوات حكومة الوفاق ومن ورائها تركيا
وأوضح المدني، في تصريح خاص، لـ"العربي الجديد"، أنّ الطائرة من نوع "ميراج 2000-9" فرنسية الصنع، أقلعت من قاعدة سيدي براني المصرية قبل أن تسدد ضربة جوية إلى القاعدة.
وفي التفاصيل، فصّل مصدر عسكري ليبي رفيع، في حديث لـ"العربي الجديد"، الأحداث، كاشفاً عن أن الطائرة الإماراتية أقلعت من قاعدة سيدي براني قبل أن تتزود بالوقود في سماء قاعدة الجفرة، وسط البلاد، وتواصل طريقها لقصف القاعدة.
وعن حجم الأضرار، أكّد المصدر العسكري، الذي تحدث بشرط عدم ذكر اسمه، أنّ الأضرار تمثلت بتدمير منظومة دفاع جوي متطور داخل القاعدة، بالإضافة إلى أضرار مادية طفيفة أخرى نتجت من القصف.
من جهة ثانية، نفى المدني الأنباء المتداولة، من قبل وسائل إعلام داعمة لحفتر، بشأن مقتل مسؤولين وعسكريين من رتب رفيعة، بعضهم من تركيا، مؤكداً أن آثار القصف مادية فقط.
حرب جديدة
ويرى الباحث السياسي الليبي، سعيد الجواشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التدخل الإماراتي الجديد يهدف إلى جرّ الساحة إلى أتون حرب جديدة، ويهدف أيضاً إلى استفزاز قوات حكومة الوفاق، ومن ورائها تركيا، لشنّ حرب على مناطق سرت ــ الجفرة التي سبق أن اعتبرها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، "خطاً أحمر"، وهدّد بالتدخل العسكري.
وبحسب الجواشي، تحاول الإمارات استغلال حالة التوتر السياسي الكبير بين تركيا وفرنسا، مشيراً إلى أن استخدامها لطائرة فرنسية الصنع وإقلاعها من قاعدة مصرية يدلّان على نية مبيتة لإشعال المنطقة من جانب، وإجبار حلفاء حفتر الذين تفرق شملهم على بناء تحالفهم مجدداً.
توريط مصر
في المقابل، يرى الباحث في الشؤون الدولية، بلقاسم كشادة، أن قصف الوطية لا يحقق أي هدف عسكري، لبعدها عن مواقع التوتر والمواجهة في الجفرة وسرت، مشيراً إلى أن الإمارات قصدت توريط مصر بإقلاع طائرتها من قاعدة مصرية، رغم أنها تمتلك قاعدة الخادم شرق ليبيا، وهي الأقرب مسافة من قاعدة سيدي البراني.
وعن عدم استهدافها لمواقع قوات الوفاق في تخوم سرت، أشار كشادة إلى أنّ "الإمارات تتحاشى غضب واشنطن التي تسعى إلى أن تكون منطقة التماس في سرت ـ الجفرة منزوعة السلاح. كذلك فإن المنطقة بدت اليوم محور مواجهة بين الروس والأميركان، ما يعني أن مساس الإمارات بها سيوقعها في حرج مع حلفائها في واشنطن".
ولم يصدر أي موقف أو تعليق من جانب قيادة حفتر وضباطه الذين طالما هللوا لكل ضربة عسكرية تتلقاها قوات "الوفاق"، كذلك لم يصدر أي تعليق من جانب الدول الداعمة لحفتر، ولا سيما الإمارات.
لكن الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، غرّد متحدثاً عن تعرض القاعدة للقصف، قائلاً: "الإمارات لقّنت تركيا الدرس الذي تستحق نيابة عن كل العرب الشرفاء"، قبل أن يحذف تغريدته وسط جدال واسع، إذ أشارت إلى تورط دولته في القصف.
وكان المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي، محمد قنونو، قد أكّد صحة الأنباء المتداولة بشأن قصف طيران أجنبي لقاعدة الوطية، أمس الأحد.
وقال قنونو، في إيجاز صحافي نشرته الصفحة الرسمية لعملية "بركان الغضب"، ليل أمس الأحد، إنّ "القاعدة تعرّضت لقصف جوي غادر نفّذه طيران أجنبي داعم لمجرم الحرب حفتر".
وأشار قنونو إلى أنّ "الضربة جاءت كمحاولة لرفع معنويات المليشيات والمرتزقة الموالين لحفتر ومحاولة لخداع جمهورهم بأنه ما زال لهم القدرة على الوقوف أمام تقدم قواتنا".
وبينما اعتبر قنونو أن الضربة الجوية تنافي مزاعم "أحد قيادات المليشيات في موسكو بأنهم قبلوا بوقف إطلاق النار واليوم يعودون للغدر الذي عهدناه منهم".
وأضاف: "لن تؤثر مناوراتهم في مسار الأحداث والمعارك، ولن تغير من استراتيجيتنا لبسط السيطرة على كامل التراب الليبي". وتابع: "كنا نقول بأننا من سيحدد مكان المعركة وزمانها، ونؤكد اليوم أننا من سيحدد متى وأين تبدأ المعركة الحاسمة ومتى وأين تنتهي".
وعن مستجدات الميدان في محيط منطقة سرت ـ الجفرة، أكد المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي، أن الاستعدادات لم تتوقف في تخوم مدينة سرت، مشيراً إلى أن الأوامر بالتقدم باتجاه المدينة لم تصدر. لكنه أضاف أن "قرار تحرير سرت والجفرة لن نتراجع عنه".
شرعنة حفتر
ومنذ أن انخرطت الإمارات في ليبيا منذ أعوام ما بعد ثورة فبراير/ شباط 2011، التي أطاحت حكم العقيد الراحل معمر القذافي، تحاول التدخل في تفاصيل الأزمة من خلال دعمها لأطياف سياسية وأحزاب شاركت في أولى العمليات الانتخابية البرلمانية، قبل أن تعلن صراحة انحيازها إلى مشروع حفتر العسكري الذي قدمت له كل الدعم العسكري ودخلت بثقلها لدى دوائر صنع القرار الغربي، ولا سيما في واشنطن، لشرعنة وجوده في المشهد.
ويبدو أن واشنطن لا تزال منخرطة بقوة في مستجدات الملف الليبي، من خلال حلحلة الخلافات الإقليمية والدولية، فقد أكد السفير الأميركي في القاهرة، جوناثان كوهين، أمس الأحد، رفض الولايات المتحدة لجميع أنواع التدخلات الأجنبية في ليبيا.
وأوضح كوهين، في تصريح صحافي، أن بلاده تدعو إلى اللجوء للمفاوضات تحت رعاية حلف شمال الأطلسي من أجل التوصل إلى حلّ للأزمة الليبية، في إشارة إلى حل الخلاف بين تركيا وفرنسا، العضوين في الحلف.
وفيما بيّن السفير أن الدبلوماسية هي الحل الأمثل، أكد أن الولايات المتحدة تأخذ موقفاً قوياً لدعم المفاوضات والإصرار على وقف إطلاق النار في ليبيا.