قصة الجيش المصري والانتشاء الشعبي

26 فبراير 2015
إنها المرة الأولى منذ الثورة التي أقف فيها حائراً(Getty)
+ الخط -

(1)
"إن الجماهير تعشق الرجل الفحل.. إن الجماهير كالمرأة.. وإخضاعها فن يتطلب استخدام كل ما أوتي الإنسان من مهارة وقدرة" بينيتو موسوليني.

(2)

كان يعلم ما حدث في ليبيا بالضبط، بداية من اختطاف المصريين هنالك، وصولاً إلى الغارة المصرية على درنة، إلا أن ذلك لم يمنع السائق من سؤالي عمّا يحدث في ليبيا. تجاهلته لأنني كنت متأكدا أنه يعرف ماذا يدور بالضبط، لكنه في حقيقة الأمر كان يريدني ويريد من حوله أن يطربوا مسامعه ببطولات الجيش المصري، وبالفعل بمجرد أن رد عليه أحد الركاب وجدت السائق يكمل له ما ينقص المتكلم من معلومات، وسط احتفاء وتكبيرات وتهليل من جانب بقية الركاب. في الحقيقة لم أكن أتوقع رد الفعل هذا من جانب الشعب المصري، وبهذا الشكل المبالغ، فبمجرد أن أجلس في أي مقهى، أسمع الإشادة بالسيسي ونظامه، الذي لم ينفك عن قمع هذا الشعب منذ توليه السلطة. حاولت إيجاد تفسير ومصطلح لهذه الحالة من الفرح الشعبي، الذي لم أجد اسماً يليق به إلا "الانتشاء الشعبي".

فالشعب يبدو أنه كان مشتاقاً لهذا النوع من الفرحة طوال السنوات الماضية، فبغياب الرئيس "الدكر" طول الفترة السابقة وصعود مبارك المداهن ومن بعده مرسي الضعيف، لم يجد الشعب من يشبع رغباته ويحقق تطلعاته، إلا أن السيسي استطاع مؤخراً تحقيق ذلك.

فرح الناس واحتفى الشعب بالسيسي وبجيشه وغاراته الجوية (التي بدت آثارها مشابهةً لآثار القنابل التي ترمى بجانب الأقسام المصرية بين الحين والآخر)، لكن في ظل هذه الفرحة العامرة والنشوة الغامرة، نسي الجميع مصير مئات الآلاف من العالقين في ليبيا، فمنذ أيام ترددت أنباء عن اختطاف مجموعة جديدة من المصريين وسط تجاهل تام من جانب إعلام رجال الأعمال والشؤون المعنوية.

فرح الناس، ونسوا ما ذاقوه من هذا النظام طوال الفترة الماضية، بداية من مذبحة الحرس الجمهوري، وصولاً إلى مجزرة الدفاع الجوي، نسوا آلاف المعتقلين وإهانات وتجاوزات الداخلية، وفي ظل هذا "الانتشاء" والصخب الشعبي، من سيحاول السؤال عن مصير هؤلاء؟ لا شك في أنه سيتعرض لوابل من الاتهامات، فتارة سيكون إخوانيّاً عميلاً لقطر وتركيا، وتارة سيكون من "المغيبين" الذين يشاهدون قناة الجزيرة، في نظرهم.

(3)

لم تقتصر حالة الانتشاء على البسطاء والعوام في المقاهي والمواصلات، بل وصلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فبجانب أصحاب المواقف المائعة الذين ما إن وجدوا الأحداث الأخيرة ذريعة لإعلان انحيازهم التام للسلطة، وما سيصدر عنها من أفعال الفترة القادمة، نظراً لأننا في "حالة حرب"، وجدنا بعضاً ممن يُحسبون على الثورة زوراً وبهتانا،ً بل ممن رفضوا 30 يونيو ووصول السيسي إلى السلطة، وقد وضعوا شعارات من قبيل "اضرب يا سيسي" و"افرم يا سيسي".

الحق أقول لكم، إننا نعيش مرحلة خطرة، فالمشكلة لا تتمثل في مواجهات السيسي الخارجية، بل المشكلة في الداخل أكبر بكثير وتتعلق بمستقبل هذا البلد، فالسيسي الآن في أقوى حالاته، فلا يستطيع أحد أن يوجه نقداً،  فضلاً عن اتهام. إننا الآن، أيها السادة، أمام عملية صناعة دكتاتور جديد بل وعملية إحياء، مرة أخرى، جمهورية الضباط، التي كانت على وشك السقوط خلال الفترة الماضية نتيجة بعض التغيرات المحلية والإقليمية، إلا أن الأحداث الأخيرة في ليبيا مثلت طوق النجاة لهذا النظام، فكم من رئيس وملك فاسد أدخل بلاده إلى حروب ومعارك ليس وراءها طائل، وأذاق شعبه ويلاتها من أجل إنقاذ نفسه هو ومن حوله من المنتفعين والفاسدين.

أيها الرفاق، إنها المرة الأولى التي أقف فيها حائراً ومشوشاً منذ اندلاع الثورة في 25 يناير 2011، فلا أستطيع أن أجهر بصوتي المعارض وإلا خسرت حريتي، وفي الوقت نفسه لا أستطيع السكوت على الظلم، فيا ترى أين السبيل؟


(مصر)

المساهمون