في استيطيقا التفاهة

05 ابريل 2018
+ الخط -
أصبح للتفاهة حضور مهم في هذا الحيص بيص الذي أضحت عليه مجتمعاتنا العربية، وبعيدا عن التعاريف، المظاهر، الأسباب والمسببات، بعيداً عن التفكير في سبل المواجهة ما دامت المحاربة والتصدي - كما هو مثبت لليوم - تعطي نتائج عكسية وتزيد من تقوية حالة التفاهة ولا تساهم سوى في الترويج لها. وكي لا نتحامل على التفاهة وما يتم تقديمه باسمها، لمَ لا نحاول في الاتجاه الآخر ونبحث في إمكانية التطويع حتى لا نُشبع الخواء ويبدأ هو في التلاشي تلقائيا؟ فإذا كانت السخرية بالنسبة للبعض أفضل العناصر للبقاء، فلا ضير من القليل من التفاهة بين الحين والآخر كي لا نموت كمدا.

ذلك أننا إذا توقفنا عند جينيالوجيا، إن صح التعبير، كلمة "تفاهة"، سنجد مفارقة غريبة، فأصواتها (حروفها) المشكلة لها: (ت - ف - ه) حروف تتسم بصفات الهمس والرخاوة والرقة، فالتاء حرف أسناني لثّوي يخرج من طرف اللسان وهو ساكن مهموس، الفاء شفوي أسناني رخو مرقق ساكن مهموس، وحرف الهاء حنجري رخو مرقق ساكن مهموس.


وكما هو معلوم، توظف الحروف المهموسة في المواضع التي تتطلب رقة ورومانسية ونوعا من السكون، وأن الهمس من صفات الضعف عكس الجهر. ومن هنا يتبين أن كلمة تفاهة إذاً، كلمة مهموسة في الأصل، رقيقة، خافتة بالكاد يسمع لها صوت، ونحن بالتالي من جعل منها شيئاً مجهوراً وخلقنا لها صدى مدوياً لا يحتمله أصلها التكويني.

فعوض الاحتجاج والرفض الفردي الذي قد يؤدي بالشخص جراء القهر والحسرة، فلا بأس من أن نبدأ يومنا ونحن في طريقنا إلى العمل على أثير برنامج إذاعي تافه ما دامت النوعية المعروضة في الغالب واحدة، نقف بعده عند أسئلة جوهرية مع ذواتنا، كأن نتساءل عن حجمنا الحقيقي على ظهر هذه البسيطة أو الجدوى من الحياة مع مثل بعض المخلوقات.. فمن اللاشيء قد نخرج باكتشافات مفصلية تعيد إنعاشنا من جديد.

ثم أين المشكلة لو وضعنا قناع البلاهة في أحايين، وبحثنا عما يرفّه في برنامج فكاهي يحاولون فيه إقناعنا بأن ما يتم عرضه هو ما يسمى الفكاهة الحقيقية وأن نسبة المشاهدة كفيلة لوحدها بتكميم أفواه من لا يتمتع بروح مرحة وحس الاستمتاع.

ولا ضرر من إراحة أدمغتنا المتعبة لبعض الوقت والضغط على زر خارج الخدمة مدة فيلم سخيف تكره نفسك فيه على محاولة الفهم والتذوق، وتَأكد أنك لن تلوم نفسك بعده لأنك من فصلتها عن وعي مسبق.