عادل عبد الصمد: "رسومات" قبل تجسيد العنف

19 اغسطس 2015
(من رسومات عبد الصمد)
+ الخط -

في منتصف تسعينيات القرن العشرين، قرّر طالب "مدرسة الفنون الجميلة" في الجزائر، عادل عبد الصمد (1971)، أن يقطع المتوسّط ويستقرّ نهائياً في فرنسا. قرار أتى بعد موجة من اغتيالات الفنانين التي عرفتها بلاده، عدد منهم من أصدقائه.

لدى إصداره آخر كتبه "رسومات"، في شهر حزيران/ يونيو الماضي، استفاد عبد الصمد من دعاية إعلامية موسّعة في فرنسا. يحتل الفنان الجزائري اليوم موقعاً مهماً في المشهد الفني الفرنسي، وضعٌ يذكّر بما حظيت به من قبل أسماء مغاربية مثل الممثل جمال دبوز أو المخرج عبد اللطيف كشيش أو الكاتب الطاهر بن جلون.

لعل منطلق شهرة عبد الصمد كان في معرض سنة 2012. حينها، أنجز تمثالاً يجسّد ضرب لاعب كرة القدم الفرنسي، من أصل جزائري، زين الدين زيدان، في نهائي كأس العالم 2006 بالرأس على صدر الإيطالي ماركو ماتيرازي.

عملٌ ورغم أنه يتناول موضوعاً يبدو "خفيفاً"، إلا أنه يقع في منطقة طالما اشتغل عليها فن النحت، فقد ربط عبد الصمد هذا الفن بجذوره البعيدة لدى الحضارات القديمة، حين كانت المنحوتة تلعب دور توثيق الحركة من مواجهات حربية ورياضية.

من جهة أخرى، دغدغ النحات الجزائري وقتها الشعور الشعبي الفرنسي، فكأنما خلّد انتقاماً من هزيمة فرنسا ضد إيطاليا في كأس العالم. أما نقّاد الفن، فقد احتفوا بها لأنها، أيضاً، تتقاطع مع أسلوب عبد الصمد حين يعرّي فكرة "الاحتفاء بالعنف" في الحضارة المعاصرة.

على عكس ما يبدو، لم يبتعد عبد الصمد في كتاب "رسومات"، عن عالم النحت. فهو وإن اختار مجالاً في الفنون التشكيلية لم يقدّم فيه من قبل معارض أو يُعرّف نفسه كمشتغل عليه، يظل هدفه من الكتاب إضاءة تجربته الرئيسية في النحت.



يكشف الفنان الجزائري أنه يحب أن يصالح فن التصوير، التقنية الأم في الفنون التشكيلية؛ فالورقة وقلم الرصاص يظلان نواة أية منحوتة وأي مشروع سيظهر. بذلك، يكتشف متابع أعمال عبد الصمد في ميدان النحت، أن الأخير وكأنما يُخرج في "رسومات" أفكاراً رآها، أو سيراها، الجمهور مجسّدة في أعمال ثلاثية الأبعاد.

ليس هذا الكتاب هو أول إصدارات عبد الصمد، إذ سبقته ثلاثة عناوين هي "في الهجوم" (2007) وهو حوار مع إليزابيت لوبوفيتشي و"عبد الصمد في حوار مع بيار لويجي فاتسي" وكتاب ألفه بنفسه بعنوان "لاريس فروجيي" عن أحد أبرز مديري المعارض في العالم. إضافة إلى عمل مشترك مع الشاعر السوري أدونيس بعنوان "جِلد الفوضى" وهو عبارة عن تجميع لرسائل متبادلة.

لا بد من الإشارة أيضاً، إلى أن النحّات الجزائري يؤكد، من خلال هذا الكتاب، انفتاحه على ما هو خارج ميدان اشتغاله الرئيس. ففي السنوات الأخيرة، تعدّدت الوسائط التي يشتغل عليها، وإن ظلت المنحوتات المحور الذي تدور حوله مغامراته الجديدة في عالم التصوير الفوتوغرافي أو في تركيب الفيديو الفني.

من زاوية نظر أخرى، يرسّخ كتاب "رسومات" تلك القراءة في مسيرة عبد الصمد، التي ترى أن العنف هو الثيمة الأساسية لمشروعه الفني. العنف الذي كان، حتى مع منحوتة "ضربة رأس زيدان"، سبباً في عدم رواج فنه في الفضاء العمومي كما كان يطمح، وهو الذي يستغرب من جماهير عدة بلدان، الجمهور الأميركي على وجه الخصوص، استهجانها العنف في فن النحت بينما تستهلكه بقوة في السينما والأدب والتلفزيون.

غير أن هذا الجزء من الجمهور، لا يعكس الموقف العام من الفنان، حيث أن فنه يعرف احتفاء لافتاً كلما قدّم عملاً جديداً، من المعارض إلى المؤلفات. في الفن التشكيلي، قد يكون الأكثر بروزاً إعلامياً في فرنسا في الوقت الحالي. كثيرون يهمسون من حوله "لماذا هو؟" فـ "المنظومة" التي تدير الفن والإعلام قلما أتاحت فرص البروز الموسّع، وإذا فعلت أدخلت "المختارين" في دوّامة من الأجندات.

المساهمون