كان الوصول إلى منزل أهل أول طفلة مصرية متوفاة جراء عملية ختان سهلاً، فالكل يعرف المنزل الكائن في قرية بمركز أجا في محافظة الدقهلية، لكن بمجرد الوصول إلى المنزل يتجهم كل من يقابلنا حينما يعلم أننا تابعون لوسيلة إعلامية.
من على أعتاب البيت الذي يبدو الحزن مخيماً على أرجائه بعد غياب ضحكة طفلته، تقابلنا مع جدة الطفلة التي ما إن رأت الكاميرا حتى صرخت: "لو صوّرتي مش هاتكلم ولا كلمة معاكي".
سألنا عن أم الطفلة فردّت الجدة قائلة: "أم سهير تعمل في مصنع ومقهورة على بنتها ربنا يصبرها". وعن كيفية علمهم بالواقعة قالت: "أنا السؤال اللي شاغلني: لماذا يتذكرنا الإعلام الآن؟ لماذا ترغبون في تجديد أحزاننا؟".
وعادت لتقول "سهير كانت هادئة جداً، عقلها أكبر من سنها، وكانت خائفة قبل إجراء الختان، رغم أنها لم تكن تعرف شيئاً عما سيجري لها، لكن كان قلبها حاسس".
وأوضحت رداً على تساؤلنا بشأن القضية التي أقامها والد الضحية ضد الطبيب "أبو سهير لم يقدم قضية. أصحابه أقاموا الدعوى القضائية بينما احتسبنا البنت شهيدة وراحت للي خلقها".
وعن مصير الطبيب حالياً، قالت إن الصحة أغلقت عيادته لكنه صمم على العمل، وافتتح عيادة طبية في شقة يسكنها ولايزال العشرات يترددون عليه لإجراء الختان لبناتهم، ثم قالت "البنت لم تمت بسبب الختان ولكن بسبب جرعة تخدير زائدة".
وقالت أم سلمى، إحدى جيران الطفلة الضحية، إن سهير كانت صديقة لبناتها وكانت طفلة جميلة وهادئة لا تحب المشاكل أو الدخول في خلافات رغم أن أكثر بنات القرية ممن هن في سنها "شياطين" على حد تعبيرها، الطفلة حزنت عليها القرية كلها ليس لأنها ماتت فهي عند الله، لكن بسبب الطريقة التي ماتت بها.
ورفضت أم سلمى إلقاء اللوم على الأهل لأن الختان "موروث اجتماعي. كلنا قمنا بختان بناتنا لكنه النصيب تدخّل هذه المرة وكان الختان سبباً في وفاتها".
وأشارت إلى أنها لا تعتقد على الإطلاق أن الحادثة ستجعل أهل القرية يكفّون عن ختان بناتهم بل سيبررون، ولو بأي شيء، سبب الوفاة مثلما يحاول الطبيب أن يقنعهم.
وباتصال هاتفي مع مدير مركز الإرشاد لتوعية المرأة بمركز أجا، المحامي رضا الزنبوقي، قال لـ"العربي الجديد" إنه أقام دعوى قضائية على والد الفتاة لأنه باع ابنته مقابل 65 ألف جنية حصل عليها من الطبيب الذي تسبب في وفاة ابنته، حيث أقنعه الطبيب بأن المحاكم لن تفيده في شيء وعليه أن يأخذ المبلغ نظير أن يغيّر أقواله، وبالفعل وافق والد الضحية من أجل زواج ابنته الأخرى.
وتوعد المحامي ألا يترك والد الطفلة أبداً، مؤكداً أن والدها قال أمام النيابة إن سهير ماتت بسبب الختان، ولكن بعدما تقاضى المبلغ غيّر أقواله بلا مبالاة، وقال إن الفتاة كنت تعاني من مرض جلدي في منطقة الحوض ولذا أصيبت بفيروس أثناء عمل الختان تسبب في وفاتها.
وأكمل أن الطبيب الذي أجرى العملية، واسمه رسلان فضل، يطلق عليه أهل القرية "بتاع كله" فلا أحد من سكان القرية يذهب إليه بالشكوى من أي مرض إلا ويعالجه، حتى لو كان غير متخصص.
وبسؤالنا للمحامي عن سبب حالة التكتم الشديدة التي رفض بسببها الأهل الحديث معنا قال: "في بداية القضية كانوا يستقبلون الصحافيين، لكن بعد ذلك، وبعدما أنهوا القصة بالحصول على الأموال، يخشون من أي تصريحات حتى إنهم أيضاً يمنعون التصوير تماماً على النقيض مما كان يحدث في البداية".
وأشار الزنبوقي إلى أن القرية بأجمعها رفضت حضور المحامين الجلسات، ولكن تم تفويضه من المجلس القومي للأمومة والطفولة بالتدخل في هذه القضية إلى أن يأتي حق الطفلة، وبعد ذلك طلبت النيابة تقرير الطب الشرعي لحالة الفتاة سهير، والذي تواطأ مع الطبيب وخيب آماله، دون أن يفحص الجثة، وبعد ذلك قدمت بلاغاً للنائب العام يتهم الطب الشرعي بالتواطؤ مع الطبيب استناداً إلى ما قاله دكتور مستشفى مركز أجا والذي أكد أن الفتاة ماتت نتيجة الختان، وإلى بلاغ آخر بخصوص ممارسة الطبيب مهنته في الدور الأرضي من منزله بعد موت الفتاة.
وأصدر النائب العام قراراً بإحالة الطبيب والأب إلى محكمة الجنح لأن الأب يُعدّ شريكاً مع الطبيب في موت ابنته.
وسعى المحامي إلى عقد ندوة داخل البلد حتى يغير ثقافة أهل القرى لعملية الختان، لكن الأهالي مازالوا مقتنعين بالخطأ، خصوصاً بعد تواطؤ وزارة الأوقاف، حيث أرسلت، وفق قوله، شيخاً يدعي محمود عفيفي أيّد الختان بقوله إنه أخذ طفلته إلى الطبيب ليختنها فقال الطبيب: ابنتك لا تحتاج إلى ختان.
وحول الرأي الديني في موروث الختان، يقول الدكتور أشرف النجار من علماء الأزهر الشريف، إن هناك من يعتقدون أن الختان عادة إسلامية وهذا خاطئ، فالموروث قبل مجيء الإسلام، وكل الأديان والأنبياء، لكن هذا عن ختان الإناث، أما ختان الذكور فسنّة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
من ناحيتها، قالت أستاذة الصحة الجنسية والاستشارات الزوجية، الدكتورة هبة قطب، إن ختان الإناث ليس له أساس علمي، ونتمنى أن يأتي الوقت الذي ننسى فيه هذا الموضوع تماما ونحذفه من قاموسنا الاجتماعي، باعتباره مجزرة تذبح فيها الفتاة البريئة التي لا ذنب لها سوى جهل الأهل.
وأكدت أستاذة الطب النفسي، الدكتورة هبة العيسوي، أن قضية الختان موروث اجتماعي في بلاد عديدة ونسبة عالية منه موجودة في مصر. وأشارت إلى أن منظمة الصحة العالمية أطلقت على عملية الختان: تشويه الأعضاء التناسلية، وهو تعبير يلخّص كل القصة.