ضحايا "رابعة" متهمون... ولا أحد يلاحق الجناة

14 اغسطس 2015
تتعامل المحاكم المصرية مع 8 قضايا متعلقّة بالفضّ (الأناضول)
+ الخط -

في الذكرى الثانية لأكبر مذبحة في تاريخ مصر الحديث، مذبحة "فضّ اعتصام رابعة العدوية بمدينة نصر"، والتي وقعت في 14 أغسطس/آب 2013، وراح ضحيتها وفقاً لتقارير المراقبين نحو ثلاثة آلاف شخص، وأكثر من عشرة آلاف جريح، تصرّ السلطات المصرية على تحويل الضحايا إلى متهمين أمام المحاكم. وأحدث تلك الأحكام كانت المتعلقة بمذبحة رابعة العدوية بشكل مباشر، يوم الثلاثاء الماضي، إذ أمرت النيابة العامة المصرية بإحالة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، وعدد من قيادات وأعضاء الجماعة، إلى محكمة جنايات القاهرة، في قضية اتهامهم بتنظيم اعتصام رابعة العدوية.

وفي هذا الصدد تبرز ثماني قضايا تتعلق بالاعتصام، وعملية الفض، وقد صدرت أحكام في بعضها. في القضية الأولى، ادّعت النيابة العامة أن "المتهمين ارتكبوا الجرائم المُسنَدة إليهم خلال الفترة بين 21 يونيو/حزيران 2013 وحتى 14 أغسطس من العام عينه، وهي جرائم تدبير تجمهر مسلح والاشتراك فيه بميدان رابعة العدوية وقطع الطرق، وتقييد حرية الناس في التنقل، والقتل العمد مع سبق الإصرار للمواطنين وقوات الشرطة المكلفة بفض تجمهرهم، والشروع في القتل العمد، وتعمد تعطيل سير وسائل النقل". وهي القضية التي لم يحدد لها موعد لنظرها حتى الآن.

في القضية الثانية المتصلة بـ"خطف ضابط وشرطي واحتجازهما داخل المستشفى الميداني بميدان رابعة العدوية، والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، التي أُسست على خلاف أحكام القانون المصري"، فقد صدر الحكم فيها يوم 9 سبتمبر/أيلول الماضي، وقضى بسجن عضو مجلس الشعب السابق، محمد البلتاجي، وصفوت حجازي، 20 عاماً لكل منهما. كما قضى الحكم بسجن المدير العام للشؤون الطبية بشركة "تاون غاز"، محمد زناتي، ومدير عيادات شركة "تاون غاز"، عبد العظيم عطية، 15 عاماً لكل منهما.

اقرأ أيضاً: "مونيتور" تطالب بتدخّل دولي لوقف الأحكام العسكرية الجائرة

الغريب في القضية، أن وزارة الداخلية استعانت بقيادات الإخوان للإفراج عن الضابط والشرطي، إذ أقرّ الشاهد بالقضية وائل مصطفى محمد شعيب (50 عاماً)، رئيس حي شرق مدينة نصر، أنه "تلقى اتصالاً هاتفياً من الشاهد مصطفى شحاتة، مأمور قسم شرطة مدينة نصر أول، طلب منه، بصفته عضواً بحزب الحرية والعدالة، التدخل لإطلاق سراحهما".

وأضاف شعيب أنه "إثر ذلك الاتصال توجه إلى مكان احتجازهما بالمستشفى الميداني برابعة العدوية، وشاهد الضابط والشرطي مكبّلي الأيدي، وتمكن من إطلاق سراحهما وتسليمهما إلى رئيس مباحث قسم شرطة السلام هاني أبو علم". وهو الأمر الذي أكدته القيادات الشرطة بالتحقيقات، وأقر به الشاهد شادي وسام ناجي (35 عاماً) رائد شرطة بقسم مصر الجديدة.

ورغم قيام الإخوان بإطلاق سراح الضابط والشرطي، إلا أن النيابة العامة وجّهت اتهاماً آخر، يفيد بأن "المتهمين قاموا في 23 يوليو/تموز 2013، بخطف الملازم أول محمد محمود فاروق (22 عاماً) ومندوب الشرطة هاني عيد سعيد (37 عاماً) بدائرة قسم شرطة مصر الجديدة، خلال تواجدهما بإحدى المسيرات التي كانت تخرج من ميدان رابعة العدوية، واحتجزوهما وآخرين مجهولين داخل المستشفى الميداني بميدان رابعة العدوية".

أما القضية الثالثة، المعروفة بـ"غرفة عمليات رابعة"، فقد صدر الحكم فيها يوم 11 أبريل/ نيسان الماضي، وقضى بالإعدام لـ14 عضواً من الاخوان، بينهم المرشد العام للجماعة محمد بديع وعضو مكتب الإرشاد محمود غزلان والقيادي صلاح سلطان، والمؤبد لـ36 آخرين. ومن المتوقع انعقاد أولى جلسات الطعون لدى محكمة النقض المصرية في مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وتضمّ قائمة المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام كلا من محمد بديع، ومحمود غزلان، وحسام أبو بكر الصديق، ومصطفى طاهر الغنيمي، وسعد الحسيني، ووليد عبد الرؤوف شلبي، وصلاح سلطان، وعمر حسن مالك، وسعد عمارة، ومحمد السروجي، وفتحي شهاب الدين، وصلاح نعمان، ومحمود البربري، وعبد الرحيم محمد عبد الرحيم.

وكانت النيابة قد وجّهت إلى المتهمين اتهامات عدة تتعلق بإعداد غرفة عمليات لتوجيه تحركات الإخوان، بهدف مواجهة الدولة وإشاعة الفوضى في البلاد عقب فضّ اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. كما اتهمتهم أيضاً بالتخطيط لاقتحام وحرق أقسام الشرطة والممتلكات الخاصة والكنائس.

القضية الرابعة، ما زالت قيد التحقيق، وصدر فيها قرار من محكمة جنوب القاهرة، قضى بتجديد سجن 16 متهماً من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، على خلفية اتهامهم بالتورّط في أحداث العنف التي وقعت أثناء اعتصامهم بميدان رابعة العدوية والمعروفة بـ"أحداث المنصة".

ورغم سقوط أكثر من 150 ضحية بين قتيل وجريح، بالرصاص الحي لقوات الأمن، فقد أسندت النيابة العامة للمتهمين، "ارتكاب جرائم القتل والشروع في القتل بغرض الإرهاب وحيازة أسلحة نارية وذخائر بدون ترخيص".

القضية الخامسة ما زالت قيد التحقيقات أيضاً، وصدر فيها قرار من محكمة جنايات القاهرة، بتجديد سجن 275 من رافضي الانقلاب احتياطياً على ذمة التحقيق، على خلفية اتهامهم في أحداث مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية. وأسندت النيابة للمتهمين ارتكابهم جرائم "الانضمام إلى جماعة الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والقانون، ومنع مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة من ممارسة أعمالها".

فيما أكدت هيئة الدفاع عن المتهمين بالقضية، أن "المعتقلين تم القبض عليهم بشكل عشوائي، من دون حيازة أسلحة أو أي ممنوعات، وتم إلصاق التهم لهم تلفيقاً من خلال جهاز الأمن الوطني، رغم كون المعتقلين مجنيا عليهم وضحايا، حتى أن منهم من فقد أحد أفراد أسرته بمذبحة فض الميدان".

علماً أن هيئة الدفاع قدّمت أكثر من شكوى إلى النائب العام والجهات المختصة، لعدم تمكينهم من حضور جلسات التحقيق مع المتهمين، عكس ما ينصّ عليه القانون المصري، الذي يوجب حضور دفاع المتهمين خلال تحقيقات النيابة، إلا أن أبسط القواعد القانونية لم تطبق خلال التحقيقات.

أما القضية السادسة فمتعلقة بـ"إعادة محاكمة الضباط المتهمين بقتل 37 من رافضي الانقلاب والمؤيدين لمرسي، وإصابة ثمانية آخرين داخل سيارة الترحيلات بسجن أبو زعبل، عقب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، وفض اعتصامي رابعة، والنهضة".

وسبق لمحكمة جنح الخانكة، أن أصدرت حكمها في القضية، بمعاقبة نائب مأمور قسم مصر الجديدة المقدم عمرو فاروق بالسجن 10 سنوات مع الشغل والنفاذ، قبل أن تخفف محكمة جنح مستأنف الخانكة الحكم أمس الخميس إلى خمس سنوات. كما قضت بمعاقبة كل من النقيب إبراهيم محمد المرسي والملازم إسلام عبد الفتاح حلمي، والملازم محمد يحيى عبد العزيز، بالسجن ثلاث سنوات لكل منهم مع إيقاف التنفيذ لمدة ثلاث سنوات، قبل إلغاء الأحكام.

وبالنسبة للقضية السابعة، فتتعلق باصدار مجلس تأديب وصلاحية القضاة قراراً بـ"إحالة 41 مستشاراً للتقاعد بعد توقيعهم على بيان يؤيد مرسي، وإذاعته من مقر المركز الإعلامي لاعتصام رابعة العدوية"، على أن يتم النظر بالطعون في17 أغسطس الحالي.

وبالنسبة للقضية الثامنة فيتم التعتيم عليها بشكل كامل، بعد إحالتها للقضاء العسكري في 2 سبتمبر/أيلول الماضي، وهي القضية المتعلقة بأحداث "الحرس الجمهوري"، والتي سقط فيها عشرات القتلى ومن بينهم الزميل الصحافي أحمد عاصم، والمشهورة بقيام قوات الحرس الجمهوري بإطلاق النار على المصلين أثناء صلاة الفجر، في 8 يوليو/تموز 2013 في محيط دار الحرس الجمهوري. قُتل في حينه 61 شخصاً من أنصار مرسي، وفقاً لتقارير مصلحة الطب الشرعي، وأصيب أكثر من 435 آخرين.

اللافت أنه في أغلب القضايا تحوّل الضحايا إلى جناة ومتهمين، في ظلّ القضاء الذي وصفته جهات دولية عدة بأنه "مسيس"، إذ تحول عقب الانقلاب إلى إحدى أذرع البطش والتنكيل في يد النظام، ليجد الضحية أو ذووه من الذين فقدوا أحد ذويهم متهماً ومحاكماً في قضية، بل وتصدر ضده أحكام تصل إلى الإعدام، بدلاً من أن يكون مجنيا عليه ويتم فتح التحقيق في أمره ومحاكمة المتسبب في ذلك.

اقرأ أيضاً: "العالقون".. الناجون من رابعة

المساهمون