تواجه العملية التعليمية في شمال غربي سورية صعوبات وتحديات كثيرة، أبرزها في الوقت الحالي، انتشار فيروس كورونا والتبعات الناجمة عنه، فضلاً عن التحديات التقليدية، كالنقص الكبير في المدارس والبنى التحتية، وعدم توفّر الكهرباء والإنترنت الضروريين في عملية التعليم عن بعد في حال اعتماده كحلّ لمواجهة فيروس كورونا.
وعلى مدار السنوات، عانت العملية التعليمية من أزمات عدّة، منها استهداف النظام السوري وروسيا للمدارس، وتوقف التمويل من الجهات المسؤولة، فضلاً عن الضغوطات المعيشية، التي يعاني منها المدرّسون كما أهالي التلاميذ، التي عادت بتبعات سلبية على سير العملية التعليمية.
يتحدّث ياسين جمة، الإداري والإعلامي في المجمّع التربوي لمدينة الأتارب بريف حلب الغربي، لـ"العربي الجديد"، عن جزء من التحديات والمصاعب التي تعيق سير العملية التعليمية في المنطقة، ويقول: "تم عقد اجتماع ضمّ رؤساء الدوائر والمجمّعات التربوية في المنطقة، لبحث خطة العمل للعام الدراسي، واجتماع آخر حول الخريطة المدرسية، تلاه أيضاً اجتماع ثالث لمفكرة العام الدراسي، كما حول فيروس كورونا. لم يتّضح أي شيء حتى بداية العام الدراسي، أي حتى بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول. وحالياً هناك نوادٍ صيفية توشك على الانتهاء، تعمل بمبدأ التعليم عن بعد، حسب القرارات الصادرة من مديرية التربية بهذا الخصوص، وخلال شهر أغسطس/ آب، هناك ضغط اجتماعات لوضع مفكّرة العام الدراسي الجديد ووضع خطة عمل له".
ووفق إحصاءات صادرة عن وحدة تنسيق الدعم، هناك نحو مليون ونصف المليون طفل في منطقة شمال غرب سورية، محرومون من حقهم في التعليم، 51 بالمائة منهم خارج صفوف المدرسة ويعملون لإعانة أسرهم، بينهم 9 في المائة يعملون في أعمال تتطلّب جهداً وتشكّل خطراً على حياتهم، بينما 63 في المائة منهم يمتهنون أعمالاً تتطلّب جهداً لكنها لا تشكّل تهديداً لحياتهم.
ووفق الإحصاءات، هناك 37 في المائة من المدرّسين في المنطقة عبّر لهم الأطفال عن عدم الشعور بالأمان لوجودهم ضمن المدارس، و43 في المائة من التلاميذ تغيّبوا عن المدارس بسبب المرض، و56 في المائة من التلاميذ ليست لديهم كتب مدرسية.
أمّا على صعيد البنى التحتية، فهناك أزمة حقيقية أيضاً تواجه عملية التعليم. فبحسب الإحصاءات، دمّر قصف الطيران الحربي 242 مدرسة، بينما دمّرت المدفعية الثقيلة التابعة للنظام السوري 61 مدرسة، إضافة إلى أنّ التلاميذ يواجهون غياب معايير الأمان في 44 في المائة من المدارس، بينما 12 في المائة من المدارس تحتاج لدورات مياه، و11 في المائة منها لا توجد فيها مياه للشرب، و34 في المائة منها لا تكفي كميات المياه المتوفرة فيها التلاميذ.
حوالي مليون ونصف المليون طفل في شمال غرب سورية محرومون من التعلّم
وعلى صعيد المدرّسين، هناك أكثر من 5500 مدرّس يعملون من دون أجر، بينما 77 في المائة من المخيّمات المنتشرة في المنطقة لا توجد فيها مدارس، أما في المخيّمات التي توجد فيها مدارس، 51 في المائة من مدارسها عبارة عن خيم، و29 في المائة منها مسقوفة بألواح صفيح، بينما 15 في لمائة من تلك المدارس يُعلّق الدوام فيها بسبب الأحوال الجوية.
وتُظهر هذه الإحصاءات حجم الصعوبات والتحديات التي تواجه العملية التعليمية، خاصة في حال اعتماد الدوام التقليدي للتلاميذ. لكن تفشي فيروس كورونا فرض صعوبات جديدة أمام التلاميذ، إذ إنّ الإنترنت والكهرباء غير متوفّرين لدى الكثيرين. كما أنهم لا يمتلكون معدّات لمتابعة عملية التعليم عن بعد، وهذا يتسبّب بأزمة في العائلة الواحدة التي يوجد فيها أكثر من طالبين في حال غياب الأجهزة المطلوبة لمواصلة عملية التعليم.
متابعة التعليم عن طريق الإنترنت يحقق نسبة لا تتجاوز 20% من الغاية المطلوبة
يلفت المدرّس مصطفى رجب في حديثه بشأن متابعة العملية التعليمية عن طريق الإنترنت إلى أن ذلك يحقق نسبة لا تتجاوز 20 في المائة من الغاية المطلوبة "أمّا النادي الصيفي الذي تمّ تنظيمه خلال الفترة الماضية، فجاء كفكرة تعليم تعويضي، برعاية منظمات وبالشراكة مع مديرية التربية في محافظة إدلب". وبالنسبة إلى الحلول، يقول رجب لـ"العربي الجديد"، إنّه يجب توفير رواتب للمدرّسين، كون المعلّمين يعانون من أزمة بهذا الخصوص، فضلاً عن إيجاد نظام تعليمي لإيصال المعلومة للتلاميذ أفضل من تلك المتّبعة في التعليم عن طريق استخدام "واتساب"، كون الكثير من التلاميذ لا يملكون أجهزة هاتف أو كمبيوترات أو إنترنت وكهرباء حتى، خاصة التلاميذ في المخيمات، وكل هذه الأمور تهدّد مستقبل التلاميذ في المنطقة، فضلاً عن التحديات المعيشية التي يتعرّض لها المدرّسون هنا، والتي دفعت بالكثيرين منهم لترك التعليم والتوجّه لمهن أخرى لكسب العيش.
ويقول أحمد أبو خطاب، وهو أب لأربعة أطفال، جميعهم بسنّ التعليم، إنّ الوضع يزداد سوءاً في الوقت الحالي بالنسبة لسير العملية التعليمية في إدلب، ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد": "تعليم أولادي أمر مهم جداً بالنسبة إليّ، لكن دخلي لا يسمح لي بتعليمهم في المدارس الخاصة، فضلاً عن الدورات التعليمية المكلفة، وهو أمر أيضاً من الصعب احتماله". يتابع أبو خطاب: "نخاف من موضوع تفشي فيروس كورونا في حال أعيد افتتاح المدارس بشكل تقليدي، والتعليم عن بعد صعب أيضاً، وهو مرهق لنا وللأطفال على حد سواء".
وبسبب الظروف الحالية، هناك نحو 500 ألف طالب وطالبة تأثّروا بسبب الظروف الصعبة وتفشي فيروس كورونا. 90 ألف طالب وطالبة يتبعون لتربية حلب، و400 ألف في إدلب، 7000 في اللاذقية، موزّعون على 1255 مدرسة، 285 مدرسة في حلب و936 في إدلب، و34 في اللاذقية، بحسب إحصائية لفريق "منسقو استجابة سورية".