شباب الربيع المغربي... لا بد أن نفكر في حلّ
فنحن عند تركيب شظايا المرآة المكسورة، شعوب صبرت وصابرت قبل الميل باتجاه تحييد مستبدين أسطوريين عن عروشهم، شعوب دفعت الجهل والفقر وأفكار الماضي وأطياف التاريخ والحضارة. لكن الأهم، أننا شعوب قد أتعبها كل هذا الحمل، وأعيتها كل الإيديولوجيات، لقد أعيانا غضب المقاومة، وأعيانا الحنق على السياسيين، وأعيانا انتظار الوطن كي يصير وطناً.
هذا رابط القصة التي تجمعنا بأبناء المنطقة، وجيل ما بعد الاستعمار، لكن فاصل القصة الخاص بنا في المغرب، عايشنا تفاصيله منذ تجربة "التناوب" مع اليوسفي، وجاء الربيع لينتقم من السياسيين حين يبيعون آمال كل الحالمين من اليسار واليمين، لكنه جاءنا بالإسلاميين هذه المرة، وهم يتعلمون كيف يقلمون أظافر الأسطورة.
هؤلاء في بلدنا أبانوا عن رغبة في الإصلاح، وإن لم يعرف أغلبهم كيف، لكنهم التزموا حدّاً اختصروه في التعفف عن التقوّت من أرزاق شعب فقير، ذلك وحده كان كافياً لأن نمنح أنفسنا وإياهم لحظة للتجريب، فمجموعنا كان يحاول ترويض شعب فقد قدرته على الانتظار، ومرشح ليفقد قدرته على الاختيار.
جاءت الانتخابات الثانية حاملة روحاً لم يألفها المغاربة في التحدي، وتذوق طعم الاختيار. فأعادت تنصيب الإسلاميين مجدداً، انتخابات عرت كل الزيف السياسي عندنا، حيث لم نجد أحزابنا الوطنية على قائمة الانتظار، ولم نجد سياسيينا قادرين على منافسة حكومة الملتحين في حنقهم على السلطة التي حرموا منها. فرغم توافقيتهم الكبيرة، لا يزالون عند نخبنا السياسية المهترئة والبائسة محط شبهة لا تحيد، وكائناً لا ينبغي عده جسماً طبيعياً. فهم في نظرهم تشوه سياسي جمع الدين بما لا يجتمع.
لكن إسلاميي المغرب كغيرهم من بني البشر، وكغيرهم من تجمعات المصالح والاختيارات والإيديولوجيات يتعلمون، يتعلمون بسرعة ملحوظة، ويحسنون كإخوانهم في تونس براغماتية الفعل السياسي من أجل الاستمرار، كل هذا الذي قلناه مقبول، وينبغي الاقتناع به، إننا نمتلك إسلاميين عقلاء، يحتاجون أن تستند فراغات رؤاهم بفاعلي التوجهات الأخرى. نعم لن يحكموا وحدهم، وهم يعرفون ذلك جيداً، ولن يحوّلونا إلى قلعة طالبانية جديدة، وهم يعرفون ذلك جيداً، إذن، فالتساؤل: ما الذي ينقصنا جميعاً؟ فنحن على أرض سياسية جرداء تهشمت كل بطولاتها وأرصدتها الوطنية.
اليوم، بعد إعفاء الرجل الذي دافع عن مؤسسة رئاسة الحكومة، وبعد انفضاض بكارة الإسلاميين المثالية، وأوهامهم حول مجتمع الصحابة، صرنا جميعاً على كف عفريت، نرقب ليس فعل وقول الرجل الذي سمي على رأس حكومة الإهانة، بل كيف نتجاوز ذلك القوس المفرغ، الذي يعاني اليوسفي في صمت فشله في تجاوزه، وهو اليوم يتكرر مع حزب الإسلاميين.
بعيداً عن كل التصنيفات، مُؤسِف أن نسمح بأن نهان ويستحيل فعل الإهانة فينا عنواناً، أن نقبل ما حلّ بحزب الاتحاد الاشتراكي في صمت، ونقبل ما سيحل بالعدالة والتنمية في صمت مُجدداً. الفكرة بسيطة، لا بد أن نبحث عن مخارج، لا ينبغي تكرار الأمر، هذه نقطة ينبغي اتضاحها أمامنا جميعاً، دون لبس. لكن ما يليها، فذلك ما ينبغي التنظير له، وحينما أقول التنظير فهو مقصود لذاته، جيل الشباب اليوم، لا بد أن يكمل ما ابتدأه، يمكن لعشرين فبراير أن تعمل فكرها الآن، أن تتحول لأفكار حية تتسلل لشبيبة العدالة والتنمية، وتتسلل لشبيبة كل الأحزاب الوطنية، والفاعلين المدنيين. ألا نسمح للإسلاميين، أو غيرهم بأن يفقدوا جيلنا الأمل، ألا نسمح لوصولية الأغبياء في أي حزب كان أو أي جهة كانت بأن تحول العبث وحيازة أرزاق العباد إلى مصلحة وطنية. ينبغي لنا التفكير في حل، أن نفكر كما يقول سلافوي جيجيك، بأنه لا بد أن نفكر. أو نقول كما طرح الرفيق المحنط لينين: ما العمل؟ والعمل هو ما ينبغي لنا إنجازه والتفكير فيه.