دين الأمل
هذا المدخل النظري دفعني للتفكر في خلاصتها، لما ولدتها متابعة نشرة الأخبار، بعد عبارة قالتها المذيعة: "ولم يتبين بعد علاقة الحدث الإرهابي بالإسلام". فهمّت خواطري للنظر بتفاؤل كبير تجاه الاستفسار عن مدى الثقل النفسي الذي يمتحِن وعي المسلمين اليوم.
لم يحضرني حينها إلا الأمل؛ إذ استخلصت ببساطة أن مجموعة من البشرية تُمتحن اليوم في كل ما تملكه من تراثها وتاريخها ومعتقدها، وتمتحن في رصيد مشاعرها وثقافتها وكل خصوصيات وجودها. فأن يُوجه الجميع لك أنظار التعجب، ويرمقك الكون بالاستنكار بحجة وبغيرها، لهو اختبار نفسي شديد الحرج والمخاطرة.
محظوظة هي هذه الأمة أن يعتصرها الجميع لتتألم، ويعتصرها الجميع لتفكر وتعيد التفكير مجدداً في رصيد مشاعرها ووعيها وقناعاتها ورؤاها تجاه وجودها المزحوم بكل أشكال الرفض.
ليس الأمر من قبيل الاستسلام لتلك النظرية القائلة بأنّ الأزمة ستتولد عنها بداية تشكل باردايم (نسق) جديد، ليس الأمر بتلك البساطة والسطحية. فالمسلمون حين نمنح تاريخهم بعده الممتدّ في النظر، لنتأمّل مسار هؤلاء الجمع الذين ننتمي لهم، فإنّهم يعيشون تجربة معيّرة لمدخرات رؤيتهم للعالم، هل تتساكن ومستقبلهم، أم سيتساكنون هم لرؤى جديدة من داخلها مجدداً، ويغامرون في الكشف عنها إن أرادوا العبور نحو "أملهم".
أما الدين، وربطه بالأمل، فذلك حافز أراه سيمنح الدين الإسلامي وجوداً أقوى، فهو يختبر وجوديات جديدة، تحاول هذه المرة أن تسائل كلّ أسسه، وبناء على صيرورته التي أثبتت قدرتها على المراوغة والتكشف في لبوساتٍ فكريّة وثقافيّة واجتماعيّة جديدة.
سيصدم الكثير من رؤانا ورؤى العالم، مُخبراً بأنّ صيرورة العلمنة قد تتحول نحو مفهوم يسير باتجاه تفاعليّة دينيّة علمانيّة، أو إن رغبنا في تسميتها حسب العبارة الإسلامية، فنقول نحو توتر يمزج التوحيد بالاجتهاد حسب إحدى خلاصات الفيلسوف المغربي النابه الراحل، محمد عزيز الحبابي.
وقد عبر الرجل في "شخصانيته" بعبارات لخصت مجمل القول عندي: "لم، ولن، يفقد المسلم الأمل، بالرغم من مشكل الشر، وخذلان البشر، وبالرغم من التقهقر المعاصر للثقافة الإسلامية والأزمات والهزائم التي عاناها الإسلام، عبر التاريخ؛ فهو ما يزال يحتفظ برؤية متفائلة عن الكون: رؤية تمثّل منبعاً لرجائه وحماسه".
في التاريخ، أيُّها المسلم كنت جاراً للعالمين، وكنت من قدَّم ردود فعل أسهمت في ارتصاف جزءٍ من بنية الحضارة الإنسانيّة، واكتمال فسيفساء إبداعها، استلمهتَ مما حفّك كل وجودك، وأبدعت، توقُّفك اليوم ليس موتاً، وإنما لتعيد حياكة جلبابك.
فالمراكز الحضارية في تاريخك تنقّلت عبر جغرافيّات كثيرة؛ في العراق، والشام، والأندلس، والمغرب الأقصى، والهند، وآسيا وأوروبا.. الخ. وهمٌ هو هذا الذي قد يعيّرونك بك، وهمٌ أن الانحطاط قرين ديانتك، وهمٌ يستحيل أن يكون قرين أي ديانة كيفما كانت.