سبع كلمات وسبعة أحرف في بداية حكم السيسي

25 مايو 2014

ماليزيون يتظاهرون ضد أحكام إعدام في مصر(مارس 2014 Getty)

+ الخط -
فكّرت جدياً، في الساعات الأخيرة، أن أجري اتصالاً برئيس اللجنة المُنظمة لمنتدى الجزيرة الثامن، الدكتور صلاح الزين، أعتذر فيه عن المشاركة في أعمال المنتدى وجلساته. وتفكيري في الاعتذار عن مؤتمر هذا العام، والذي يبدأ بعد ساعات، كان لأسباب مغايرة لما قد يحملُ غيري، للتفكير نفسه. فالتكفير السياسي والإرهاب النفسي اللذين بات يواجَه بهما كل مَن يجري ولو مداخلة، مع "الجزيرة"، لم يكن من بين أسباب تفكيري في الاعتذار. فالسبب الرئيسي، ربما، كان الدعوة ذاتها.
وما أقصده، هنا، ليس تفاصيل الدعوة، أو موعدها، وبالقطع ليس المدعوين، وجميعهم رموز دولية وإقليمية وعربية مرموقة، رؤساء سابقون، ورؤساء برلمانات وزعماء، وساسة، وخبراء، وكتّاب، ومفكرون.
ربما ما أقصده عنوان الدعوة، وهو سؤال مهم، لكن إجابته لدي مختصرة جداً، إلى حد أنها لا تتجاوز سبعة أحرف فقط لا غير، ما كاد يغريني أن أوفر عناء السفر من بيروت إلى الدوحة، وأكتفي بإرسال ردي على السؤال، في رسالة قصيرة للجنة المنتدى، وحضوره. فعنوان المنتدى سؤال في سبع كلمات، وإجابته في سبعة حروف.
السؤال: أين تتجه حركة التغيير في العالم العربي (سبع كلمات)، والإجابة الوافية، الشافية "اليوم"، واليوم تحديداً، هي (سبعة حروف) للخلفِ دُر.
مدة كلمتي، المحدد لها صباح يوم الأربعاء 28 مايو/ أيار 2014، هي خمسة عشر دقيقة، فماذا يمكن أن أشغل به الحضور مدة 14 دقيقة و55 ثانية، بعد أن أُفرغَ كل ما لديّ من إجابات، في أقل من خمس ثوان؟
لا أعرف إن كانت هي المصادفة، أم سوء الحظ، أن تكون كلمتي بعد ساعات قليلة من إغلاق، بالشمع الأحمر، صناديق اقتراع الانتخابات الرئاسية المصرية "الثالثة" في تاريخ مصر الحافل بالعجائب، والمعجزات، والتناقضات. كيف لي أن أعبّر عن مشاعري، كمواطن مصري، حلم بالتغيير 49 عاماً، هي كل عمره، والذي أضاع منه سنوات طويلة، مرات عديدة، في السجون والمعتقلات، من أجل الدفاع عن حلم يتبدّد، وحقوق، ودماء تزهق، وبغير سرادق عزاء، بل ووسط رقص، وطبل، وزمر، يمارسه أهل الفقيد، على وهم "بشارة خير" بجنة.. قال رضوانها عنها إنها: "نار، وجحيم"، ولم يفق بعضهم.

إنهم مُهمّشون، ومُبعدون، لكنهم على الرغم من صدمة الواقع ما زالوا مُغيّبين.
للخلفِ دُر، ليست بلاغة في الاختصار، ولا تحوّطاً لعدم الخوض في التفاصيل، بل هو تعبير عن الحقيقة كاملة غير منقوصة. فلم نعد نسمع، في معظم بلدان العالم، عن رئيس دولة يفوز بأكثر من 60 أو 70% من أصوات الناخبين، بل ونرى جميعاً النتيجة قبل عام، تقريباً، من فتح الصناديق وإغلاقها.
في العالم كله، انتهى زمن الرجل الواحد، والاتجاه الواحد، والرأي الواحد، وأصبحت فكرة الإجماع، والرجل الضرورة، منقرضة كالعنقاء والخل الوفي، بل لم تتحقق يوماً في الأزمان الغابرة، كي نستعيدها في عام 2014، وبعد نضال ودماء بُذلت لنتخلص من هذا الشبح. فمنذ آلاف السنين، لم يجتمع الناس على دين واحد، ولم يظهر رجل واحد يؤمن به كل البشر، ولا 70% أو 80% منهم.
أشعر، مسبقاً، بالقرف والاشمئزاز من تلك الحملة التي ستنطلق بعد ساعات، من بعض خدم السلطة، أي سلطة، وكل سلطة، مرددين وقائلين: أليست هي "الديموقراطية" التي تؤمنون بها؟ أليست هي شرعية الصندوق؟ وإرادة الشعب التي تتمسكون بها؟
طبعاً يا سادة هي ليست كذلك، ولا علاقة لها بذلك من قريب ولا من بعيد، فهي أبشع أشكال الدكتاتورية، حتى لو استخدمت الديموقراطية حذاءً في قدمها الغليظ، لتدوس به على حق الناس في الاختيار الحر. فمصر التي سعت إلى التغيير الديموقراطي، وقامت ثورتها من أجل الحرية، عرفت دائماً "الاحتكار" بوصفه أبلغ صور "الطغيان"، مهما تَسمّى بمسمّيات كاذبة، وزائفة، لم تخفِ يوماً حقيقته. فالفرق بين "صناديق" الاقتراع و"توابيت" الأصوات أن الأولى صُنعت لتَشفَّ عن إرادة الناس في اختيار مَن يمثّلها، ومَن يحكمها، والثانية وئدت فيها تلك الإرادة الحرة في الاختيار، ودُفنت فيها كل قواعد المنافسة الحقيقية، وبات الأمر لا يتجاوز منافسة محصورة بين الرئيس الواقعي، بقوة السلاح، والرئيس القانوني بقوة الأمر الواقع.
المشكلة الحقيقية ليست في الإجراءات، ومواعيد فتح باب الترشيح والتصويت، بل في إغلاق كل الأبواب، قبل فتح كل الأبواب، والمصادرة على المطلوب بقوة الأمر الواقع، وسطوة الترهيب، وترغيب الأحلام "المغشوشة".
مشكلة الحكم، الذي اعتلى السلطة في 3 يوليو/ تموز الماضي، أنه جاء محمولاً على موجات طاهرة، ورغبات مخلصة للتغيير الذي يكفر به، ولا يعرف عنه غير قطف ثماره، وحصادها، واختطافها، وتحويل مسارها، للعودة إلى المربع صفر.
هذا النمط من الحكام يتصورون أنهم هم الوطنيون، وغيرهم من دُعاة التغيير، خونة، وجَهَلة، ومارقون، يتصورون أنهم المصلحون والمنقذون، ولا مصلح سواهم، ولا مفسد إلا مَن يخالفهم ويدعو إلى تغيير ما لا ينبغي أن يتغيّر من وجهة نظرهم، فهم مبعوثون من العناية الإلهية لهذه المهام التي لا يصلح لها غيرهم.
في الانتخابات الرئاسية الأولى، في تاريخ مصر 2005، وقف حسني مبارك مصدوماً، عندما عرف أن هناك مَن يرغب أن ينافسه، ويطرح نفسه بديلاً له ولنجله! قالها لي أحد رجاله، يوم طلبتُ مناظرته، قال لي: الرجل لا يُناظر. قلت: ولماذا الانتخابات إذن؟ قال لي: إنه لا نظير له، والانتخابات والصناديق والدعايات لا قيمه لها غير إسكات إلحاح الغرب على شكل مطلوب. يومها اخترت، بعد 24 عاماً من حكم مبارك، شعار حملتي في منافسته، وكان هو: التغيير الآن.
شكراً لله.. أن يبدأ رجل عسكري "جديد" مسار حكمه، من حيث انتهى سلفه، ليوفر علينا سنوات طويلة. فالسيسي يرى نفسه، كما كان يظن مبارك في نهاية حكمه، الرجل الذي لا تجوز منافسته، ولا مناظرته، ولا محاسبته، ولا مطالبته بتقديم برنامج، أو تنازلات، أو تضحيات. فتضحيته الأولى والأخيرة قبوله أن "يتنازل" ويحكمنا بشروطه، وليس بشروطنا، بقواعده وليس بقواعد الحكم الرشيد لدولة مدنية حديثة.
تراجعتُ عن فكرة تراجعي عن حضور منتدى الجزيرة، عندما أدركت، ببعض التأمل، أن "للخلفِ دُر" ليست الإجابة على سؤال عنوان المنتدى، بل هي توصيف للحالة التي يجب أن تنطلق منها الإجابة، والتي أظنها أيضاً في "سبعة حروف"، وهي "التغيير الآن".

 

EFFC6895-FEE8-41EC-8CBC-8D63557C25A8
أيمن نور

سياسي مصري، نائب سابق، اسس حزب الغد، ويتزعم حاليا حزب غد الثورة