بيان في "البيان".. ماذا تحقق من 3 يوليو؟

06 يوليو 2014

عبد الفتاح السيسي يتلو بيان الانقلاب و"خريطة المستقبل" (GETTY)

+ الخط -


في مشهد محفور في الذاكرة الجمعية، وقف الرجل وسط عدد من الجلوس. الوجوم يخيم على كل الوجوه. كل الاحتمالات مفتوحة، والاختيارات أيضاً، وإن كان الانتقاء الواضح للحضور، يعطي انطباعاً مسبقاً عن مسار البيان الذي أعد في جلسة سرية، فالتوقعات اتجهت إلى أنه سيذهب إلى تلك المطالب التي رفعت في 30\6، وتراوحت بين الدعوة إلى استفتاء فوراً، أو الذهاب فوراً إلى انتخابات رئاسية مبكرة، ولم يكن لمحمد مرسي اختيار بالرفض أو القبول بعد اعتقاله ورجاله، إلا أن البيان ذهب، خلافاً للتوقعات، إلى ما هو أبعد كثيراً من تلك الاحتمالات، بتعطيل الدستور، بدلاً من تعديله، وتعيين رئيس، بدلاً من انتخاب رئيس، أو الاستفتاء على رحيل رئيس، وثماني نقاط أخرى.

وبقراءة متأنية لنص "الوثيقة" – البيان، يلاحظ الآتي:
1-البيان صادر عن القوات المسلحة، وباسمها، وليس عن القوى السياسية التي شاركت، والاجتماع برعاية القوات المسلحة أو بمشاركتها!
2-البيان مكون من ثماني فقرات، من الأولى إلى الخامسة مجرد تبرير لتدخل الجيش، وتأكيد أن دوره الذي استدعي إليه، ليس لسلطةٍ، أو لحكم، بل لحماية مطالب الثورة.
3-وتأتي الفقرة السادسة من البيان، وهي الأهم، لتحدد ملامح ومطالب الشعب، وتعهدات القوات المسلحة، حيث شملت هذه الفقرة السادسة عشرة نقاط وتعهدات، معظمها لم يكن من بين مطالب 30\6، وبعضها كان تأشيراً عكس خط السير الذي سارت إليه الأمور، خلال العام الماضي، وعلى سبيل المثال: النقطة العاشرة "تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية، من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية، وتمثيل مختلف التوجيهات". وهذا ما لم يحدث إلى الآن، بعد مرور عام، فلم تشكل لا لجنة عليا، ولا غير عليا، ولم تظهر أي مؤشرات إلى السعي إلى القبول بأي أدوار، أو مبادراتٍ، لمن أشير لهم بالمقبولين من النخب والتوجهات كافة، بل يتم الإجهاز بشراسة على أي أصوات عاقلة، لإرهابها، وإسكاتها، واغتيال أي بادرة في هذا الاتجاه، منذ 3\7\ 2013. وتحدثت النقطة التاسعة عن اعتبار الشباب شريكاً في القرار والدولة، بينما الحقيقة أن الشباب، خصوصاً شباب الثورة أصبح بين سجينٍ، أو قتيل، أو مصاب.

حتى غلمان الأجهزة، ممن ظهروا في مشهد 3\7 لم ينالوا ما وعدوا به، وبات الحديث عن إدماج الشباب أُضحوكةً، في ظل مقاطعة الشباب الاستفتاء، والانتخابات الرئاسية، وعدم توقع حصولهم حتى على الفتات في الانتخابات البرلمانية المقبلة، في ظل نظام انتخابي سينتج برلماناً من الماضي، لن يصل فيه الشباب إلى أكثر من 5% من المقاعد، على أحسن تقدير، وهي نسبة أقل من التي تحققت في برلمان 2012، بل وفي معظم برلمانات حسني مبارك.

النقطة الثامنة: تتحدث نصاً عن كفالة حرية الإعلام، بما يحقق المصداقية، والحيدة، هل هذا حدث، أم أننا شاهدنا أسوأ إعلام منحاز، واستقطابي، ومعبر عن صوت واحد، وامتد الأمر من الصحافة المكتوبة إلى الشاشات، ذات الصوت الواحد، بل وصل، أخيراً، إلى الدراما، باستبعاد أعمالٍ، وتوجيه أكثر من عشرة أعمال في شهر رمضان إلى خدمة اتجاه سياسي بعينه، ولبث الكراهية وروح الانتقام في المجتمع، وتشويه كل المختلفين مع النظام، بغض النظر عن توجههم السياسي والفكري.

النقطة السابعة: تتحدث عن البدء بالانتخابات البرلمانية، وما حدث هو العكس، حيث تم البدء بالانتخابات الرئاسية، وتأجيل البرلمانية، لحساب مشروع رئاسي، كان قد تشكل قبل 3\7 وبعده، وأدت الأشواق الجارفة لهُ لتعديل خارطة المستقبل، وفقاً لهذا الهوى والأشواق.

النقطة السادسة: تتحدث عن تشكيل لجنة، تضم كل الأطياف لمراجعة التعديلات الدستورية، وإذ بها لجنة تعبر عن طيف سياسي واحد، وتنصرف إلى دستور جديد، وليس تعديلاً للدستور، كما أشار البيان.

وأظن أن أهم النقاط التي تمت المغايرة فيها، والتأشير عكس خط السير، هي النقطة الأولى فيما سمي خارطة المستقبل، والتي تتحدث عن أولوية بناء مجتمع مصري قوي ومتماسك، لا يقصي أحداً من أبنائه وتياراته، وينهي حالة الصراع والانقسام. فماذا حدث، وهل شهدت مصر في أي زمن، أو عصر، قبل ثورة يناير أو بعدها، إقصاءً وعنفاً مثل الجاري في مواجهة تيارات بعينها، بل امتد الإقصاء إلى كل من يختلف في الرأي، أو التوجه، أو حتى التفاصيل، وليس في الاتجاه أو الفكر.

بتنا نشهد أبشع أنواع الإقصاء، والاغتيال المعنوي، وتقسيم أبناء الوطن الواحد، بمنطق من ليس معي فهو ضدي، ومن هو ضدي هو ضد الوطن والشعب، وليس من أبناء مصر، بل خائن، أو عميل، أو إرهابي إلخ... إلخ...

4-وتأتي الفقرة السابعة من البيان لتتحدث عن مناشدة القوات المسلحة الشعب المصري العظيم بأطيافه السياسية كافة الالتزام بالتظاهر السلمي.
وهذا ما أكده الدستور الذي صنعوه، لكن سلطة 3\7 انقلبت على بيانها، ومطلبها، ودستورها وأجهضت هذا الحق، وبات الآلاف في السجون، لأنهم التزموا بالفقرة السابعة في البيان!

5-أما الفقرة الأخيرة من البيان، فربما يتصورها بعضهم كلاماً على سبيل الترضية اللفظية والمجاملة الفئوية، حيث أشارت إلى أن القوات المسلحة توجه التحية والتقدير لكل من: رجال القوات المسلحة، رجال الشرطة، والقضاة الشرفاء المخلصين ودورهم الوطني العظيم وتضحياتهم المستمرة.
وأحسب أن الفقرة الأخيرة هي التي حددت شكل النظام الحاكم وأدواته، بعد 3\7. وربما يكون هناك مبرراً للحديث عن الشرطة، وربما يكون مستغرباً أن توجه القوات المسلحة التحية لنفسها، لكن اللافت، والخطير، هو إقحام القضاة في قلب الصراع السياسي طرفاً، وتقسيمهم إلى قضاة شرفاء ومخلصين، بما يفيد بمفهوم المخالفة أن هناك من هم غير شرفاء، وغير مخلصين.
ويبقى السؤال: ولماذا لم تنص هذه الفقرة على الشرفاء والمخلصين من الشرطة والجيش؟ إننا أمام عبارات لها دلالاتها وآثارها على مسار الأحداث بعد 3\7\2013 وحتى اليوم.

نعم 3\7 كان مساراً انقلابياً واضحاً، حتى على أهداف 30\6. ولكن، هل صدق حتى الانقلاب فيما أعلنه من مبادئ والتزامات. للأسف لم يحدث، ولن يحدث.

EFFC6895-FEE8-41EC-8CBC-8D63557C25A8
أيمن نور

سياسي مصري، نائب سابق، اسس حزب الغد، ويتزعم حاليا حزب غد الثورة