دولة يهودية... التسمية الصعبة وصراعات المنطقة

25 يوليو 2014

بن غوريون يعلن إقامة إسرائيل في 14 مايو 1948

+ الخط -

قبل ساعات من الإعلان عن تأسيس إسرائيل، اختلف القادة الصهاينة المخضرمون (الذين اجتمعوا في إطار ما أطلق عليه اسم مجلس الدولة المؤقت، في تل أبيب، مساء 14/5/1948) على الاسم الذي سيطلقونه على دولتهم، على الرغم من مرور نحو خمسين عاماً على صدور كتاب من وصفوه نبي الصهيونية، تيودور هرتزل، بعنوان (الدولة اليهودية – أو دولة اليهود) ومرور 31 عاماً على صدور وعد بلفور البريطاني، بإنشاء (وطن قومي لليهود في فلسطين) ومرور نحو ستة أشهر على صدور قرار تقسيم فلسطين في 29/11/1947 الذي نص، أو بتعبير أدق، أوصى بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، مع تدويل مدينة القدس. واكتشف هؤلاء، في حينه، أنهم، طوال تلك العقود لم يكونوا، وأسلافهم، قد اتفقوا لا على اسم الدولة التي يريدون، ولا على حدودها أيضاً.


لم يتحدث وعد بلفور عن دولة، بل عن (وطن قومي لليهود في فلسطين)، وليس في كل فلسطين، ولم يطلق اسماً على ذلك الوطن، لا هو ولا المؤسسون الصهاينة. وكذلك الحال في مقترحات تقسيم فلسطين التي صدرت عن أكثر من لجنة، خصوصاً لجنتي بيل البريطانية وموريسون الأميركية، وصولاً إلى قرار تقسيم فلسطين. فقد اقترحت تلك اللجان، وكذلك قرار التقسيم، إنشاء دولة يهودية، إلى جانب دولة عربية في فلسطين.
ويذكر على هذا الصعيد أنه، قبيل صدور الإعلان عن إقامة إسرائيل في تل أبيب، وعندما أُبلغ الرئيس الأميركي، هاري ترومان، عن ذلك، جهز البيت الأبيض كتاب الاعترف بهذه الدولة قبل الإعلان عنها، وكان ينص على الاعتراف بـ (الدولة اليهودية)، كونه كان يتوقع أن تحمل هذا الاسم، وقد سارع ترومان إلى شطب (الدولة اليهودية)، ووضع بدلاً عنها (دولة إسرائيل) فور وصول خبر من تل أبيب عن قرار (مجلس الدولة المؤقت) تسمية الدولة دولة إسرائيل، وليس الدولة اليهودية. (الوثيقة محفوظة في أرشيف البيت الأبيض، ونشرت صور عنها، وهي تظهر أن الرئيس ترومان شطب بقلمه على الدولة اليهودية، وكتب بدلاً عنها دولة إسرائيل).
كان المتداول في واشنطن، وغيرها من العواصم الداعمة للحركة الصهيونية، أن الدولة التي سيعلن عن إقامتها في تل أبيب ستحمل اسم الدولة اليهودية، إلا أن المجتمعين، في إطار ذلك المجلس، قرروا خلاف ذلك، بعد مداولاتٍ مطولة، استعرضوا فيها أكثر من مقترح اسماً للدولة التي ينوون الإعلان عن إقامتها، والأسماء هي: يهودا وعيبر وتسيون (صهيون) وإيرتس إسرائيل (أرض إسرائيل). وتذكر مصادر أنه تم اسبتعاد تلك الأسماء، واختيار اسم إسرائيل، للأسباب الموجزة التالية:
1-يهودا ويهودية، كونه يستخدم للإشارة إلى أبناء الديانة اليهودية، أو مجموعة دينية عرقية، بينما يوجد في إسرائيل مواطنون مسلمون ومسيحيون وعلمانيون غير متدينين. ويضاف إلى ذلك أن يهودا هو الاسم العبري لجبال في الخليل كانت ضمن حدود الدولة العربية، حسب قرار التقسيم.
2-أما اسم عيبر، أو عبريين، فهو غير معروف لدى غالبية المستوطنين، وهو يشير إلى كتلة سياسية دينية معينة، وهي كتلة يهود علمانيين فضلوا تسميتهم عبريين، بدلاً من يهود.
3-التأكيد على وجوب التفريق بين (إيرتس إسرائيل – أرض إسرائيل) واسم الدولة الجديدة. وتأكيد أن اسم (دولة إسرائيل) اصطلاح سياسي محدد، بينما (أرض إسرائيل) اصطلاح جغرافي، وإن دولة إسرائيل يمكن أن تمتد على كل (أرض إسرائيل)، أو على جزء منها، أو حتى على أجزاء ليست تابعة لأرض إسرائيل.
وخلصت نقاشات المجتمعين في مجلس الدولة، والذي تعد قراراته، إلى اليوم، من أهم القرارات التي صدرت في إسرائيل، وبمثابة مواد وقوانين دستورية (علماً أنه لا يوجد دستور في إسرائيل)، إلى التوقيع على ما وصف بـ(وثيقة إعلان الاستقلال)، وأهم ما جاء فيها على هذا الصعيد (نعلن قيام دولة يهودية في أرض إسرائيل هي دولة إسرائيل).
يبدو أن رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، اكتشف، أخيراً، الحوارات الصهيونية التي جرت بشأن تلك التسميات، وأراد أن يعود إلى نقطة الصفر، عازماً على تخطئة أسلافه الذين قرروا تسمية الدولة باسم إسرائيل، وأن يطلق عليها اسم دولة اليهود، أو الدولة اليهودية التي سبق أن رفضها المجلس المؤسس لإسرائيل. ولم يفصح نتنياهو عن ذلك كلياً، بل حاول، بدايةً، أن يفرض على السلطة الوطنية الفلسطينية أن تعترف بإسرائيل دولة يهودية، علماً أنه لم يسبق له، أو لأي من أسلافه منذ 1948 حتى اليوم، أن فرض على أي دولة أن تعترف بإسرائيل دولة يهودية، ولم يحاول ذلك حتى إسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل الذي وقع اتفاقات أوسلو عام 1993 مع الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات. فرابين لم يطلب من عرفات هكذا طلب، على الرغم من أنهما تبادلا اثنتين من أهم وثائق أوسلو (وثيقتي الاعتراف المتبادل)، الأولى من الرئيس عرفات تنص على (اعتراف منظمة التحرير بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام وأمن) من دون توصيفها بأنها دولة يهودية، والثانية وثيقة من رابين، تنص على أن (حكومة إسرائيل قررت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني).
يدرك نتنياهو جيداً (وقد استمع إلى ذلك مراراً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس) استحالة أن يحصل من السلطة، أو الدولة الفلسطينية، على اعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، انطلاقاً من أن الصراع مع إسرائيل سياسي لا ديني، وأن الاحتلال الحاصل للأراضي الفلسطينية هو استيطاني سياسي، لا ديني (مهما حاولت إسرائيل إلباسه لباساً دينياً)، وأن

الفلسطينيين ليسوا طائفة دينية، وإنما شعب له الحق الكامل في العيش على أرض وطنه حراً سيداً مستقلاً، وله الحق الكامل في إقامة دولته الوطنية على أرض وطنه.
لم يسبق لإسرائيل أن طلبت من أي دولة أن تعترف بهذه الصفة، أو التسمية الدينية، ولم يطلب ذلك نتنياهو، وحكوماته السابقة والحالية. وهو يطلب ذلك من السلطة الوطنية الفلسطينية، حالياً، شرطاً تعجيزياً، مثل طلبه من الفلسطينيين التخلي عن حق عودة اللاجئين، أو عن استعادة القدس الشرقية، أو سحب المستوطنين من الضفة الغربية، ليبرر مواقف حكومته وشارعه اليميني، للاستمرار في تجميد وعرقلة استئناف المفاوضات، ومنعها من الوصول إلى هدفها المتمثل بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الضفة الغربية وقطاع غزة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وبالتالي، الاستمرار في احتلال الضفة والاستيطان فيها وتهويدها، هي والقدس الشرقية، وإبقاء قطاع غزة محاصراً في مرمى نيران الاحتلال الإسرائيلي.
وإذا كان نتنياهو يريد إعادة النظر في تسمية دولته، وصفتها عليه، أن يجمع الكنيست الإسرائيلي للتصويت على تغيير اسم الدولة، أو إرفاق اسمها بصفتها الدينية اليهودية، فتصبح (دولة إسرائيل اليهودية)، وأن يتم إبلاغ الأمم المتحدة والهيئات الدولية، بضرورة اعتماد الاسم الجديد في أوراقها وقراراتها.
والأرجح أن نتنياهو يراهن على ما هو أبعد من ذلك كله، وربما يريد أن يميز إسرائيل بتعريفها مسبقاً دولة يهودية، ليكون متلائماً أكثر مع المرحلة الجديدة التي تعيشها المنطقة. فهو يرى، وكثير من مستشاريه، وباحثون عرب ودوليون، أن المنطقة، وكياناتها السياسية، في حالة سيولةٍ ذاهبة نحو انفجار صراعات وحروب أهلية طائفية ومذهبية ودينية مريرة، ويريد، سلفاً، تحصين إسرائيل، عبر تعريفها بيهوديتها، عشية انفجار هذه الصراعات، والتي قد تسفر، في السنوات المقبلة، عن إنشاء دويلات وإمارات وممالك سنية وشيعية ودرزية ومسيحية متصارعة فيما بينها، وقد لا تقوى أيٌّ منها على مواجهة إسرائيل، وحتى معاداتها، بل قد تلجأ هذه، أو تلك، منها إلى مهادنة إسرائيل، أو الاحتماء بها، وحتى التحالف معها. فالدول الطائفية ستكون بمثابة أخوات للدولة اليهودية، السباقة في إبراز وتأكيد هويتها الدينية والحرص عليها. وسبق أن راهن خبراء وباحثون استراتيجيون إسرائيليون، وغربيون كثيرون، على تفتيت دول المنطقة فيما بعد سايكس – بيكو إلى دويلات وطوائف ومذاهب وعشائر وقبائل، مؤكدين أن إسرائيل، كدولة يهودية في المنطقة، ستكون الأقوى، سواء بفضل ما تمتلكه من سلاح واقتصاد وبنية سياسية واجتماعية، أو بما تمتلكه من قوة تحالفات دولية، تجعلها موضع رعاية وحماية دائمة، وبالتالي، بمثابة كيان جاذب للدويلات الناشئة في جوارها، تذود عنها، وتذود بها عن نفسها من هجمات أي دولة قوية.
وربما يراهن نتنياهو، ومن معه، على جعل إسرائيل الأخ الأكبر، أو المستولد لهكذا دول، ولأجل ذلك يستمر في عرقلة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وفي فرض شروط تعجيزية تحول دون استئنافها وتقدمها، ويستمر في رفض إجراء أي انسحاب جدي، يتيح إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، مع الاستمرار، في الوقت ذاته، في زرع الضفة الغربية بالمستوطنات والمستوطنين، وتقطيع أوصالها وتفتيت وحدتها، والاستمرار في الضغط على السلطة الفلسطينية، لإضعافها وتفكيكها ودفعها إلى الانهيار أو الانحلال، وفي محاصرة وتصفية إرداة وروح المقاومة الوطنية الفلسطينية، في انتظار أن يحين وقت يصبح في مقدور إسرائيل تصوير الصراع مع الفلسطينيين على أنه صراع بين الدولة اليهودية وإرهابيين إسلاميين، بعضهم في الضفة وبعضهم في القطاع، لا حق لهم في أرض أو وطن أو دولة.