قصة بداية الثورة في سورية غريبة بالنظر إلى مقدار غرابة الأوضاع الحالية، خاصة لو كنت ملماً بالوضع المخابراتي السوري السائد عند قيامها، والذي يتعارض بالكلية مع الثقافة والإبداع المتجذر في إحدى أبرز حواضر العرب على مدار التاريخ.
الرائج أن الثورة تفجرت من مدينة درعا التي كانت تعد أحد معاقل النظام، وكان القائد الأمني فيها ابن خالة بشار الأسد.
بدأت القصة يوم إعلان تنحي حسني مبارك عن حكم مصر، باتصال هاتفي بين طبيبة سورية شابة من درعا، وصديقتها، قالت فيه: "مبارك تنحى عقبال عندنا". لم تكد تمر ساعتان فقط إلا وكان عناصر الأمن في منزل الطبيبة للقبض عليها بعدما سجلوا جملتها العفوية عبر نظام المراقبة الذي يشمل كل مناحي الحياة السورية.
في المعتقل تم تعذيب الطبيبة والتنكيل بها، وأجبرت على تقبيل الأرض أمام صورة لبشار. بعد يومين توجه وفد من وجهاء درعا إلى الأمن طلباً للإفراج عن الطبيبة. في مكتب المسؤول الأمني قوبل الوجهاء بصلف، وإن تم قبول طلبهم بالإفراج عن الطبيبة.
في يوم تال، قررت مجموعة من الأطفال، لا يتجاوز عمر أكبرهم الرابعة عشر، الانتقام للطبيبة، فانتشروا في الشوارع والأزقة يكتبون على الحيطان "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل ارحل يا بشار".
قام مخبرون بالإبلاغ عن أسماء الأطفال، فقبض عليهم من مدارسهم ومنازلهم، واقتيدوا إلى مكان مجهول خضعوا فيه للتعذيب.
مجدداً، توجه وفد الوجهاء إلى الأمن طالبين الإفراج عن الأطفال. لكن الرد هذه المرة كان أكثر قسوة، حيث رفض المسؤول الأمني إطلاق سراح الأطفال، وسب الوجهاء وأسقط عمامة أكبرهم وداسها بحذائه، ليخرج الرجال غاضبين، وينتشر الخبر.
بعد ساعات، احتشد بضع مئات المتظاهرين في الشوارع، يتقدمهم أهالي الأطفال المحتجزين، وكانت مطالبهم إطلاق سراح الأطفال والاعتذار عن الإساءة للوجهاء.
أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين، فقتلت العشرات، فانتفضت درعا كلها في الشوارع.
من درعا انتشرت مطالب الحرية في عموم البلاد، وصولاً إلى العاصمة دمشق، وفي المقابل فتكت قوات الأمن والجيش بالمئات ليسقط في الشهور الخمسة الأولى أكثر من ثلاثة آلاف قتيل.
رغم هذه البداية العفوية للثورة، ورغم الإجرام غير المبرر في مواجهتها، ما زال بعضهم يكرر مقولات غبية منها، إنها كانت ممولة من الخارج، أو ليتها ما قامت.
والنظر إلى مآلات الثورة لا يمكن معه تخيل قدرة النظام على وأدها بعد سنوات من محاولة إزالته التي كانت وشيكة لولا تدخل قوى إقليمية ودولية لإبقائه جالساً على كرسيه الملطخ بدماء السوريين.
اقــرأ أيضاً
الرائج أن الثورة تفجرت من مدينة درعا التي كانت تعد أحد معاقل النظام، وكان القائد الأمني فيها ابن خالة بشار الأسد.
بدأت القصة يوم إعلان تنحي حسني مبارك عن حكم مصر، باتصال هاتفي بين طبيبة سورية شابة من درعا، وصديقتها، قالت فيه: "مبارك تنحى عقبال عندنا". لم تكد تمر ساعتان فقط إلا وكان عناصر الأمن في منزل الطبيبة للقبض عليها بعدما سجلوا جملتها العفوية عبر نظام المراقبة الذي يشمل كل مناحي الحياة السورية.
في المعتقل تم تعذيب الطبيبة والتنكيل بها، وأجبرت على تقبيل الأرض أمام صورة لبشار. بعد يومين توجه وفد من وجهاء درعا إلى الأمن طلباً للإفراج عن الطبيبة. في مكتب المسؤول الأمني قوبل الوجهاء بصلف، وإن تم قبول طلبهم بالإفراج عن الطبيبة.
في يوم تال، قررت مجموعة من الأطفال، لا يتجاوز عمر أكبرهم الرابعة عشر، الانتقام للطبيبة، فانتشروا في الشوارع والأزقة يكتبون على الحيطان "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل ارحل يا بشار".
قام مخبرون بالإبلاغ عن أسماء الأطفال، فقبض عليهم من مدارسهم ومنازلهم، واقتيدوا إلى مكان مجهول خضعوا فيه للتعذيب.
مجدداً، توجه وفد الوجهاء إلى الأمن طالبين الإفراج عن الأطفال. لكن الرد هذه المرة كان أكثر قسوة، حيث رفض المسؤول الأمني إطلاق سراح الأطفال، وسب الوجهاء وأسقط عمامة أكبرهم وداسها بحذائه، ليخرج الرجال غاضبين، وينتشر الخبر.
بعد ساعات، احتشد بضع مئات المتظاهرين في الشوارع، يتقدمهم أهالي الأطفال المحتجزين، وكانت مطالبهم إطلاق سراح الأطفال والاعتذار عن الإساءة للوجهاء.
أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين، فقتلت العشرات، فانتفضت درعا كلها في الشوارع.
من درعا انتشرت مطالب الحرية في عموم البلاد، وصولاً إلى العاصمة دمشق، وفي المقابل فتكت قوات الأمن والجيش بالمئات ليسقط في الشهور الخمسة الأولى أكثر من ثلاثة آلاف قتيل.
رغم هذه البداية العفوية للثورة، ورغم الإجرام غير المبرر في مواجهتها، ما زال بعضهم يكرر مقولات غبية منها، إنها كانت ممولة من الخارج، أو ليتها ما قامت.
والنظر إلى مآلات الثورة لا يمكن معه تخيل قدرة النظام على وأدها بعد سنوات من محاولة إزالته التي كانت وشيكة لولا تدخل قوى إقليمية ودولية لإبقائه جالساً على كرسيه الملطخ بدماء السوريين.