عشرات آلاف الخريجين الجامعيين في قطاع غزة المحاصر لا يحصلون على فرص في اختصاصهم بعد التخرج، ما يدفعهم إلى خوض مغامرات عمل مختلفة لتأمين الرزق
ليس غريباً أن يعمل الخريجون في غزة في غير اختصاصاتهم وفي مهن بسيطة، إذ تنتشر البطالة، خصوصاً بطالة الخريجين، بشكل كبير في القطاع، بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من اثني عشر عاماً.
من الخريجين من يشتري عربة "توك توك" فيعمل عليها داخل الأسواق الشعبية أو المحلات التجارية أو في مكاتب التموين والشوارع يبيعون عليها أو ينقلون البضائع. بدأ هذا النوع من النشاط في أغسطس/ آب 2016، عندما وضع الشاب مصطفى (27 عاماً) يافطة صغيرة على "توك توك" عليها شعار "خريج هندسة لكن الحال صعب". أثارت الصورة يومها ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي.
مصطفى، خريج هندسة مدنية من "الجامعة الإسلامية"، منذ عام 2013. لم يعمل إلاّ في عقد بطالة (موقت) لمدة 3 أشهر. تطوع في مكتب هندسي لكنّه استغله عاماً كاملاً من دون أن يمنحه أيّ مقابل مادي، ثم عمل نادلاً في أحد مطاعم غزة، وخلالها وجد أنّه يعمل ساعات أطول من اللازم، من دون أيّ مبلغ لساعات العمل الإضافية، كما كان يحصل على راتبه الأسبوعي بصورة مذلة كما يصف. يقول لـ"العربي الجديد": "الكلّ صدم لحالي، وحتى الزبائن والتجار في الأسواق يتضامنون معي، إذ إنّها ليست مهنتي أن أنقل البضائع على التوك توك، وإن كان ذلك أفضل من الإذلال".
منذ افتتح مصطفى هذا النشاط، لحقه عدد كبير من الخريجين، فالـ"توك توك" غير خاضع للتراخيص التي تتبع وزارة النقل والمواصلات، فيعملون بحرية عليه، كما أنّ سعره يتراوح ما بين 1200 دولار أميركي و1800 دولار. ويلجأ الشبان إلى طرق عدة للحصول على مثل هذا المبلغ.
من جهته، حصل أحمد دواوسة (26 عاماً) وهو خريج كلية التربية، قسم الرياضيات، في جامعة "الأقصى"، على قرض من مصرف محلي، إذ تقدم بالطلب وانتظر شهرين حتى تمكن من الحصول على مبلغ 2000 دولار لشراء الـ"توك توك" فيما يسدد كلّ شهر 100 دولار إلى المصرف. بدأ بعدها يتجول بعربته في أسواق الخضار من الساعة الخامسة صباحاً، فينقل البضائع من سوق فراس إلى سوق الشيخ رضوان يومياً. يقول لـ"العربي الجديد": "في البداية كنت أخجل من العمل على التوك توك، ولا أرغب في أن يعرف أحد بأنّي خريج جامعي لكي لا أبدأ في سرد معاناتي، لكنّي تفاجأت أنّ عدداً كبيراً من الخريجين يعملون على عربات توك توك مثلي. صادفت ثلاثة زملاء تغيرت ملامحهم من شدة التعب من العمل على هذه العربات".
يعود سبب توجه الدواوسة للعمل على الـ"توك توك" إلى تشجيع والده التاجر في سوق الخضار بمنطقة الشيخ رضوان، إذ لم لم يستطع أن يحقق حلمه في رؤية ابنه معلماً كما كان يطمح، فأراد أن يكون قريباً منه. يذكر الدواوسة أنّه عمل سائقاً على سيارة أجرة لكنّ التراخيص والضرائب كانت تلاحقه ولم تشجعه على البقاء.
من جهته، فإنّ أياد أبو ريحان (30 عاماً) وهو خريج تكنولوجيا المعلومات من جامعة "القدس المفتوحة" انتظر 6 سنوات للحصول على أيّ وظيفة رسمية، لكنّ محاولاته فشلت، فطوال هذه الأعوام لم يحصل إلاّ على عقدي بطالة في وكالة "أونروا" وضمن برنامج "جدارة" لتشغيل الخريجين في وزارة العمل الفلسطينية عام 2013.
قبل فترة، استدان أبو ريحان من أحد أقاربه مبلغ 1400 دولار اشترى به "توك توك" وعمل عليه في النقليات. يقول: "بدأت العمل عليه في سوق خان يونس البلدي، فقد طبعت بطاقات ووزعتها على التجار كي يستعينوا بخدماتي". يعمل في كثير من الأيام حتى ساعات متأخرة بالرغم من معاناته من إصابة في كتفه منذ العدوان الأخير على غزة عام 2014. يشير أبو ريحان إلى أنّ الطبيب نصحه بعدم العمل في مهن شاقة، وأن يتراوح دوام عمله اليومي ما بين خمس ساعات وست. لكنّ أبو ريحان لا يتمكن من الالتزام بمثل هذه النصائح مهما كان تأثير ذلك على صحته، إذ يؤكد أنّه في بعض الأيام يضطر إلى العمل على الـ"توك توك" طوال أربع عشرة ساعة متواصلة، في نقل البضائع للتجار، وكذلك في نقل الأثاث المنزلي. يقول لـ"لعربي الجديد": "التوك توك هو خياري الوحيد لتأمين معيشتي، ومحاولة تأمين ثمن علاجي الشهري البالغ وحده 200 دولار أميركي. كلّ هذه المعاناة وما زلت عازباً ولا مهنة بديلة إلاّ ما يذلني ويستغلني".
من جهتها، تقول "جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين- غزة" إنّ البطالة ارتفعت بشكل قياسي وغير مسبوق في غزة، وانعكس ذلك على نسبة الفقر التي وصلت إلى نحو 60 في المائة، نتيجة دخول فئات جديدة إلى شريحة الفقراء كالموظفين وعمال المصانع والشركات التي أغلقت أبوابها، إلى جانب 175 ألف خريج من الجامعات المحلية، 70 في المائة منهم عاطلون من العمل.