حمار الشيخ
ويظل الحمار أهم ما في الحكاية، فهو المحور والمحرك ودائما ما يجد لنفسه عقبة يحرن فيها، ويمارس حقه الشرعي في رفض الإذعان وعدم الانقياد، مهما طالت لباقته واستكانته ستأتي عقبة ما ويتذكر الجحود والحمل المجاني للمشقة، فيعود القهقرى وينهق ويزعق احتجاجا وسخطا، فتوقفه هذا، حالة ميكانيكية حتمية لا مفر منها في الظاهر، مترسبة في الباطن رغم اختلاف المثيرات والمحركات من حمار لآخر.
أما الشيخ فيبقى في حيرة من أمره يبكي حظه العاثر، (مع أن شيوخ اليوم لا يستسلمون ولا يبكون حظهم) أيتقدم أم يتراجع؟ فمن بالأسفل يطالبونه بالعودة لتجميع القوى وإصلاح ما يمكن إصلاحه، تغيير استراتيجية الصعود ومن ثمة البدء من جديد...
ومن بالأعلى يشيرون للهراوة ويصرون عليه من أجل استكمال الطريق والاستمرار في محاولة الصعود، مهما كانت النتائج ومهما ترتبت عنها من خسائر، فلا يهم الضغط أكثر على الحمار، ولا يهم حاله في النهاية وما إن كان سيصل سليما أم لا، المهم فكرة الوصول في حد ذاتها.
وما بين التفكير في المسؤولية الأدبية تجاه الحمار والتفكير في الأنا والصورة أمام الجماعة يضيع الشيخ، أيضحي بنفسه أم بحماره؟ يتساءل عن مكمن العيب لو تركه وضمن النجاة لنفسه أولا؟ فأمامه تحدّي الزمن والسلامة.. عليه أن يصل قبل مغيب الشمس فالليل جلّاب مشاكل ومسالكه غير مضمونة المخرج لصوص، ذئاب، حفر ومطبات.. يصل هو أولا ويضمن سلامته ثم إن الحمار معتاد على مثل هذه المواقف، عنيد ومن الصعب إرغامه على فعل شيء ضد رغبته، لا خوف عليه سيجفل لفترة قصيرة وحينما يجوع ولا يجد اهتماما سينفض الغبار عن نفسه، ويقوم لمواصلة السير وإثارة الشفقة، سيبلغ الدار حتى لو سار مغمض العينين وحينها سيلقى ما تيسر من عقاب.
ثم من سيجرؤ على تحدي الشيخ ولومه جهارا على تركه الحمار المسكين منهكا خائر القوى عرضة للذئاب والموت البطيء، فالحمير كثيرة، ناقص حمار زائد جحش يذهب واحد ويأتي آخر، وهناك حتّى من يقدمها قربانا وهدايا.. لكنه يظل أهم ما في الحكاية.. المحور والمحرك.