لعل أبرز الغائبين في احتفالات تونس بعيد العمال العالمي لسنة 2016 والذي يصادف الأول من مايو/ أيار كل عام هو "الشغل"، نظرا لتأزم وتعطل كل الجهود في البحث عنه وتوفيره من أجل دمج أكثر من 618 ألف عاطل من العمل ينتظرون منذ ثورة الحرية والكرامة حلولا لم تأت، في ظل صراعات سياسية احتدمت فغطت على كل القضايا التنموية والاقتصادية والاجتماعية وهمّشت شبانا دفع اليأس بعضهم إلى الانتحار أو الهجرة.
استهّلت سنة 2016 في تونس بتسارع نسق الاحتجاجات الشبابية ضد التهميش والبطالة. البداية كانت خلال شهر يناير/ كانون الثاني بتنظيم شباب محافظة القصرين لمظاهرات سلمية، وُوجهت بالعنف الأمني والتشكيك في استقلاليتها عن المطامع الحزبية.
هذه الاحتجاجات التي اندلعت على أثر قيام أحد العاطلين من العمل بالانتحار فوق أحد الأعمدة الكهربائية، أجبرت السلطات التونسية والمنظمات المختصة والهيئات النقابية على التعجيل في تنظيم تظاهرة "الحوار الوطني حول التشغيل"، هذا الحوار الذي عرف مشاركة العديد من الأطراف الفاعلة لم يقدم، حسب العديد من الخبراء، حلولا ناجعة بل اكتفى بالخروج بتوصيات وصفها البعض بـ"الخشبية".
2016 عودة العاطلين إلى الشوارع
أعادت الثلاثية الأولى من سنة 2016 إلى الأذهان أحداث 2014 من حيث تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشبابية والإصرار على إخراج قضية البطالة من نقاشات البلاتوهات السياسية والمواقع الاجتماعية إلى أرض المعركة. شبان ملوا الانتظار بعد مرور خمسة سنوات على ظهور بوادر أمل انفراج الأزمة ويئسوا من استجابة السياسيين لمطالبهم، فقرروا تنظيم مسيرات واعتصامات لتنشيط ذاكرة المسؤولين في الدولة حول قدرة الشباب على قلب الطاولة في حال تواصل التعامل معهم بإهمال واستهتار.
انتظار العاطلين من العمل الذي دعا إليه المسؤولون منذ الثورة على أمل توفير مناخ سياسي هادئ ومناسب للعمل على القضايا المحورية، نتج عنه ارتفاع في نسب البطالة من 12% من إجمالي القوى العاملة سنة 2010 إلى 15.4% خلال الثلاثي الأخير من سنة 2015 يمثل أصحاب الشهادات العليا 31% منهم.
هذه الأرقام المخيّبة، وخصوصا لدى شباب مدن الوسط والشمال الغربي التي بلغت نسب البطالة فيها أكثر من 30%، دفعت العديد منهم إلى الخروج عن الصمت والخروج للمطالبة بحقهم في التشغيل حسب ما ينص عليه دستور تونس الجديد.
ومن بين هذه الحركات الاحتجاجية نذكر: اعتصامَ عدد من العاطلين من العمل أمام مقر محافظة جندوبة، بالشمال الغربي التونسي، يوم 5 يناير الماضي، تظاهُر عاطلين من العمل بمحافظة القيروان، بالوسط التونسي، يوم 21 يناير، خروج أهالي محافظة القصرين، بالوسط التونسي، للاحتجاج بداية من يوم 19 يناير، تظاهُر العاطلين من المعهد الأعلى لإطارات الطفولة يوم 25 يناير، اعتصام شباب محافظة قفصة، بالوسط الغربي، يوم 8 فبراير/ شباط، هذا بالإضافة إلى تواصل إضراب العاطلين من قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس من المفروزين أمنيا منذ 21 مارس/ آذار الماضي.
الناشطة بالاتحاد العام التونسي للشغل والصحافية بجريدة الشعب التابعة للاتحاد، فانت حمدي، أكدت في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التحركات الشبابية الاحتجاجية المطالبة بالتشغيل مشروعة وقد تبناها اتحاد الشغل وساهم في تأطيرها، في انتظار مواصلة مشاوراته مع الحكومة من أجل تطوير المنظومة التشغيلية وتأطير العاطلين ماديا ومعنويا، عدا عن تحسين ظروف العاملين في القطاعين العام والخاص".
الحكومة عاجزة: غياب الحلول يفاقم نسب البطالة
تزامنا مع توتر العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة خلال هذه الفترة بسبب دعم الاتحاد لعدد من الاعتصامات والاحتجاجات العمالية في عدد من المؤسسات التي تعاني مشاكل مادية وإدارية وقانونية، أصدر الاتحاد بيانه الخاص بالاحتفال بعيد العمال العالمي.
وذكر الاتحاد في هذا البيان، أهمية الجهود التي قام بها والتي أفضت إلى حصوله في إطار الرباعي الراعي للحوار على جائزة نوبل للسلام.
كما تحدث البيان عن عجز الحكومات عن الحد من تدهور المشاكل الاقتصادية. وجاء فيه: "نحيي ذكرى عيد العمال في كنف تدهور فضيع للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ينذر بتداعيات سلبية في ظل الهجمات الإرهابية، يقتضي تطويقها تعاملا جادا مع الملفات المطروحة، وخاصة في قطاع السياحة والفلاحة التي تمر بأزمة طاحنة ولم تجد الاهتمام الكافي لحلها، أو في مجالات التشغيل والتنمية التي يجب أن توضع لها حلول جذرية بعيدا عن التدابير المتسرعة والتلفيقية..".
وكان وزير التشغيل زياد العذاري قد أكد، خلال تصريحات إعلامية، عن تشعّب ملف التشغيل وصعوبة حله بصفة آنية، محذرا من عدم جدوى الاحتجاجات الشبابية ومقللا من أهميتها.
وقال العذاري إن "الدولة قادرة نسبيا على تطوير ثلاثة صيغ للتشغيل، وهي: التشغيل في الوظيفة العمومية، وهو حل محدود جدا لعدم قدرة الدولة على استيعاب أعداد جديدة من الانتدابات، أو تشجيع القطاع الخاص على التشغيل، وهو ما يتم بصعوبة لعدم تجاوب أصحاب المؤسسات نظرا لما يمر به أغلبهم من صعوبات، ثم التشجيع على بعث المشاريع الخاصة الصغرى، وهو مقترح لا يلقى تجاوبا كبيرا من طرف العاطلين.
وقد تحدث وزير التشغيل عن برمجة انتداب 70 ألفا من العاطلين سنويا في إطار المخطط الخماسي الثالث عشر 2016 – 2020. هذا، وقد حذر معهد كارينغي الأميركي، في دراسة أعدها من إمكانيات عجز الحكومة التونسية عن مجابهة مشكل البطالة، مؤكدا في تقرير أعده أخيرا، أن القضاء على البطالة يحتاج نسبة نمو لا تقل عن 8%، في حين أخذت هذه النسبة منحى تنازليا ووصلت إلى 0.5% سنة 2015.