"الإجابة تونس".. هكذا بدأ الأمر.
أحدهم على الإنترنت أشار إلى ما يجري في تونس مبكراً بوصفه "إجابة". هذه الثورة رقم واحد في عداد ثورات ما سيعرف لاحقاً باسم "الربيع العربي".
مدهش الأمر ومباغت، فجأة، وسائل الإعلام تحدثنا في مصر عن "تونس"، الدولة التي اعتدنا سماع اسمها في مباريات كرة القدم. هذه المرة تسبقنا بخطوة. وتحرز نقاطاً إضافية بتحقيق انتصار ثورتها ورحيل "بن علي".
لماذا تم استخدام اسم تونس كإجابة إذن؟.. تريد الحقيقة. لعلها مضحكة بعض الشيء. كل ما في الأمر أن هذه طرفة ظهرت في فيلم كوميدي قبل سنوات.. تلعثم البطل قليلاً.. ثم قال "بسم الله الرحمن الرحيم.. الإجابة رقم واحد".. مجرد محاكاة تستحضر طرفة عالقة في الأذهان.. لعل صاحبها لم يكن يقصد تماماً أن تونس تشكل إجابة حقيقية.
ثم، في مرات لاحقة، تم استخدام العبارة نفسها. تونس إجابة لأنها تترك الأمور بعيداً عن يد قيادة الجيش. تونس إجابة لأن دستورها يأتي قبل انتخاب الرئيس. تونس إجابة لأن انتخابات البرلمان قبل انتخابات الرئاسة.. وهكذا. مقارنات دائمة للنقاط التي تحرزها تونس، في مقابل النقاط التي تخسرها مصر.. شيء ما في مصر يرفض قراءة اسم تونس خارج إطار المنافسة الكروية المعتادة.
الآن، وبعد ما جرى، بحيث تصل الأمور في تونس إلى حال التعادل السلبي بدون أهداف مع مصر. كتب أحدهم مجدداً، "الإجابة لم تكن تونس".. ليجد على الطرف الآخر أحدهم يغرد سائلاً : "إن لم تكن تونس إجابة، كما اعتقدنا لسنوات، فأين توجد الإجابة إذن؟!"..
حسناً، هذا كافٍ جداًّ لفهم كيف بدأت المسألة كلها. الثورة الأولى في تونس توصف باعتبارها "إجابة". السؤال هو : ما السؤال الذي تشكل الثورة إجابة عنه؟!. وهل الثورة عموماً إجابة عن سؤال ما؟!.
لعل المسألة أبسط من ذلك في ظاهرها. الثورة ليست إجابة. لعلها أقرب إلى أن تكون سؤالاً. محاولة لاستخدام طريق غير معتاد، حيث أثبتت الطرق المعتادة فشلها جملة واحدة.
الثورة سؤال. لعله ينتمي لنوع الأسئلة التي لا توجد إجابة عنها أساساً. مبتدأ، في جملة مجهولة الخبر، مقدمة، صالحة للاستخدام كما هي، دون نتيجة.
إن كانت الثورة (بشكل عام) إجابة، فهي إجابة غير كافية. لنفترض أنها إجابة عن سؤال يقول : هل ترضى الجماهير بالقمع والفساد والاستبداد؟!. الإجابة : ثورة.. وهي تساوي : لا.. الجماهير لا ترضى. عظيم. هذه إجابة نظرية تماماً. الأمر بحاجة إلى أكثر من مجرد الإجابة بالنفي.
حتى بيت الشعر، الذي حفظناه صغاراً في مصر، ثم رددناه كباراً في ثورتنا التالية لثورة تونس، عن الشعب، الذي إذا يوماً أراد الحياة، فإن القدر لابد أن يستجيب. يبدو هو الآخر غير صالح للاستخدام بعد سنوات قليلة من الثورة التي تم اعتبارها إجابة. لا توجد أدلة واضحة عن ارتباط رغبة الشعب وإرادته في الحياة باستجابة القدر. رغبات الشعوب العربية بدت وكأنها غير كافية. الأمر بحاجة إلى قدرة، خطة، عمل، مواجهة.. ولعل هذا لم يحدث تماماً.
هذا يقودنا إلى جوهر المسألة كلها، إلى سؤال يتردد على المقاهي العربية، في تونس كما في القاهرة : هل نجحت الثورة أم فشلت؟!. سؤال يكشف بساطة زاوية النظر إلى المشهد الواسع. هناك اختيارات أخرى للثورات بين النجاح أو الفشل. الثورات تقوم، تهدأ، تبدأ، تنتهي، تستمر، تعيش، تموت. كلها أفعال يمكن لثورة أن تقوم بها.. دون أن تكون مخيرة فقط بين نجاح أو فشل. الأقواس واسعة، تحتوي إجابات عدة. وفي الثورات. يبدو وكأن الإجابات كلها صالحة لأن تكون صحيحة.
تونس سؤال. ومصر سؤال آخر، الإجابة هو ما جرى لاحقاً. تتشابه الأسئلة، تتشابه الإجابات، هذا يقودنا إلي مزيد من الأسئلة، لا إلى مزيد من الإجابات. السؤال معقد، يقرأ ألف مرة لنفهمه قبل أن نظن أنه بإمكاننا الحصول على إجابة صحيحة سريعة. غش النتيجة قد يقود إلى نجاح مؤقت. وآخر ما نتمناه لربيعنا العربي هو أن يصبح مغشوشاً.
جيل الربيع، قوته في أسئلته. صغير هو، يطرح أسئلة الصغار. ويواجه إجابات الكبار التقليدية التي تدعي امتلاك حقيقة مطلقة عن الشعوب.
الثورة سؤال. وهي ليست السؤال الوحيد. تونس ليست إجابة، فلا توجد إجابة بعد.
*مصر