13 يونيو 2021
ترامب والإخوان.. الصدام الوشيك
ليس ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أخيرا عن وجود اتجاه قوي ومنطقي" لدى إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن اعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية مستغربا، لا سيما أن الرجل أشار، في تغريدات سابقة على وصوله إلى البيت الأبيض، أو حتى في حديثه المقتضب في خطاب تنصيبه، إلى الإسلام الراديكالي المتطرّف بصفة العموم، من دون تمييز بين التنظيمات المسلحة، كتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، والتنظيمات السلمية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أكده وزير خارجيته آنذاك، ريكس تيلرسون، في كلمته في الكونغرس، وقد قال إن "هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية يجب أن تكون ضمن أولويتنا القصوى في الشرق الأوسط، وبعد تدميره، علينا التركيز على تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين". وكانت المرة الأولى التي يجمع فيها مسؤول أميركي كبير بين "القاعدة و"الإخوان"، فلا يوجد في أي من الدول الغربية من يعتبر "الإخوان المسلمين" منظمة إرهابية، ويضعها مع "القاعدة" في تصنيف واحد لنهج الجماعة السلمي، وربما تفرّدت في ذلك السعودية والإمارات ومصر. ما يطرح تساؤلا بشأن توقيت هذا الطرح الذي سبق أن قدمه نواب جمهوريون خمس مرات، آخرها نهاية العام 2016 بعد فوز ترامب، حيث قدم السيناتور الجمهوري المتشدد، تيد كروز، وآخرون، مشروع قرار للكونغرس بمجلسيه (مشروع قرار لكل غرفه) يطالب الإدارة الأميركية الجديدة، ممثلة في وزير الخارجية، بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين أجنبية إرهابية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإفادة الكونغرس خلال 60 يوما على الأكثر من صدور القرار بتقريرٍ يتضمن الإدراج أو حيثيات الرفض. ولم يلق مشروع القرار استجابة في حينها، ربما لوجود ملفات أكثر أهمية من ناحية، ولعدم وجود محفزات خارجية من ناحية ثانية.. والآن، يحاول بعضهم الربط بين هذا التوقيت وزيارة عبد الفتاح السيسي أخيرا واشنطن، وطلبه في جلسة خاصة اعتبار "الإخوان" جماعة إرهابية، وهو الطرح السعودي والإماراتي، ويبدو أن ترامب يفكر في الأمر، بالنظر إلى حجم المليارات
التي أخذها من السعودية والإمارات، فضلا عن الدور الحالي والمرتقب لمصر في تمرير صفقة القرن، وتوصيفه السيسي بأنه الرجل العظيم، وهروبه، هو ووزير خارجيته بومبيو، من الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.
وبالتالي، صرنا الآن أمام رغبة سياسية من ترامب في مجاملة هذه الدول، بعدما ساهمت ملياراتها في تحسين الأوضاع الداخلية من ناحية، وسياستها الخارجية في تمرير صفقة القرن المرتقبة من ناحية ثانية، ومن ثم وجدنا أن الإدارة الأميركية هي التي حرّكت الأمر هذه المرة، بناء على طلب خارجي، وليس نواب الكونغرس. ومن ثم، يحق لترامب أن يصدر أمرا تنفيذيا (executive order) لوزير خارجيته بومبيو، بإدارج جماعة الإخوان المسلمين في لائحة المنظمات الإرهابية. وبومبيو يسير على نهج ترامب وتيلرسون، في عدائه الإسلام السياسي بصفة عامة.
ولكن ربما تبرز هنا بعض الإشكاليات القانونية والسياسية في آن، أولاها ما يتعلق بتبرير الخارجية الأميركية هذا التصنيف، فالقانون الأميركي (قانون الهجرة) يحدد ثلاثة معايير للمنظمة التي تدرج في لائحة المنظمات الإرهابية: أن تكون أجنبية، وأن تكون ضالعة في النشاط الإرهابي، وأن تشكل نشاطاتها تهديدا لأمن مواطني الولايات المتحدة أو الأمن القومي، بما فيه الدفاع القومي، والعلاقات الخارجية، والمصالح الاقتصادية. وبالتالي، قد تكون هناك صعوبات في هذه الإثباتات، لا سيما في ظل عدم وجود كيان موحد باسم الإخوان المسلمين، خصوصا مع كثرة الانشقاقات التي شهدتها كيانات "الإخوان" في بلدانٍ عديدة، مثل مصر والسودان والجزائر وغيرها، ناهيك بوجود كيانات أخرى، ممثلة في البرلمان، أو الحكومات، تتبنّى الفكرة الإخوانية، ولكنها لا تصرح بأنها تتبع التنظيم رسميا. وحتى داخل الولايات المتحدة ذاتها، لا يوجد كيان يحمل اسم الإخوان المسلمين، كما يلاحظ وجود صعوبةٍ في إثبات الشرط الثالث المتعلق بتهديد الأمن القومي الأميركي، بل إن خبرات دول سابقة في هذا المجال أثبتت غير ذلك، ومنها تحقيقات الحكومة البريطانية عام 2016 التي لم تصنف "الإخوان" جماعة إرهابية، على الرغم من ضغوط الإمارات والسعودية أيضا في هذا الاتجاه، وهو ما دعمه أيضا التقرير، الصادر في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني الذي كان واضحا في هذا الشأن.
أما أبرز الإشكالات السياسية فيتعلق بعلاقات الولايات المتحدة مع الدول التي يوجد فيها "الإخوان" بصورة رسمية، ويشاركون في العمل المجتمعي أو العمل السياسي فيها أو المشاركة في الحكم بصورة أو بأخرى، إذ إن معنى اتخاذ هذا القرار مطالبة هذه الدول بأن تحذو حذو واشنطن في حظر الجماعة والتحفظ على أموالها، ومنع أعضائها من الدخول أو الخروج. وهو أمر صعبٌ إثباته، ناهيك بإمكانية التزام الدول به، خصوصا في ظل الانتشار الكبير للإخوان في العالم، فوفقا للقانون الأميركي، تترتب على تصنيف أي منظمة إرهابية تأثيرات قانونية، منها منع أي شخص في الولايات المتحدة، أو في أي منظمة خاضعة للسلطة القانونية فيها، من تقديم الأموال أو أي دعم مادي آخر لهذه المنظمة الإرهابية، وكذلك حرمان أعضائها من الحصول على تأشيرات دخول الولايات المتحدة، كما على المؤسسات المالية الأميركية تجميد الأموال التابعة لها ولعملائها، وإبلاغ مكتب ضبط الأرصدة الأجنبية في وزارة الخزانة عن هذا التجميد. أي باختصار منع دخول "الإخوان" الولايات المتحدة، وقد يكون هذا ممكنا بالنسبة
للقيادات المعروفة، وهم قلة. ولكن ماذا عن القيادات الوسيطة والصغرى؟ وهل سيقتصر الأمر على إخوان مصر أم باقي الإخوان في العالم؟ ناهيك بإمكانية الوقوع في حرج مع دول تعتبرها السعودية والإمارات ومصر من داعمي "الإخوان"، كتركيا وقطر، وهل ستوقع واشنطن عقوبات عليها، حال عدم التزامها بذلك، وما هي الأدلة على هذا الدعم؟
القرار المزمع صدوره غير واضح المعالم لعدم تحديد مفهوم "الإخوان" بدقة، اللهم إلا إذا اقتصر على الإخوان المسلمين في مصر فحسب، وهناك اتجاه يؤيد ذلك داخل الإدارة الأميركية حلا وسطا في ظل إصرار ترامب على المجاملة السياسية للرياض والقاهرة وأبوظبي. وقد أعطى القانون الأميركي لوزير الخارجية الحق في تعديل التصنيف، حال تغيير المنظمة المعنية اسمها، أو إنشاء كيانات أخرى تابعة لها، من دون الإفصاح عن ذلك، لكنه اشترط، في المقابل، ضرورة الإثبات وتقديم الأدلة. وفي المقابل، أعطى للمنظمة المعنية حق الطعن في القرار أمام المحاكم في واشنطن، شريطة تقديم أدلتها، كما أعطى للكونغرس الحق في نقض القرار، ناهيك بحق المنظمة المعنية في تقديم التماس لوزير الخارجية لإلغاء هذا القرار، والبت فيه خلال 180 يوما. وإذا كان هذا الخيار مستبعدا، والأمر نفسه بالنسبة للكونغرس، فقد يكون القضاء ساحة أخيرة، حال إصرار ترامب على المضي في قراراته المثيرة للجدل، والتي ستؤدي إلى حدوث إرباك وتعقيدات كبيرة في علاقات واشنطن الخارجية، كما أنها قد تغذّي التيارات الراديكالية العنيفة التي لا تؤمن بجدوى العمل السلمي في مواجهة اليمين المحافظ والشعبوية وإسرائيل.
ولكن ربما تبرز هنا بعض الإشكاليات القانونية والسياسية في آن، أولاها ما يتعلق بتبرير الخارجية الأميركية هذا التصنيف، فالقانون الأميركي (قانون الهجرة) يحدد ثلاثة معايير للمنظمة التي تدرج في لائحة المنظمات الإرهابية: أن تكون أجنبية، وأن تكون ضالعة في النشاط الإرهابي، وأن تشكل نشاطاتها تهديدا لأمن مواطني الولايات المتحدة أو الأمن القومي، بما فيه الدفاع القومي، والعلاقات الخارجية، والمصالح الاقتصادية. وبالتالي، قد تكون هناك صعوبات في هذه الإثباتات، لا سيما في ظل عدم وجود كيان موحد باسم الإخوان المسلمين، خصوصا مع كثرة الانشقاقات التي شهدتها كيانات "الإخوان" في بلدانٍ عديدة، مثل مصر والسودان والجزائر وغيرها، ناهيك بوجود كيانات أخرى، ممثلة في البرلمان، أو الحكومات، تتبنّى الفكرة الإخوانية، ولكنها لا تصرح بأنها تتبع التنظيم رسميا. وحتى داخل الولايات المتحدة ذاتها، لا يوجد كيان يحمل اسم الإخوان المسلمين، كما يلاحظ وجود صعوبةٍ في إثبات الشرط الثالث المتعلق بتهديد الأمن القومي الأميركي، بل إن خبرات دول سابقة في هذا المجال أثبتت غير ذلك، ومنها تحقيقات الحكومة البريطانية عام 2016 التي لم تصنف "الإخوان" جماعة إرهابية، على الرغم من ضغوط الإمارات والسعودية أيضا في هذا الاتجاه، وهو ما دعمه أيضا التقرير، الصادر في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني الذي كان واضحا في هذا الشأن.
أما أبرز الإشكالات السياسية فيتعلق بعلاقات الولايات المتحدة مع الدول التي يوجد فيها "الإخوان" بصورة رسمية، ويشاركون في العمل المجتمعي أو العمل السياسي فيها أو المشاركة في الحكم بصورة أو بأخرى، إذ إن معنى اتخاذ هذا القرار مطالبة هذه الدول بأن تحذو حذو واشنطن في حظر الجماعة والتحفظ على أموالها، ومنع أعضائها من الدخول أو الخروج. وهو أمر صعبٌ إثباته، ناهيك بإمكانية التزام الدول به، خصوصا في ظل الانتشار الكبير للإخوان في العالم، فوفقا للقانون الأميركي، تترتب على تصنيف أي منظمة إرهابية تأثيرات قانونية، منها منع أي شخص في الولايات المتحدة، أو في أي منظمة خاضعة للسلطة القانونية فيها، من تقديم الأموال أو أي دعم مادي آخر لهذه المنظمة الإرهابية، وكذلك حرمان أعضائها من الحصول على تأشيرات دخول الولايات المتحدة، كما على المؤسسات المالية الأميركية تجميد الأموال التابعة لها ولعملائها، وإبلاغ مكتب ضبط الأرصدة الأجنبية في وزارة الخزانة عن هذا التجميد. أي باختصار منع دخول "الإخوان" الولايات المتحدة، وقد يكون هذا ممكنا بالنسبة
القرار المزمع صدوره غير واضح المعالم لعدم تحديد مفهوم "الإخوان" بدقة، اللهم إلا إذا اقتصر على الإخوان المسلمين في مصر فحسب، وهناك اتجاه يؤيد ذلك داخل الإدارة الأميركية حلا وسطا في ظل إصرار ترامب على المجاملة السياسية للرياض والقاهرة وأبوظبي. وقد أعطى القانون الأميركي لوزير الخارجية الحق في تعديل التصنيف، حال تغيير المنظمة المعنية اسمها، أو إنشاء كيانات أخرى تابعة لها، من دون الإفصاح عن ذلك، لكنه اشترط، في المقابل، ضرورة الإثبات وتقديم الأدلة. وفي المقابل، أعطى للمنظمة المعنية حق الطعن في القرار أمام المحاكم في واشنطن، شريطة تقديم أدلتها، كما أعطى للكونغرس الحق في نقض القرار، ناهيك بحق المنظمة المعنية في تقديم التماس لوزير الخارجية لإلغاء هذا القرار، والبت فيه خلال 180 يوما. وإذا كان هذا الخيار مستبعدا، والأمر نفسه بالنسبة للكونغرس، فقد يكون القضاء ساحة أخيرة، حال إصرار ترامب على المضي في قراراته المثيرة للجدل، والتي ستؤدي إلى حدوث إرباك وتعقيدات كبيرة في علاقات واشنطن الخارجية، كما أنها قد تغذّي التيارات الراديكالية العنيفة التي لا تؤمن بجدوى العمل السلمي في مواجهة اليمين المحافظ والشعبوية وإسرائيل.