يكثّف النظام السوري، خلال الآونة الأخيرة، قصفه لقرى وبلدات الريف الجنوبي من محافظة إدلب، شمالي سورية، ولا سيما في جبل الزاوية، الذي توقفت المعارك على تخومه في بداية مارس/ آذار الماضي، إثر اتفاق موسكو وأنقرة لوقف إطلاق النار. وتعكس هذه التطورات نيّة النظام وحلفائه، وخصوصاً الإيرانيين، لخرق الاتفاق بشكل أوسع، في محاولة لاستفزاز فصائل المعارضة والجيش التركي، وجرّهم إلى الرد، ومن ثم استئناف المعارك بهدف التقدم نحو جبل الزاوية، والوصول إلى الطريق الدولي حلب - اللاذقية "أم 4" المار من إدلب، ما يعني الوصول أيضاً إلى مدينة أريحا، الواقعة على الطريق. ولم يخفِ إعلام النظام هذه النوايا، وهو ظلّ يروج لها منذ توقف المعارك، وحتى اليوم. من جهتها، تتهم تركيا مجموعات موالية لإيران، بمحاولات متكررة لخرق وقف النار إلى جانب قوات النظام، وهي المحاولات التي أجّلت تسيير دورية جديدة روسية – تركية مشتركة على الطريق الدولي، بسبب القصف المستمر.
تتهم تركيا مجموعات موالية لإيران بمحاولات متكررة لخرق وقف النار، ما أجّل تسيير دورية جديدة روسية – تركية مشتركة
وتوصلت روسيا وتركيا إلى وقفٍ لإطلاق النار في إدلب، في شهر مارس/آذار الماضي، بعدما شنت القوات التركية، عملية عسكرية ضد قوات النظام السوري إثر استهداف جنودها في إدلب ضمن عمليات تقدم النظام جنوب وشرق إدلب و"منطقة خفض التصعيد" عموماً، التي تضم كامل محافظة إدلب وأجزاءً من أرياف حماه الشمالي والغربي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي، والتي تقدمت إليها قوات النظام بدعم روسي وإيراني وقضمت منها مساحات واسعة ولا سيما شمال حماه وجنوب وغرب حلب وجنوب وشرق إدلب. ويقضي الاتفاق بتسيير دوريات عسكرية مشتركة على الطريق الدولي حلب – دمشق "أم 4" المار من إدلب، تمهيداً لإعادة الحركة التجارية والطبيعية إليه، وذلك يعد هدفاً أساسياً بالنسبة إلى روسيا، إلا أن إيران، والتي باتت تضيق من الاتفاقيات الثنائية بين أنقرة وموسكو، وتحييدها من إطار التفاهمات، تحاول تخريب الاتفاق بهدف خلق واقع جديد، يكون لها فيه اليد الطولى.
وجدّد النظام السوري صباح أمس الأربعاء، عمليات قصفه لجبل الزاوية، جنوب الطريق الدولي "أم 4" في ريف إدلب الجنوبي، وذلك تزامناً مع انتشار الجيش التركي في محيط الطريق، تمهيداً لتسيير دورية مشتركة مع القوات الروسية عليه. وتركز القصف المدفعي والصاروخي على قرى وبلدات الفطيرة وسفوهن وكنصفرة وبليون وعين لاروز وكفرعويد والبارة، وكذلك على محيط تلك القرى والبلدات التي شهدت أخيراً حركة نزوح جديدة من المنطقة باتجاه المناطق الأكثر أمناً.
وذكرت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد"، أن الدورية المشتركة رقم 23 بين الروس والأتراك، التي كان من المقرر أن تسير على الطريق الدولي حلب - دمشق أول من أمس الثلاثاء، تمّ تأجيلها للمرة الثانية، وذلك بسبب استمرار قصف النظام وخرقه لاتفاق وقف النار، الذي ينص في أحد بنوده على تسيير هذه الدوريات على الطريق. وأشارت المصادر إلى أن تأجيل الدورية جاء للمرة الثانية على التوالي خلال يومين، إذ إن القوات التركية انتشرت صباح الثلاثاء في محيط الطريق، لكن لم يتم تسيير الدورية بسبب مواصلة النظام قصفه على جبل الزاوية.
وكان الجيشان الروسي والتركي قد سيّرا الدورية المشتركة رقم 22 منتصف الأسبوع الماضي على الطريق المذكور، وسط إجراءات أمنية مشددة، وذلك عقب تعرض الدورية الـ21 لهجوم بعبوة ناسفة، أسفر عن إصابة 3 جنود روس. وسارت الدورية الـ22 على مسافة تجاوزت 60 كيلومتراً على طول المسافة الخارجة عن سيطرة قوات النظام، وأكملت الدورية الروسية طريقها إلى مناطق سيطرة النظام في ريف اللاذقية بعد وصولها إلى نقطة حور العين بريف المحافظة، وهي آخر نقطة وصول مقررة بحسب الاتفاق لسير الدوريات من جهة الغرب، على أن تكون بدايتها من بلدة النيرب قرب مدينة سراقب، شرقي إدلب.
واتهمت وكالة الأنباء التركية الرسمية، "الأناضول"، في تقرير لها أول من أمس، مجموعات تابعة لإيران بالعمل على تخريب وقف إطلاق النار شمالي سورية. ونقلت الوكالة عن مصادر في المعارضة قولها إن المجموعات التي وصفتها بالإرهابية، التابعة لإيران وقوات نظام الأسد، تحاول تخريب اتفاق وقف النار بمنطقة إدلب. وأوضحت المصادر لمراسل الوكالة، أن هذه المجموعات وقوات النظام تحاول تخريب الاتفاق عبر قصف المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية المعتدلة، بقذائف المدفعية والهاون والصواريخ. وأكد تقرير الوكالة أن تلك المجموعات استهدفت بالقصف الصاروخي والمدفعي، خلال الفترة الأخيرة، مناطق الفطيرة، كنصفرة، سفوهن، البارة، كفر عويد، عين لاروز، بنين الرويضة، وبيلون، الواقعة جنوب الطريق الدولي "أم 4" بين حلب واللاذقية. وأفادت المصادر بأن النظام ومجموعات إيران، تحشد قواتها في سراقب ومعرة النعمان وسهل الغاب التي سيطرت عليها خلال الحملة الأخيرة على منطقة خفض التصعيد، مشيرة إلى أن قوات النظام استدعت عدداً كبيراً من المقاتلين وأسلحة ثقيلة إلى خطوط التماس مع فصائل المعارضة.
يحشد النظام ومجموعات إيران قواتهما في سراقب ومعرة النعمان وسهل الغاب التي سيطروا عليها خلال الحملة الأخيرة على منطقة خفض التصعيد
بدورها، أكدت مصادر من المعارضة المسلحة، لـ"العربي الجديد"، أن المليشيات الإيرانية عززت من تواجدها إلى جانب قوات النظام، في كل من معرة النعمان وكفرنبل جنوبي إدلب، وسراقب وسط المحافظة، بالإضافة إلى غربي حماة، حيث تعد تلك المواقع المصدر الرئيسي للخروقات، ما يشير إلى احتمالية استئناف هذه القوات للمعارك، والتوغل أكثر في عمق إدلب ومنطقة خفض التصعيد. وبحسب معلومات لـ"العربي الجديد" توصلت إليها أخيراً، فإن "الحرس الثوري الإيراني" أشرف على نقل مجموعات كبيرة من المليشيات التي يدعمها إلى جبهات إدلب. وتتخذ هذه المليشيات من مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي مقرّاً لها، إضافة إلى بلدتي عينجارة وأورم الكبرى في ريف حلب الغربي، ومن أبرزها "كتائب الإمام علي"، و"حزب الله"، و"لواء الرضوان".
وقبل أيام، نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء، عما أسمته مصدراً ميدانياً من "الفرقة 25 مهام خاصة" التابعة للنظام، قوله إن تعليمات وصلت إلى قادة التشكيلات العسكرية المرابطة على خطوط النار، تقضي بضرورة رفع الجاهزية واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة، وتعزيز الجبهات، تحسباً لأي توتر قد تشهده الجبهة خلال الأيام القليلة المقبلة. وأوضح المصدر أن "وحدات الجيش السوري في ريف إدلب، عملت أخيراً على نقل واستقدام تعزيزات نوعية إلى ريفي إدلب وحماة، تضمنت عربات ومدافع وعتاداً وذخيرة، في ضوء استمرار المجموعات المسلحة، بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، وشنّ هجمات شبه يومية على مواقع الجيش في جبل الزاوية وسهل الغاب".
ورأى السياسي التركي يوسف كاتب أغلو، في حديث مع "العربي الجديد" أن إيران "تسعى إلى تخريب وقف إطلاق النار، لأنها تعتبر نفسها باتت خارج اللعبة السياسية بعدما جرى تهميشها، وهذا ما يتعارض مع مشروعها الأيديولوجي التوسعي في سورية والمنطقة، فإيران لديها مليشيات في سورية، وهدفها الأساسي إحداث تغيير ديمغرافي، من أجل تحقيق المشروع الأيديولوجي الإيراني المسمى بالهلال الشيعي، وبالتالي فإن التوافق الروسي - التركي يتعارض مع هذه الرؤية التي تقوم أساساً على نشر المليشيات في سورية لتنفيذها، وهو أمر لا يمكن أن تقبل به تركيا" .
وبرأي كاتب أوغلو، المقرب من الحكومة في أنقرة، فإن "أنقرة تعلم اليوم أن الموقف الإيراني ضعيف، إذ إن القوة المتنفذة في سورية حالياً هي روسيا، كما أن التفاهمات الروسية - التركية باتت الأصل، ولذلك فإن طهران تسعى من خلال قوة تواجدها العسكري إلى جانب النظام على الجبهات، إلى إبطال وقف إطلاق النار".
وحول إجراءات الرد التركية، يشير كاتب أوغلو، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن "إيران لا تزال طرفاً أساسياً بالنسبة إلى أنقرة، لاسيما في ما يتعلق بمسار أستانة، وإن كانت طهران لم تلتزم بكل مخرجات هذا المسار". وشدد على أن بلاده "لا تسعى إلى غلق الباب سياسياً ودبلوماسياً في وجه طهران، إلا أنها تحمّلها مسؤولية التصعيد وانهيار الاتفاقات، وربما ذلك ما دفع أنقرة إلى تفعيل مسار جديد (سوتشي )". وأعرب عن اعتقاده أن تركيا "ستبقي على شعرة معاوية بينها وبين إيران، لتحميلها المسؤولية حول التصعيد في إدلب، وهذا ما أشارت إليه تصريحات لمسؤولين أتراك".
أما بالنسبة إلى وقف النار في إدلب، فلا يعتقد كاتب أوغلو أنه سينهار حالياً، نظراً لنتائج ذلك الكارثية على كل الأطراف. ورأى أنه "على الرغم من تباين الرؤى بين موسكو وأنقرة حول الملفات، لا سيما في ليبيا وسورية، إلا أنه من مصلحة روسيا الإبقاء على التفاهمات الإيجابية مع تركيا، للبناء حول مزيد من التقدم فيها"، مستبعداً "عودة روسية إلى الوراء بخصوص تفاهمات إدلب".