بصمات الإشعاع العربي الأندلسي على الهوية البرتغالية
معالم حضارية
تتسم العديد من المدن البرتغالية بملامح عربية إسلامية، كانت نتيجة التلاقح الحضاري والثقافي في الأندلس، بصمات فنية عربية تبرهن على حضور تاريخي متميز في كبرياء وشموخ لم يستطع الزمن والأيادي إخفاءه.
فلا تكاد مدينة برتغالية تخلو من أثر عربي، خاصة في المعمار الذي لا يستطيع أحد طمس هويته العربية المتفردة في التشييد والزخرفة، فالقلاع والحصون العربية ما زالت شهادة على الوجود العربي في البرتغال، برغم تغيير أسمائها العربية واستبدالها بأسماء برتغالية، كقلعة مدينة شلب والقصور التي كان يقيم بها الولاة والحكام في الغرب Al Gharve وفيرا Feira والكوباتا Al Cobaça وغيرها من المدن التي استوطنها العرب.
أما المساجد الأندلسية، فقد تحولت بعد طرد المسلمين إلى كنائس مسيحية في معظم دول البرتغال، لكنها ظلت محافظة على ملامح الفن الإسلامي على مستوى الشكل والزخرفة، وهناك نماذج متعددة لهذا التحول كمسجد مدينة مرتولا Mertola، الذي تحول إلى كنيسة من دون تغيير شكله، فالأعمدة تحمل الزخرفة العربية والزليج والأبواب ذات الطابع العربي.
حي الفاما Alfama في البرتغال اليوم، وهو حي عربي وسط مدينة لشبونة ما يزال محتفظا بسماته الأندلسية الواضحة على الدور والمباني بشرفاتها وواجهاتها المزخرفة بالزليج، الأزقة الضيقة الملتوية، النخيل، المطاعم والحانات التي تقدم عروضا لموسيقى الفادو ليل نهار.
معالم ثقافية
كان التأثير العربي في اللغة البرتغالية مهما على غرار الإسبانية، حيث نجد كلمات برتغالية تحمل اليوم إما التكوين اللغوي العربي أو ما زالت تحمل الهوية العربية نفسها، وخلصت الأبحاث أن هناك أكثر من أربعة آلاف كلمة برتغالية من أصول عربية، وأن هناك أيضا العديد من التعابير البرتغالية هي ترجمة حرفية لعبارات كان يستخدمها عرب الأندلس كعبارة: "الله أعلم"، "إن شاء الله" والتي تنطق أوشالا.
ومن الكلمات البرتغالية ذات الأصل العربي:
- خليفة: Califa
- الزيت: Azeite
- الزليج: Azulejo
- ناعورة: Nora
- سلطان: Soltâo
- المحتسب: Almotacé
- إمام: Imâ
- مدرسة: Madraçal
- مطرقة: Matraca
- طنبور: Tambor
- أمير: Emir
- القفة: Alcofa
الموسيقى الأندلسية كانت من أقوى العوامل المؤثرة في الثقافة البرتغالية، حيث كان الشعراء العرب من العناصر الضروري وجودها في بلاط وقصور الملوك المسيحيين، بالإضافة إلى الآلات الموسيقية العربية التي استفادت منها البرتغال وأوروبا عامة، وظلت تحتفظ بأسمائها الأصلية كالرباب Rubeba والعود Alude والبوق Al Bogue والطنبور.
تأثر أيضا فن الطبخ البرتغالي بالموروث العربي الأندلسي فما زال البرتغاليون يستعملون بعض التقنيات العربية لحفظ المأكولات، كاستخدام بعض المحليات كالعسل والسكر، زيت الزيتون، الملح والخل، استعمال بعض التوابل الخاصة كالقرفة، الزعفران Azafràn ، الحبقة Albahaba ... أيضا بعض أدوات المطبخ التي تحمل ليومنا أسماء عربية مثل:
- الجرّة Jarra Jarro
- المهراس Almofariz
- الكسكاس Cuscuzeiro
من أشهر الأكلات البرتغالية اليوم ذات الأصل العربي الأرز بالحليب والقرفة Arroz doce.
كما أنهم من المجتمعات الأوروبية القليلة التي ظلت محافظة على عادة اجتماع الأسرة حول مائدة الطعام، وإقامة الولائم للعائلة والأصدقاء من أجل مشاركة الأكلات التقليدية كعادة المجتمعات العربية.
أما في مجال الزراعة، فقد كان للأندلسيين فضل كبير على البرتغال للسبق العربي في هذا المجال، فأخذوا باستخدام آليات مثل الناعورة لتطوير زراعة الزيتون، طوروا من إنتاج السكر باستعمال الطاحونة المائية لعصر القصب، حتى أدوات الزراعة التقليدية التي يستخدمها صغار الفلاحين اليوم مطابقة لتلك التي استخدمها العرب قديما، دون أن ننسى تنوع المحصول الفلاحي للبرتغال من خضر وفواكه بفضل ما تركه وطوره العرب.
في مجال الملاحة، ساهمت الأدوات الملاحية البرتغالية من أصل عربي في الانتقال بهم من المناطق الساحلية إلى ملاحة أعالي البحار وخوض غمار الاستكشافات البحرية في القرن الخامس عشر، نتيجة لكتابات العرب حول تحديد المركز المغناطيسي للأرض وحركة الرياح والأمواج.. إضافة إلى تطويرهم التقنيات الملاحية العربية وأدوات الملاحة كالكمال والأسطرلاب.. التي استفادت منها البرتغال كثيرا واستحداث وسائل أخرى سمحت بتحديد خط العرض في البحر، ومراقبة الشمس عند الظهر والنجم القطبي خلال الليل..