انتحار على سكة المترو في مصر

01 اغسطس 2018
الفتيات انضممن إلى قائمة المنتحرين (كارستن كول/ Getty)
+ الخط -
ليست حالات الانتحار في مصر جديدة، لكنّ استغلال المترو في ذلك هو الجديد، إذ تزايدت حالات الموت في أنفاق القاهرة

تحولت محطات مترو القاهرة إلى وسيلة جديدة، يتجه إليها عدد من الشبان والفتيات بهدف الانتحار، بل بات خبر الانتحار "تحت عجلات المترو" معتاداً في الفترة الأخيرة، إذ أقدم كثيرون على ذلك بدوافع متنوعة. اللافت هو انخفاض سن هؤلاء المنتحرين.

شهد رصيف محطة "أحمد عرابي" على الخط الأول "حلوان - المرج"، الإثنين الماضي، انتحار ثلاثيني قفز أمام المترو ليتحول إلى أشلاء في الحال، بينما بدأت التحقيقات لمعرفة الملابسات، وانتظار إصدار النيابة الأمر بالدفن. وتسبب الحادث في ارتباك حركة المترو بالخط الأول. قبل أيام أيضاً، أقدم عشريني على الانتحار بالطريقة نفسها في محطة "المرج"، وذلك عقب انتظاره أكثر من 15 دقيقة أعلى رصيف المترو، وعند اقترابه وقع أمامه ليدهس جسده بالكامل، بحسب شهود عيان.

في بداية يوليو/ تموز الماضي هزّ مقطع فيديو مشاعر الأهالي، عندما أقدمت فتاة في محطة "ماري جرجس" على الخط الأول أيضاً، على الانتحار عقب تحرك المترو، فصدمها وصرعها على الفور. أثار الحادث مشاعر حزن ويأس بين الأهالي، تجلت في تعليقاتهم في الشوارع والأماكن العامة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وربط البعض بين انتحار الفتاة وحالات أخرى مشابهة، بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية الضاغطة.




في المقابل، تمكنت القوات الأمنية في محطة مترو "الشهداء"، في الأول من يوليو أيضاً، من إنقاذ أمين شرطة حاول الانتحار بإلقاء نفسه أمام المترو. وبعد إنقاذه تبين أنّه يعاني من عدة أزمات، من بينها مشاكل عائلية وأخرى متعلقة بالعمل دفعته إلى ذلك.

لا يقتصر الأمر على هذه الحالات والمحاولات، بل يتوقع البعض زيادة حالات الانتحار أمام المترو، كونها طريقة مجربة وسريعة. وفي هذا الإطار، هناك مطالب مقدمة لمساعد وزير الداخلية لشرطة النقل والمواصلات، اللواء مصطفى النمر، بتشديد الرقابة على محطات المترو لإنقاذ من يمكن إنقاذه من الانتحار. عقد النمر اجتماعاً مع عدد من مساعديه وعدد من الضباط، لمواجهة عمليات الانتحار على سكة المترو، إلاّ أنّ الجميع أكدوا صعوبة السيطرة على مثل هذا الفعل، لعدم معرفتهم بالشخص الذي ينوي الانتحار في المحطات أثناء تجمع الأهالي في انتظار وصول المترو.

تشير أرقام غير رسمية إلى زيادة معدلات الانتحار في مصر خلال السنوات القليلة الماضية، وتتجدد التساؤلات حول ذلك، لكنّ السلطات لا تتعامل بشفافية مع تلك الظاهرة، ولا تصدر وزارة الصحة إحصاءات واضحة بعدد الحالات، لتفتح بذلك المجال واسعاً أمام التقديرات.

يعتبر المتخصصون في علم الاجتماع في مصر، أنّ الظروف الاقتصادية التي تخلق حالة من الاكتئاب لدى الشباب، تقف خلف زيادة الانتحار ومحاولاته خلال السنوات الأخيرة خصوصاً. تقول أستاذة علم الاجتماع بجامعة "عين شمس" الدكتورة سامية خضر إنّ المشاكل المادية والعاطفية المسببة للاكتئاب وغياب الوازع الديني أساس عمليات الانتحار في مصر، معتبرة أنّ الشباب بدأوا يختارون أسرع طرق الموت من خلال إلقاء أنفسهم أمام المترو، أو استخدام وسائل عنيفة كإلقاء أنفسهم عن مرتفعات. تشير إلى أنّ الشاب عندما يقرر الانتحار يختار الوسيلة الأقرب إلى ذهنه ويستخدمها، على عكس الانتحار بالسم أو تناول عقاقير معينة التي تحتاج إلى تخطيط، لافتة إلى أنّ زيادة عمليات الانتحار وصلت إلى رقم مخيف إذ أصبحت ظاهرة لا بدّ من تكاتف الجميع، بمن فيهم الدولة لمواجهتها.

تعتبر أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة "المنيا" الدكتورة نشوى عمر، أنّ حوادث الانتحار بالوقوف أمام المترو والتي من بينها حالات لفتيات، هي ظاهرة جديدة. تشير إلى أنّ طائفة كبيرة من الشعب المصري تعيش أوضاعاً معيشية صعبة خصوصاً من جراء الإصلاحات الاقتصادية التي أجرتها الحكومة مؤخراً، وبالتالي يشعر المواطن بالهوان حيال عدم قدرته على تحقيق أسباب معيشته فيهرب إلى الانتحار.




تتابع عمر أنّ الجديد في حالات الانتحار خلال السنوات الأخيرة الابتعاد عن الوسائل الصعبة باتجاه وسائل أسهل، كالوقوف أمام المترو وهي طريقة سريعة لا ألم فيها أو توقع للشعور بالعذاب. تقول إنّ هناك دولاً كثيرة عالجت الانتحار بكلّ الطرق، أما في مصر، فلا حياة لمن تنادي، ولا يشعر أحد بما يسببه الانتحار من ألم نفسي لأفراد أسرة المنتحر والمحيطين به، فكأن من مات "أراح واستراح". تتابع: "نحن أمام كارثة حقيقية، فالجميع يعي جيداً أنّ الانتحار حرام دينياً، لكنّ الظروف الصعبة هي التي تجبر البعض على ذلك".
المساهمون