استدعاء أثرياء الخارج.. سلطات حضرموت في مهمة استقطاب الأموال المهاجرة

10 اغسطس 2017
المحافظة اليمنية الأكبر تتعطش للاستثمارات الكبيرة (Getty)
+ الخط -






تبذل سلطات محافظة حضرموت شرقي اليمن، جهوداً مكثفة في الأسابيع الأخيرة لاستقطاب رأس المال الحضرمي المهاجر، للاستثمار في المحافظة الأكبر في البلاد.

وتتمتع محافظة حضرموت التي تقع شرقي اليمن بموقع جغرافي استراتيجي يشرف على منافذ برية مع السعودية وموانئ على بحر العرب، فضلاً عن عوامل جذب سياحية بفضل التنوع الجغرافي الذي يشمل شريطاً ساحلياً هو الأكبر في اليمن، إضافة إلى مناطق صحراوية وسهول ووديان، إلى جانب قيام حضارة قديمة على أراضيها لا تزال شواهدها باقية إلى اليوم في مقدمتها مدينة "شبام"، أقدم ناطحات سحاب في العالم مبنية من الطين.

ولا يترك محافظ حضرموت اللواء فرج سالمين البحسني، مناسبة أو محفلاً إلا ويطلق دعوته لرأس المال المهاجر بالاستثمار في داخل المحافظة، مستنداً في ذلك إلى حالة الاستقرار النسبي الذي تشهده حضرموت خصوصاً مناطق الساحل بفضل انتشار قوات الأمن التي تشكلت خلال العامين الماضيين.

وقال البحسني، في تصريح صحافي أخيراً، "المحافظة باتت مهيأة لنشاط استثماري وتنموي، ويتوجب الآن على رؤوس الأموال في الخارج أن تقف إلى جانب حضرموت وأهلها ونحن سنكون عوناً لهم". وأضاف في تصريحات صحافية متفرقة أن الفرص والمزايا الاستثمارية بحضرموت تختلف عن أي مرحلة مضت، وذلك بما تنعم به من استقرار أمني، مؤكداً أن "السلطة المحلية ستعمل على تقديم كافة التسهيلات لجذب مزيد من المستثمرين الجادين للمحافظة من رجال الأعمال من ذوي الأصول الحضرمية في الخارج والتخلص من الإجراءات التي كانت تعيق المستثمرين في الفترة السابقة".

في ذات الإطار، بحث محافظ حضرموت قبل أيام مع رئيس هيئة الأعيان بالجالية اليمنية بالرياض، الشيخ عبدالله أحمد بامشموس، دعوة رجال المال والأعمال من أبناء حضرموت إلى الاستثمار بالمحافظة من خلال إقامة عدد من المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات.
وكان محافظ حضرموت قد التقى رجال أعمال ومستثمرين في دول الخليج أواخر الشهر الماضي وناقش معهم المشاريع الاستثمارية التي من الممكن تنفيذها بالمحافظة لرفد الاقتصاد المحلي وتستوعب عدداً كبيراً من العمالة الفائضة في المحافظة.

وكشف البحسني، في اللقاء، عن رغبة المحافظة في تنفيذ مشروع منطقة صناعية بمدينة الشحر تبلغ مساحتها 22 ألف كم مربع، داعياً التجار ورجال الأعمال والشركات إلى الدخول في منافسة لتنفيذ المشروع.

ومنذ قيام الوحدة في عام 1990، حاول نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح استمالة المال الحضرمي المهاجر إلى صفه وإعادته إلى الواجهة محلياً، إلا أن القاعدة التي يتعامل معها أرباب رؤوس الأموال الحضارم، والتي تقوم على الابتعاد عن المماحكات السياسية، حالت دون ذلك وإن بدا البعض من رجال الأعمال في حالة انسجام مع الحكومات المتعاقبة.

وتحاول السلطة المحلية بحضرموت إرساء تجربة جديدة لاستقطاب المال الحضرمي المهاجر في الخليج بعيداً عن تجربة عام 2005، أثناء الاحتفالات بعيد تحقيق الوحدة اليمنية الخامس عشر بالمكلا، والتي دعا حينها نظام الرئيس المخلوع صالح رجال الأعمال المهاجرين إلى الاستثمار في المحافظة، وكانت هناك بوادر لإقامة مشاريع عملاقة إلا أن التجربة فشلت بسبب حزمة من الإجراءات التعسفية، وحالة الفساد المستشري آنذاك.

وقد تسير إجراءات السلطات السعودية الأخيرة بفرض رسوم شهرية على المقيمين لصالح دعوات الاستثمار في حضرموت، من خلال عودة رؤوس الأموال الصغيرة منها، لاسيما أن المقيمين في السعودية من أبناء حضرموت يشكلون رقماً صعباً بالمملكة.
وبالرغم من أن رأس المال الحضرمي المهاجر يسهم بشكل أو بآخر بمشاريع خيرية وتنموية في حضرموت، إلا أن السلطات والشارع في المحافظة يرون أن تلك الإسهامات لا تزال في حدها الأدنى.

وتبدو محاولات السلطات في حضرموت في استقطاب المال المهاجر محفوفة بالعديد من التحديات، بالرغم من حالة الاستقرار الأمني النسبي بالمحافظة إلا أن الحالة العامة التي تشهدها البلاد لا تزال تؤثر بشكل أو بآخر على المحافظة.
ويعتقد مختصون أن الإجراءات التي اتخذها محافظ حضرموت الجديد، البحسني، لمراجعة قانونية وفنية لمشاريع عقارية اعتمدت في عهد المحافظ السابق أحمد بن بريك بعد أن دارت حولها شكوك، قد تشكل عائقاً أمام قدوم مستثمرين جدد.

ويقول أستاذ المالية المشارك بجامعة حضرموت، ومستشار محافظ حضرموت للشؤون الاقتصادية، عوض عصب، إن دعوات الاستثمار في المحافظة دائماً ما يطلقها أي محافظ، وهذه دعوات إيجابية لكن لابد أن تتواكب مع إجراءات عملية ملموسة تعطي الاطمئنان الأكثر لهؤلاء المستثمرين.

وأضاف قائلاً لـ "العربي الجديد": "نعرف أن رأس المال جبان بشأن الخوض في مشاريع استثمارية مالم تكن لديه رؤية واضحة بحجم الأرباح التي سيحققها، ورأس المال الحضرمي أكثر جبناً في أن يخوض مخاطرة في مثل هكذا وضع".

ويرى عصب، أن هناك بعض المشاريع الاستثمارية خصوصاً في الجانب العقاري تم اعتمادها ودار حولها شيء من الشك في جوانبها الفنية والقانونية ـ في إشارة لمشاريع اعتمدت في عهد المحافظ السابق ـ لكن في المقابل، هناك إجراءات من قبل المحافظ الجديد لتشكيل لجان لإخراج هذه المشاريع إلى بر الأمان وتفنيد ما يحاك ضدها من أنها مشاريع قد لا تكون فيها مصداقية فنية وقانونية.

وتابع: "تلك اللجان تعطي انعكاسات سلبية لدى المستثمرين الآخرين. أتمنى ألا تكون هناك قرارات في معالجة الجوانب الفنية أو مراجعة الجوانب القانونية للمشاريع، فلا يعقل أن أحصل أنا كمستثمر على موافقة على مشروع معين خلال فترة زمنية معينة وتأتي سلطة أخرى تشكك في مصداقية ذلك المشروع بإعادة النظر فيه فهذا مؤشر يعيق أي إقدام إيجابي لمستثمر مستقبلي، لكن يمكن معالجة أي خلل في الإطار الإداري".

وأوضح الخبير الاقتصادي أن حضرموت تحتاج لاستقطاب المال المهاجر، لكن ذلك يتطلب خارطة اقتصادية واضحة لحضرموت، هذه الرؤية تحدد مزايا الاستثمار في مناطق معينة وفقاً للقطاعات الاقتصادية، مثلاً ما هي الأماكن المحددة للاستثمار الزراعي، ما هي الأماكن المحددة للاستثمار في مجال الأسماك، وغير ذلك.

وفي إجابته عما إذا كانت هناك مخاوف لدى المستثمرين ورأس المال المهاجر، قال عصب إنه لا توجد مخاوف في هذا الاتجاه، وإنما المشكلة أنه لا يوجد وسيط علاقات دولية أو علاقات عامة يروج ويرغّب في الاستثمار في المحافظة، مطالباً بإنشاء دائرة للترويج والاستقطاب تتخاطب مع بيوت المال الحضرمية في الخارج لترغيبهم في فرص الاستثمار، بكل شفافية بعيداً عن السلطة لتجنب حكاية التشكيك.




المساهمون