المغرب والجزائر.. سباق عبثي

19 اغسطس 2015

في المنطقة الحدودية بين المغرب والجزائر (Getty)

+ الخط -
تداولت وسائل الإعلام المغربية شراء المغرب أسلحة متطورة، غواصة روسية وراجمات صواريخ صينية ومروحيات عسكرية أميركية. كل هذه الترسانة الحربية من أجل ماذا؟ طبعا، تدخل في إطار تسلح المغرب ضد الأخطار المحدقة به، فقد بينت الحروب الجديدة المشتعلة في الشرق الأوسط أن العدو ليس دائما خارجياً، وإنما يمكن أن يظهر وينمو في الداخل. لذلك، لا بد من أخذ الحيطة والحذر، قبل أن يشتعل الحريق، فقد بينت استراتيجية الحرب الباردة أن الردع خير دفاع.
تحدثت وسائل الإعلام المغربية التي احتفى أغلبها بهذا التسلح عن مدى قوة الصواريخ المغربية الجديدة التي باتت قادرة على أن توصل نيرانها إلى العمق الجزائري. وبالنسبة للإعلام المغربي، تصنف الجزائر عدواً استراتيجياً، بسبب موقفها المناوئ للمغرب في قضية الصحراء، وقد سبق للبلدين الجارين أن خاضا معارك مباشرة عامي 1963 و1978، ومعارك بالنيابة عبر جبهة بوليساريو، دامت أكثر من 16 سنة، وهناك من وسائل الإعلام المغربية من يعتبر أن البلدين مازالا في حالة حرب غير معلنة، على اعتبار أن ما حصل في الصحراء مجرد وقف لإطلاق النار، وليس إنهاء للحرب التي قد تندلع بين فينة وأخرى بين المغرب وجبهة بوليساريو التي تؤويها الجزائر وتسلحها وتدعمها.
على الطرف الآخر، اعتبر الإعلام الجزائري التسلح المغربي وإشارات الإعلام المغربي إلى قدرة الصواريخ المغربية على ضرب العمق الجزائري استفزازا للجزائر، وتحولا في استراتيجية الدفاع المغربية، وتغييرا لموازين القوى العسكرية في المنطقة، وتهديدا للسلم في المنطقة.. وهلم جرا من العبارات الكبيرة التي تتردد دائما على لسان إعلام الجارين "العدوين" في كل مناسبة وبلا مناسبة، وبسبب وبدون سبب.

والواقع أن الجزائر هي نفسها، وفي عز الارتفاع الذي شهدته أسعار البترول في السنوات الماضية، بادرت إلى تعزيز ترسانتها الحربية، من آخر منتجات الأسلحة الروسية والصينية والفرنسية والمعدات الألمانية، وكأن البلاد على أهبة حرب تقرع طبولها عند بوابة حدودها الغربية مع المغرب. طبعا، للجزائر حدود شاسعة مفتوحة على كثير من بؤر التوتر في ليبيا ومالي، بالإضافة إلى حالة الانفلات الأمني على الحدود مع تونس. وربما حدودها الوحيدة الآمنة في المنطقة هي التي بينها وبين المغرب! ومن هنا السؤال: على من ستشن الجزائر أو المغرب الحرب بكل هذه الأسلحة التي تكلف شعبيهما مليارات الدولارات؟
فأحدث دراسة صادرة عن المركز الدولي لأبحاث السلام في استوكهولم، قبل أسبوع، أظهرت أن الجزائر تعتبر أول مستورد للسلاح في أفريقيا، متبوعة بالمغرب في المرتبة الثانية، وتمثل مشتريات الجزائر من الأسلحة ما نسبته 30% من حجم المشتريات في افريقيا، بينما تمثل مشتريات المغرب 26%، أي أن الدولتين معا تسيطران على أكثر من نصف مشتريات القارة السمراء من الأسلحة، مع كل ما يتطلبه ذلك من نفقات من المليارات. وطبقا لمصادر متطابقة، تعد الميزانيتان العسكريتان للبلدين من الأضخم في العالم، فقد تجاوزت الميزانية العسكرية للجزائر هذا العام سقف 13 مليار دولار، أما الميزانية العسكرية المغربية فتزيد عن 4 مليارات دولار. وعلى المستوى العالمي، تأتي الجزائر والمغرب في المرتبتين، 11 و13 على التوالي، على قائمة الدول الأكثر استيرادا للأسلحة في العالم.
لم يتوقف هذا السباق المحموم والمقلق، نحو التسلح بين البلدين الجارين، منذ سبعينات القرن الماضي، مع كل ما استنفده وما يستنفده حتى يومنا هذا من ميزانيتهما من مليارات الدولارات التي أنفقت على حساب تنمية شعبيهما.
كلا البلدين دخلا في حرب مفتوحة على ما يسمى "الإرهاب" الذي أصبح خطره عابرا للقارات، يهدد جميع الدول، ومن حق الجزائر، كما من حق المغرب، التحضر لهذا الخطر الداهم. لكن، ألم يكن من الأجدى لو أن البلدين الجارين تعاونا على مواجهة التهديد والخطر الذي يواجههما؟
وقد أظهرت تجارب الدول العربية السلطوية، في العراق وسورية وليبيا واليمن، أن ترسانة السلاح التي كلفت شعوب هذه الدول بلايين الدولارات، بذريعة الدفاع وحماية الأوطان، سرعان ما انكفأت ضد شعوبها لقمعها وإبادتها. لا ينبغي أن ننسى أن الجزائر كانت أول دولة عربية تشهد حربا أهلية أودت بآلاف من أبنائها، مازالت نيرانها مستعرة، بسبب ضيق أفق عسكرها الذي لم تعجبه نتائج أول انتخابات ديمقراطية، تشهدها البلاد منذ استقلالها. كما لا ينبغي أن ننسى أن المغرب يأتي بعد تونس كأول بلد مصدر للإرهابيين إلى بقاع التوتر في العراق وسورية، وأغلب هؤلاء يدفعهم فقرهم وحاجتهم إلى الارتماء في أحضان التطرف. ألم يكن من مصلحة البلدين إنفاق كل الأموال التي تهدر في شراء أسلحة تترك في المخازن للتآكل والصدأ، في ما هو أجدى وأنفع، أي تعليم وصحة وتنمية شعوبها ودمقرطة مجتمعاتها؟ أليست هذه هي أكبر المشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية التي تحولت إلى حاضنة ومنتجة ومصدرة ومستهلكة للإرهاب والتطرف؟

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).