المجلس الدستوري في لبنان يختصر أزمة النظام

13 نوفمبر 2014
اعتصام أمام المجلس الدستوري عام 2013 (حسين بيضون)
+ الخط -
في الشكل، أقرّ الدستور اللبناني، وجود مجلس دستوري، وظيفته البتّ في دستورية القوانين والمراسيم التي تصدر عن مجلسي النواب والوزراء. جاء هذا الإقرار في التعديل الذي أُدخل عام 1990 على الدستور عبر وثيقة الطائف. منذ ذلك الحين إلى اليوم، لم يعمل هذا المجلس بشكلٍ فعال، في أيٍ من المحطّات التي مرّ بها البلد. يكفي الاستماع إلى المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان أمس الأربعاء. تحدث الرجل عن أن إنتاجية المجلس تتأثّر بـ"نظرة الدولة إلينا"، ودعا أعضاء المجلس إلى عدم التأثر بالسلطة السياسيّة التي تُعيّنهم. هذا الأمر صعب، خصوصاً إذا أدركنا أن تعيين الأعضاء العشرة يجري مناصفة بين مجلسي النواب والوزراء، وهو ما يعني أنه يستدعي توافقاً سياسياً بين الكتل الرئيسيّة لتعيين الأعضاء.

هكذا يفقد المجلس الذي بدأ عمله عام 1994، قدرته ليكون حارس الدستور اللبناني. لا يُعيد مقر المجلس، الذي يكاد يكون من أجمل القصور التي تملكها الدولة اللبنانيّة، جزءاً من هذه الهيبة. ربما يكون شكل القصر وجماليته، أكثر معبّر عن دور المجلس الدستوري: هيئة وُجدت لتجميل النظام اللبناني، وليس لوضع حدّ لتجاوزات الحاكمين فيه. وربما يكون الفشل في لعب الدور المنصوص عليه دستورياً، هو أبرز معبر عن فشل السلطة في لبنان في تطبيق اتفاق الطائف، واقتصار الأمر على مجرد بعض مواده.

كان المشهد بالأمس في المقر/القصر مأساوياً. وصل أعضاء المجلس بالتوالي لينضموا إلى رئيسه سليمان في المؤتمر الصحافي. استمعوا لما قاله سليمان، ولم يعترضوا. فهو قال إن إنتاجية المجلس تتأثر بنظرة الدولة له، أكثر من تأثرها بتبعية الأعضاء السياسية "فالتعديل الدستوري الذي سمح بإنشاء المجلس في عام 1990 لم يلحظ سلطة المجلس في تفسير الدستور، وهو ما يقلص صلاحياتنا". كما طرح سليمان إشكالية النصاب الذي "يحتاج إلى حضور ثمانية أعضاء من أصل عشرة، أما التصويت فيحتاج إلى سبعة أصوات من أصل الحاضرين، ما يسمح لأقلية حاضرة وممتنعة من تعطيل تصويت الأكثرية الحاضرة على أي ملف مطروح". يبدو تفسير سليمان الأخير مخرجاً للمجلس الدستوري خلال نظره في الطعن الذي ستقدمه كتلة "التغيير والإصلاح" (نواب الجنرال ميشال عون) خلال أيام، رفضاً للتمديد الثاني لمجلس النواب.

يصف سليمان ما جرى في عام 2013 "بالنكسة" التي تمثلت في تغييب ثلاثة أعضاء (محسوبين على حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي) عن جلسات النظر في قانونية التمديد الأول لمجلس النواب اللبناني، بحجة "تعذر إجراء الانتخابات في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة".

مثلت تلك الحادثة سطوة السلطة السياسية على كافة السلطات في لبنان حتى القضائية المستقلة منها. كما تثبت المراجعة التاريخية لأعمال المجلس وقوعه دوماً تحت سلطة مجلسي النوب والوزراء المكلفين بتعيين الأعضاء العشرة مناصفة.

ويعود تاريخ تسييس المجلس الدستوري إلى عام 1994 عندما استقال الرئيس الأول للمجلس وجدي ملاط، فتشكل المجلس الثاني في عام 1997 وترك مجلسي النواب والوزراء "الدستوري" من دون تعيين أعضاء جدد حتى عام 2009. يومها عينت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أعضاءها الخمسة، لتلحق بمجلس النواب الذي سبقها إلى تلك الخطوة في عام 2008. خلال هذه الفترة أصدر أعضاء المجلس الذين تجددت ولايتهم تلقائيا بسبب عدم تعيين بدلاء، 95 قراراً، منها 61 طعناً في انتخابات عامي 2005 و2009.

أطلق رئيس المجلس عصام سليمان تعهداً للرأي العام اللبناني بـ"النظر في الطعون التي ستقدم ضد التمديد الثاني لمجلس النواب"، لكنه طالب في الوقت عينه أعضاء المجلس بـ"ممارسة استقلاليتهم القضائية التي كفلها الدستور، والكف عن التبعية السياسية للأحزاب التي رشحتهم لعضوية المجلس".

يتحدث أعضاء المجلس الدستوري عن مجلسهم بوصفه "واحداً من أهم مكتسبات الرقابة القضائية التي أقرتها وثيقة الوفاق الوطني في عام 1989"، لكنهم يقفون عاجزين أمام عتبة طعن جديد. لا شيء يضمن تغيير موقف أعضاء المجلس في التهرب من الطعن بالتمديد الثاني للبرلمان.

المساهمون