القصاص للغشّاشين

22 يونيو 2016
إعادة النظر في أنظمة التقييم والامتحان (فرانس برس/GETTY)
+ الخط -

يُجابَه خرق النظام بتدابير مشددة، علّها تعيد الأمور إلى نصابها، أي "تقوّم" كل شذوذ أو خروج عن السكة، التي يرى المسؤولون عن تلك الأنظمة المخترَقة، أنها الطريق الآمن والضابط للأمور.

وإن كان الغش في الامتحانات هو خروج عن "سكة" النظام وخرق لقواعده، فكيف الحال مع تسريب الامتحانات الذي "دوّى" بشكل صارخ هذا العام، في كثير من البلدان، والذي اتخذ من "فيسبوك" ميداناً له.

وبما أن أحد المبادئ العلمية ينص على أنّ لكل قاعدة شواذ، وإن الشذوذ عن القاعدة هو جزء منها، فالغش الذي كان ولا يزال جزءا من الامتحانات، الجزء الشاذ عن "سكة" الامتحانات، فكذلك الأمر بالنسبة للتسريب الذي أخذ شكلأ أكثر تطوراً، سهّلته التقنيات التكنولوجية وفضاء الإنترنت المفتوح.

المضحك المبكي في الموضوع، حال الهلع التي أصابت "الأنظمة" التي وجدت في تسريب الامتحانات هذا العام وفي أكثر من بلد، تهديداً صارخاً لهيبتها وسمعتها، وعامل زعزعة لمكانة الشهادة التي ينالها طلاب العلم.

تخبطت وزارتا التربية والداخلية، الأولى باشرت بالتحقيق الداخلي في دوائرها ومكاتبها، وتشدد إجراءات الرقابة وتمنع إدخال الهواتف "الذكية" إلى مراكز الامتحانات، والثانية لم تكتف بالتهديد والوعيد كعادتها، وإنما قررت الضرب بيد من حديد، وجرّت من اشتبهت بضلوعه في الغش والتسريب أو نشر الأسئلة وتوزيعها، بمقابل أو غير مقابل، إلى المعتقل. حتى إن التصعيد بلغ ذروته عندما دعا مسؤولون إلى "عسكرة" النظام التربوي.

وتخطت مجريات الامتحانات الثانوية حدود الأوطان، وانتقلت العدوى كالنار في الهشيم إلى أكثر من بلد، ولم يعد السؤال المطروح عن مواعيد الامتحان وسياقه، وإنما عن التسريب الحاصل للأسئلة وتوقيت نشر الإجابات، حتى إن صفحات التسريب عبر "فيسبوك" نالت شهرة وإقبالاً من المتابعين، رغم معارضة المعارضين. ومن "أحدث" ردود الفعل على ما يجري المطالبة بإشراف دولي على الامتحانات لضبط "الغشاشين".

هو التدبير المعتاد وغير المفاجئ، فهكذا يكون القصاص لكل من تسول له نفسه الخروج عن "السكة". الغريب أننا لم نسمع تصريحاً واحداً من الوزارات المعنية يعترف بوجوب إعادة النظر في النظام التعليمي والتربوي الذي يتراكم الاعتراض بشأنه ويتزايد ويتضخم إلى الحدّ الذي خرج فيه عن حجمه الطبيعي في موسم الامتحانات الحالي، وبدا فاقعاً ومتخطياً لمنطق الأمور.

لا نشجع أعمال الغش والتسريب، ولو وجدنا فيها ما يبررها، ولكن لا يجب قطعاً تبرير إبقاء الأنظمة التعليمية على ما هي عليه على مدار العقود، أو ترقيعها. ما هو حاصل، أكبر دليل على ضيق جموع الطلاب، "مستقبل" الأوطان، بطرق وأساليب تعليمية لم تعد صالحة في نظرهم، واختبارات للتقييم باتت محل اعتراض واستياء لاعتمادها كمقياس يحدّد مؤهلات الطلاب وقدراتهم وكفاءتهم.

اعتدنا على حكومات تعالج النتائج وتتعامى عن الأسباب، فهو الطريق الأسهل للهروب من الأزمات. المشكلة ليست في الغش ومن يغش في الدرجة الأولى، بل في النظام التعليمي الذي يخرّج أعداداً من الغشاشين، تفوقت قدراتهم وأساليبهم على وزارات التربية والداخلية معاً.

هي لحظة مساءلة وتقييم للمسؤولين عن التعليم والتربية وأدائهم، وكفاءتهم في قيادة منظومة العلم والتعلّم في بلداننا، قبل لوم ومحاكمة الطلاب الذين استفادوا من تسريب الامتحانات.

ثغرات كبيرة وفجوات تتسع على مدى السنوات، وتفضح خلل "السكة" التي لم تعد مناسبة. سكة التعليم التي ملأها الصدأ والهريان وتحتاج للتغيير.

مأزق النظام التربوي التعليمي في البلدان العربية عموماً يزداد ويستفحل، وتتحول الامتحانات الرسمية عاماً بعد عام إلى ساحة نزال "تربوية" كيدية بين السلطة ومعارضيها. ولن يكتب النجاح فيها لسياسة لا تعالج أخطاءها وترمي نتائج فشلها على الآخر، والآخر هذه المرة هم الطلاب.
دلالات
المساهمون