نور أبو العجين.. طالبة غزية أوقفت دراستها بسبب الحرب ثم عادت لتتفوّق في الثانوية العامة
استمع إلى الملخص
- **التحديات التي واجهتها نور**: واجهت صعوبات بسبب الحرب واستشهاد أقاربها، لكن بدعم عائلتها ومدرستها، تغلبت على هذه الظروف.
- **دعم العائلة وتأثير النجاح**: عائلتها دعمتها بشكل كبير، ونجاحها جلب الفرح للعائلة. نور قررت دراسة اللغة الإنجليزية، مقتدية بوالدها.
لم يكن والد نور أبو العجين يحتاج إلى الاتصال بعائلته في دير البلح وسط قطاع غزة، ليبلغها بنجاح وتفوق ابنته في امتحانات الثانوية العامة. كانوا قد عاجلوه بالاتصالات ليباركوا له بعدما استمعوا إلى اسمها بين العشرة الأوائل، خلال بيان متلفز لوزارة التربية والتعليم، بثته وسائل الإعلام.
وراء ذلك التفوق قصة نجاح صعبة بسبب ظروف الحرب التي لاحقت تيسير وأسرته، رغم أن تيسير أبو العجين يقطن مع زوجته وأبنائه في مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله وسط الضفة الغربية. فبعدما مرت به نور من أجواء صعبة ووضع نفسي أدى إلى انقطاعها عن الدراسة مع بداية الحرب لأكثر من عشرين يوماً، وانقطاعات لفترات مختلفة لاحقاً، لم يكن يتوقع منها أن تفاجئه بتسجيل اسمها في الترتيب الثالث مكرر على مستوى الضفة الغربية في الفرع الأدبي، في ظل حرمان أكثر من 39 ألفاً من طلاب الثانوية العامة داخل قطاع غزة، بينهم أقارب لها.
نور أبو العجين والدراسة "بين اجتياح واشتباكات"
تقول نور أبو العجين لـ"العربي الجديد" إنها انقطعت عن الدراسة مرات عدة، بسبب ظروف الحرب، منها حين استشهد اثنان من أبناء أعمامها في قطاع غزة. "كان من الصعب عليّ في هذه الفترة متابعة دراستي وإعطاؤها حقها. كنت أنقطع لفترات مختلفة عن الدراسة في حال وجود اجتياح أو اشتباكات في المناطق التي تعيش فيها عائلتنا، وخصوصاً حين يحصل شيء قرب بيت جدي، لأن كل الأجواء في البيت كانت تتأثر بذلك. لكن الحمد لله استطعت أن أعوض كل ذلك".
لأيام أو أسابيع، انقطعت نور عن الدراسة، لكنها في نهاية المطاف استطاعت تجاوز الأمر حين قالت لنفسها كما تشرح، إن يوم نتائج الامتحان سيأتي، وقررت ألا تستسلم، بمساعدة عائلتها.
يقول والدها تيسير لـ"العربي الجديد": "العام الدراسي الماضي مرّ صعباً بكل المقاييس، فابنتي بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي رفضت الدراسة، إلا بعد انتهاء العدوان على غزة، وتوقفت عن الذهاب إلى المدرسة لأكثر من عشرين يوماً، في انتظار أن تنتهي الحرب".
استطاعت العائلة إقناعها، كما يقول، بالعودة للدراسة، لأن الحرب قد تطول لعام أو عامين، وطلبت العائلة منها أن تدرس بما تستطيع دون أن تثقل على نفسها. وما ساعدها كما يؤكد تيسير، طريقة المدرسة في التعليم واعتماد أسلوب الامتحانات اليومية التي تساعد على ترسيخ المواد الدراسية في ذهن الطلبة.
انقطعت نور عن الدراسة مرة أخرى لفترة مماثلة للأولى حين استشهد اثنان من أبناء أعمامها كما يشرح تيسير، "فقد كانت الأجواء الحزينة في المنزل لا تعين على الدراسة، وكان الحزن الشديد يخيم على العائلة، واحتاجت إلى شهر تقريباً للتعافي من تلك الأجواء".
لم يتوقع تيسير أن تحصل ابنته على هذه المرتبة المتقدمة، بمعدل 99%، والترتيب الثالث مكرر على الفرع الأدبي، فهي كانت تعود من الامتحانات وتشكو صعوبتها. لكنه رغم ذلك طلب من العائلة متابعة البيان الصحافي المتلفز لوزارة التربية والتعليم، وقد سألته ابنته حينها: "هل يأمل أن أكون من الأوائل؟"، يقول: "أجبتها ربنا كبير، فإذا باسمها الثالث على مستوى الوطن".
شيرين بدران أبو العجين، والدة نور، والتي تعد نفسها صديقة لها وليست أماً فقط، تشرح لـ"العربي الجديد" صعوبة ما مرت به ابنتها والعائلة. تقول: "قبل أن تبدأ الدراسة، من المفترض أن تكون الطالبة مرتاحة نفسياً، لكن كل شيء كان يؤثر عليها. ففي البداية، تعاملت كأنها صحافية العائلة تتابع المنصات وتنتقل بنا من خبر إلى آخر".
لكن تعامل العائلة، كما تقول شيرين، ساعد الابنة، فهي لم تحاول أن تضغطها نهائياً، ولم تطلب منها أن تثقل على نفسها بالدراسة، بل أقنعتها بالدراسة بشكل هادئ وتدريجي، فـ"الحياة يجب أن تتواصل، والوطن يحتاج لمن يعمره، لا أن يستسلم المرء للأمر الواقع في عام مصيري يُعتبر حصاداً لاثنتي عشرة سنة"، كما تقول العائلة.
نزحت عائلة تيسير أبو العجين أكثر من عشر مرات. يقول إن "أشقاءه نزحوا من حيي تل الهوى والرمال في مدينة غزة إلى بيوت للعائلة في دير البلح وسط القطاع، لكن العائلة اضطرت للنزوح هناك عشر مرات، بسبب أوامر الإخلاء والاجتياحات المتكررة للمنطقة. وعادت العائلة إلى منازلها في دير البلح، وأصيب شقيقه الأكبر بالتهاب الكبد الوبائي وسافر إلى مصر للعلاج، وحرم أربعة من أبناء أشقائه وشقيقته من التقدم لامتحان الثانوية العامة، وهم ضمن 15 طالباً من عائلة أبو العجين كباقي طلبة قطاع غزة".
في ظل كل تلك الظروف القاهرة، استطاعت نور أن تغير ولو قليلاً مما تمر به العائلة، فهي فاجأت الجميع بما حققته، وفرحة عائلتها التي تسكن قطاع غزة لا توصف، كما يقول والدها، حتى أن زوجة شقيقه قالت عبر الهاتف: "لو أنها لم تفقد ابنها شهيدا لزغردت ابتهاجا بتفوق نور".
وتقول والدتها في السياق ذاته: "إن نجاح نور زرع الفرحة بقلوب العائلة، لكن بشكل خاص في قلوب الأهل في غزة، ليخرجهم ولو قليلاً من حالة الحزن الشديد، رغم الصعاب التي يواجهونها"، قائلة إن "لديهم قدرة كبيرة على التحمل لا تستطيع أن تتخيلها".
تدرك نور أبو العجين الفرحة الكبيرة لعائلتها في غزة، فهي طالما كانت على تواصل معهم خلال الحرب، تحمل همومهم، لكنهم فرحوا كثيرا كما قالوا لها، وهي في المقابل ترى ألا كلمات يمكن أن توفي ما يتعرضون له.
قررت نور دراسة اللغة الإنكليزية، ربما اقتداءً بوالدها الذي يعمل مدرسا للغة الإنكليزية، وهو يتمنى أن تتاح فرصة تقديم الامتحانات لطلبة غزة ولأقاربه هناك، متمنياً على وزارة التربية والتعليم أن تضع برنامجاً يتناسب مع أوضاعهم لتنفيذه بعد انتهاء الحرب، ويختصر عليهم إعادة سنة دراسية كاملة، من خلال عمل رزم دراسية يمكن إنهاؤها بفصل دراسي واحد، ليتمكن الطلبة هناك من إنهاء مرحلة هامة من حياتهم، لعلهم يحققون أحلامهم بالالتحاق بالجامعات، فمن أبناء أشقائه، كما قال، من كان يحلم بدراسة الطب أو الهندسة، ولا بد من مساعدتهم على تحقيق تلك الأحلام.