القدس في عيد الميلاد... بهجة تخفي مأساة الاحتلال

25 ديسمبر 2015
يصرّ المقدسيون على العيش رغم الاحتلال(عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
يتزيّن الطريق إلى حارة النصارى أو كما تُعرف بـ"الحي المسيحي" في البلدة القديمة من القدس المحتلة، حيث المحال التجارية، بدءاً من سوق خان الزيت مروراً بسوق الدباغة وحتى مشارف كنيسة القيامة، بهدايا عيد الميلاد ودمى بأحجام مختلفة للبابا نويل. لا تعكس هذه الزينة مظاهر الحزن وانعدام الشعور بالأمن والسلام في مدينة القدس وحيّها العتيق، إذ لا يزال بضعة آلاف من المسيحيين الفلسطينيين يقيمون في هذا الحي الذي عانى على مدى سنوات الاحتلال ولا يزال، من نزيف هجرة مستمرة قلّصت أعداد سكانه إلى أكثر من النصف.

بالنسبة للمقدسي جورج زمبيل، فإنّ القدس لا تزال تفتقد الأمان والسلام اللذين تحدّث عنهما في رسالته بطريرك القدس للاتين، فؤاد طوال، بمناسبة عيد الميلاد. كما تعيش هذه المدينة شبح أعمال القتل والحصار وارتقاء الشهداء. يُمنع أقرباء جورج في رام الله وغزة من دخول القدس وبيت لحم وإقامة حتى الشعائر الدينية في هذه المناسبة.

حنا خضر من سكان عقبة البطيخ في البلدة القديمة من القدس، يشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "أبناء القدس هم الأكثر حاجة اليوم للأمن". أنهى خضر شراء ثلاث دمى صغيرة لبابا نويل ليهديها لأحفاده، بما أن "هذا العيد للأطفال لا يحلو إلّا بهذه الهدايا التي تدخل الفرحة والسرور إلى قلوبهم"، يقول خضر.

ويبادر الفلسطيني المسلم، نعيم الصالحي، جار ميشيل النبر من سكان حي الجبشة في القدس، إلى تهنئة النبر بعيد الميلاد. يصافح صديقاً آخر له، يدعى أنطون سنيورة، متمنياً "الطمأنينة للجميع، بعد مرور شهرين على وداع القدس العديد من الشهداء" حدّ تعبير الصالحي.

"ما نريده هو العيش بسلام، وأن يرحل الاحتلال عن مدينتنا إلى الأبد"، يقول ميشيل النبر لـ"العربي الجديد"، وهو يشير إلى مجموعة من جنود الاحتلال استوقفوا ثلاثة فتية كانوا قد خرجوا للتو من مدرسة الأيتام بعدما انتهوا من تقديم امتحاناتهم الفصلية.

اقرأ أيضاً: شجرة "الحياة مقاومة".. رسالة الفلسطينيين في أعياد الميلاد

مضايقات في العيد

في سوق الدباغة، أو ما يعرف بـ"سوق أفتيموس"، الذي يؤدي إلى كنيسة القيامة، تزدحم المنطقة بالجنود وبحواجز الاحتلال الحديدية التي تعيق كما كل عام، وصول المحتفلين بهذا العيد، وكذلك الحجاج المسيحيين القادمين من إيطاليا والفاتيكان واليونان وقبرص. في حين بدأت الأجواء تتوتر خصوصاً من قبل الشبيبة المسيحية المقدسية التي عانت العام الماضي من هذه الحواجز ومن ممارسات جنود الاحتلال، وانتهت في حينه إلى اشتباكات بالأيدي بين الطرفَين، أوقعت العديد من الإصابات.

كذلك طاولت المعاناة، في هذه الأيام، تجار محلات البضائع السياحية، إذ يقول معتز ناصرالدين لـ"العربي الجديد": "ننتظر هذه المناسبة بفارغ الصبر. نعتمد على حركة السياحة خلال العيد وقبله. لكن هذه الحواجز تمنع حركة السياحة عندنا، وتحجب عدداً كبيراً من السياح الذين يختارون سوق (كاردو) الإسرائيلي في الحي اليهودي، لشراء ما يلزمهم". ويأتي هذا العام في ظروف أكثر صعوبة من الناحية التجارية بسبب الأحداث الدامية التي شهدتها القدس، وحملات الدهم الضريبي اليومية المستمرة، يقول ناصرالدين.

لا يختلف حديث جورج شبيطة أحد أصحاب المحال السياحية قرب جامع عمر المتاخم لكنيسة القيامة، عما ذكره ناصرالدين، فـ"المعاناة واحدة، طواقم بلدية الاحتلال والضريبة لا تفرّق بين مسلم ومسيحي. كلنا في نظرهم عرب مكروهون، ولعلهم يشعرون بمتعة وهم يصادرون البضائع ويقتحمون المحلات بعنف حتى عشية أعياد الميلاد. لا يبالون بمشاعر الناس. أنت عربي، إذاً أنت مطارد. وبعد هبّة القدس، باتوا يتصرفون بعنف أكبر ووحشية لم نعهدها من قبل".

رغماً عن الاحتلال

تزدحم أسواق القدس بالمارة وخصوصاً الأمهات والأطفال على الرغم من ممارسات الاحتلال. إلّا أن هذه التحضيرات تعكس أجواء أخرى من مظاهر الحياة التي يصرّ المقدسيون على أن يعيشوها بتفاصيلها، ليس المسيحيون فحسب، بل المسلمون أيضاً، كما يقول التاجر المقدسي إيهاب الرشق. كما هيّأ إيهاب وزملاؤه التجار لمسيرة كشفية انطلقت من نادي الهلال المقدسي وجابت شوارع المدينة لإحياء ذكرى المولد النبوي التي وضعت للمناسبة إدارة الأوقاف الإسلامية برنامجاً خاصاً لها في المسجد الأقصى.

إحياء المناسبتين والاحتفال بهما، كرّس لدى أبناء القدس المسلمين والمسيحيين، قاسماً مشتركاً آخر، إذ قُرعت أجراس الكنائس وصدحت بالتراتيل لتلتقي مع عزف الموسيقى الوطنية التي تخلّلتها مقطوعات من النشيد الوطني الفلسطيني وسط انتشار مكثف لجنود الاحتلال، بدا بعضهم متجهّماً وهو يرمق بنظرات غضب فتية ارتدوا الكوفية الفلسطينية وحمل بعضهم علم فلسطين.

اقرأ أيضاً تغوّل المستوطنين في القدس: عائلات بدوّامة قلق الإخلاء والمصادرة

المساهمون