الصحراء البيضاء: تحفة طبيعية في الواحات المصرية

06 مايو 2015
أشكال جيولوجيّة نادرة (Getty)
+ الخط -

الصحراء البيضاء، درّة الصحراء الغربية في مصر، وإذا كان الدرّ يتميز ببريقه اللؤلؤي الشديد البياض، فكذلك الأمر في هذه الصحراء. والجميل في هذه التحفة أنها تثبت لكل من زارها أن الصحراء ليست مجرد رمال صفراء، فهي على النقيض من الصحارى التقليدية، ناصعة البياض وحافلة بمعالم الجمال التي تمتّع أنظار الزوّار. احتفظت بتنوعها الحيوي، فأعلنتها السلطات المصرية محمية طبيعية في عام لتكون متحفاً مفتوح الأبواب.

تقع محمية الصحراء البيضاء في مكان بعيد في قلب الصحراء الغربية على بُعد 570 كيلومتراً، تقريباً، من العاصمة المصرية القاهرة، وهي في الجهة الشمالية من واحة الفرافرة في محافظة الوادي الجديد التي تنأى عنها بمسافة 45 كيلومتراً، ومساحتها الإجمالية نحو 3981 كيلومتراً مربعاً.

وقد اكتسبت هذه الصحراء اسمها من لونها، إذ يغطي اللون الأبيض معظم أرجائها، وهو بالطبع منبثق من لون رمالها النقية وصخورها البلورية، مما يضفي عليها جمالاً فريداً، ويجعلها أحد المزارات المهمة للسائحين الذين يفدون إليها من كل حدب وصوب للتخييم فيها، والتمتع بمناظرها الخلابة. تشرق الشمس أو تغرب، فإن أشعتها تشكّل مع لون الصحراء الأبيض لوناً وردياً أو أزرق، يثير دهشة من يرنو إليه.

ومن الجدير بالذكر، أن بيئة هذه الصحراء تُعَدُّ مكاناً مثالياً للاستشفاء، ولقضاء أوقات سعيدة في التأمل والشعور بالسلام التام والطمأنينة. لذلك هي القبلة التي يحج إليها كل محبّ للسياحة البيئية، وكل من يرغب في القيام برحلات السفاري. ويشجع على ذلك كون الصحراء البيضاء مكاناً برياً آمناً لا توجد به الآن أيّ زواحف ضارة أو حيوانات خطرة.

إقرأ أيضاً: أين "سافر" شعراء العرب: عنترة مرَّ من هنا
يكمن سر بياض هذه الصحراء في التركيب الجيولوجي لسطحها، فهو مكوّن من صخور الطباشير الأبيض. أمّا مصدر هذا الطباشير فهو البحر. وقد كان جدّ البحر الأبيض المتوسط الحالي، المعروف ببحر "تيثيس" Tethys، يغطي شمال أفريقيا وأجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية وإيران.

ومنذ نحو 80 مليون سنة، أي خلال العصر الجيولوجي المعروف بالطباشيري (الكريتاسي)، انحسرت مياه ذلك البحر، تاركةً وراءها قاع البحر خالياً إلا من بقايا أصداف وهياكل الحيوانات الجيرية التي كانت تعيش في قاع البحر في تلك الحقبة الزمنية. ومن المعروف أن هذه الحيوانات حينما تموت تهبط إلى قاع البحر، وتخلّف وراءها صخوراً من الطباشير. فلمّا تراجع البحر عن منطقة الصحراء البيضاء في مصر، انكشف قاعه، وظهر هذا اللون الأبيض.

تعدُّ الصحراء البيضاء فريدة بوجود ظاهرة "الكارست" Karst، وهي ظاهرة جيومورفولوجية (أي تتعلق بشكل سطح الأرض) تحدث في المناطق الجيرية الرطبة، تتمثل في تكوين بنَى (أجسام) ناصعة البياض ذات أشكال مختلفة ناجمة عن التآكل الكيميائي والهيدروجرافي للصخور الجيرية. كما تتكون هذه الأشكال بفعل عوامل النحت والتعرية كالرياح والمطر.

وتوجد أنواع مختلفة من هذه الأشكال التضاريسية التي لا مثيل لها في أي صحراء في العالم، فبعض هذه الأشكال أشبه بتماثيل طبيعية، في حين يشبه بعضها الآخر الفطر النووي أو فطر عش الغراب. ومنها ما يراه كلّ شخص بنظرة مختلفة، وفقاً لنظرية الجشتلط. فهناك تكوينات تماثل مخروط الآيس كريم، وأخرى تماثل شكل خيمة البدوي. وتبدو هذه الأشكال والتكوينات من بعيد كأنها معالم مدينة سكنية،‏ حتى إذا اقترب المرء منها اعتقد أنها جبالٌ ثلجية، وإن وقف أمام صخورها ظنّ أنها تماثيل من صنع فنان ماهر‏.

تحتوي الصحراء البيضاء بين جنباتها على أحافير حيوانات بحرية لا فقارية منقرضة، بما في ذلك أسنان أسماك القرش التي كانت تعيش في بحر تيثيس القديم. وفي هذه الصحراء، أيضاً، بقايا أشجار متحجرة، طُمِرت فيها منذ ملايين السنين. وتوجد، أيضاً، أشجار سنط معمّرة يبلغ عمرها زهاء 300 عام، ما يجعل تلك الصحراء متحفاً علمياً مفتوحاً للباحثين. وبالإضافة إلى ما سبق، تنتشر بها التلال الشديدة الانحدار، كما بعض الكثبان الرملية البيضاء التي تتميز بجمال منظرها، وسحرها حينما تنعكس عليها أشعة الشمس، صباحاً أو خلال الغروب، أو حينما يغمرها نور القمر في الليل البهيم.

إقرأ أيضاً: القشلة تروي حكايات العراق بعد صمت عقدين
تتميز محمية الصحراء البيضاء بتنوع بيئاتها الإيكولوجية، وغناها بالتنوع الحيوي (البيولوجي)، حيث تحتوي على العديد من النباتات مثل: لبخ الجبل، والرطريط الأبيض، والشويكة، والعجرم، وغيرها. كما فيها العديد من الحيوانات والطيور النادرة والمهددة بالانقراض مثل: الورل الصحراوي، والحية المقرنة، والعقرب الأصفر، وسحلية قاضي الجبل، والغراب النوحي، والمكاء وغيرها. تعتبر الصحراء مأوى بعض أنواع الثعالب والغزلان (كالغزال الأبيض) والكبش الأروي.

كما في المحمية عيون مائية، أهمها: عين حضرة، وعين السرو، وعين المكفي، وتحيط بهذه العيون أشجار النخيل والزيتون والأكاسيا والمزروعات الكثيفة وبعض النباتات الأخرى. وتوفر تلك العيون المياه للحيوانات التي تعيش في رحاب المحمية، كما تمثّل مكاناً لاستراحة زوار المحمية.

بالقرب من الصحراء البيضاء شمالاً، تجد صحراء أخرى تناقضها في لونها، هي الصحراء السوداء. وتمتاز الأخيرة بوجود صخور البازلت المنصهر فيها. وقد تكوّنت هذه الصحراء جرّاء تآكل الجبال، حيث أدى ذلك إلى تغطية سطح الأرض بطبقة من المسحوق الأسود، وهو ما أكسب هذه المنطقة اسمها.

بالعودة إلى الصحراء البيضاء، تحتوي الأخيرة على مجموعة من المقابر والكهوف النادرة وبقايا مومياوات قديمة ونقوش منحوتة، وأدوات ترجع إلى عصر ما قبل التاريخ، ومشغولات فخارية كان يستعملها البشر الذين قطنوا تلك المنطقة منذ أيام الفراعنة. كما تشتمل، أيضاً، على آثار منازل قديمة تعود إلى العصر الروماني.

وختاماً، تجدر الإشارة إلى أن وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) اختارت منطقة الصحراء البيضاء لإجراء أبحاثها الخاصة بالرحلات المزمع إرسالها إلى كوكب المريخ؛ إذ إن سطح الأرض في تلك المنطقة هو أقرب منطقة في العالم شبهاً بسطح ذلك الكوكب.

إقرأ أيضاً: أرفود المغربية أكبر متحف للمستحاثات في العالم
المساهمون