13 يونيو 2021
السيسي والتحدّي الإثيوبي
على الرغم من أن تحويل إثيوبيا مجرى المياه في النيل الأزرق ليس جديداً، فقد قامت بذلك في مايو/أيار 2013 قبيل عزل الرئيس المصري محمد مرسي، إلا أن الوضع مختلف هذه المرة، ففي سابقتها، هلل الإعلام المضاد للرجل ضد هذه الخطوة، لاسيما أنها جاءت بعد أيام من زيارته أديس أبابا على هامش القمة الاستثنائية للاحتفال باليوبيل الذهبي لقيام منظمة الوحدة الإفريقية، على الرغم من أن سد النهضة لم يكن قد ظهر فعلياً. فبحسب مرسي نفسه، في حديثه المسرب، كانت إثيوبيا تقوم بمرحلة الإعداد فقط، لاسيما أن تقرير لجنة الخبراء الدولية لم يكن قد ظهر. ومع ذلك، عقد مرسي حواراً مجتمعياً مع كل القوى السياسية، لبحث كيفية التعامل مع الحدث، وقد نقل التلفزيون المصري هذا الحوار على الهواء بدون علمه، ومن أجل توريطه للانقلاب عليه، ولاستفزاز إثيوبيا، بما يعطي مبرراً لإطاحته. وبالفعل، استغلت إثيوبيا الأمر داخلياً وخارجياً، لتهيئة المناخ للشروع السريع في عملية البناء، وردت الجميل لعبد الفتاح السيسي، والمؤسسة العسكرية، بإعلانها، في أغسطس/آب 2014، وبعد قمة مالابو في يونيو/حزيران 2014 التي أعادت مصر إلى عضوية الاتحاد الإفريقي، رفضها وجود خبراء أجانب في اللجنة الوطنية لمتابعة الدراسات المتعلقة بآثار السد المختلفة على دولتي المصب، مصر والسودان، فضلاً عن رفضها وقف البناء إلى حين استكمالها، ناهيك عن عدم الإقرار بإلزاميتها.
إذن، تحدت إثيوبيا السيسي، بل أجبرته في مارس/آذار الماضي، وبدون تشاور مجتمعي، على توقيع اتفاقٍ، قال المستشار القانوني السابق والمستقيل من اللجنة الدولية للسد، الدكتور أحمد المفتي، إنه "لا يعطي مصر حقاً في مياه النيل". وظن السيسي أن لغة الاستعطاف التي تحدث بها في حينها ستجدي نفعاً مع إثيوبيا التي يبدو أنها على علم بكل صغيرة وكبيرة في مصر، وقد قال وزير خارجيتها "إن مصر لن تستطيع الدخول في حرب ضد بلاده، لانشغالها بأوضاعها الداخلية، وبمحاربة الإرهاب في سيناء".
ماذا يعني تعديل إثيوبيا مجرى النهرمرة ثانية، أو بمعنى آخر عودة المياه إلى مجاريها، وما دلالات ذلك؟
معنى عملية تعديل مجرى النهر ليعود إلى وضعه الطبيعي أن إثيوبيا انتهت فعلياً من المرحلة
الأولى لسد النهضة، وستبدأ عملية التخزين، تمهيداً لتوليد الكهرباء في 2017. ويحتاج السد، بموجب المرحلة الأولى، تخزين 14 مليار متر مكعب، سيتم خصمهما من رصيدي مصر والسودان المنصوص عليهما في اتفاقية 1959. وبذلك، أصبح عبد الفتاح السيسي في ورطة حقيقية، لأن المياه الآن تمر من أسفل السد تمهيداً لتخزينها. ومن المفارقة أن توقيت الإعلان والاحتفاء الإثيوبي "الفج" به يشتمل على دلالات وتحديات للرجل العسكري "القوي"، فمن ناحيةٍ، جاء هذا الإعلان، بعد أيام قليلة من مظاهرات أغلبية الأورومة المضطهدة التي ترفض، من الأساس، فكرة بناء السد، على اعتبار أنها غير ذات جدوى بالنسبة لها، فضلاً عن خشية قبائل بني شنقول الذين يقطنون بجوار السد من احتمال غرق أراضيهم حال حدوث أضرار في السد. غير أن الإعلام المصري الذي يريد أن يجامل السيسي أضرّه من حيث لا يشعر، فقد ألمح إلى أن مصر هي المحرك لهذه المظاهرات التي رفعت العلم المصري، وهو ما قد يوحي بأنها على اتصال "علني" بالمعارضة، وهو ما ترفضه إثيوبيا وغيرها على اعتبار أنه تدخل "سافر" في شؤونها الداخلية. ولذلك، كان الإعلان الإثيوبي حاسماً لكل من الأورومو والإعلام المصري الذي حاول، هذه المرة، إظهار عملية تحويل مجرى النهر بأنه أمر طبيعي، وهو ما ذهب إليه وزير الموارد المائية أيضاً.
وتتعلق الدلالة الثانية للتوقيت بتزامنه مع المفاوضات السداسية على مستوى وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، المتعلقة بالسد في الخرطوم، والتي يفترض أنها تبحث عن تكليف المكاتب الاستشارية بدراسة الآثار المختلفة للسد على مصر والسودان، حيث لا فائدة من الاستمرار في هذه المفاوضات، في وقت أصبح فيه السد أمراً واقعاً. وماذا لو خرجت الدراسات "غير الملزمة" بنتائج تؤكد خطورة أن تكون سعة السد 74 مليار متر مكعب، وليس 14 مليار فقط. هل سيحمل ذلك إثيوبيا على التراجع وهدم أعمال التوسع في السد. ومن الغريب أنه بدلاً من انسحاب مصر من هذه المفاوضات" العبثية"، والبحث عن بدائل أخرى لهذه الاستفزازات الإثيوبية، راح وزير الخارجية، سامح شكري، وللمرة الثانية، يصب غضبه على ميكروفون قناة الجزيرة!
ماذا عسى السيسي أن يفعل أمام الاستفزازات الإثيوبية. هل يتوعدهم (وإنْ بالكلام)، كما فعل أنور السادات، أم إنه يخشى الإحراج الإثيوبي الجاهز "ما تقدرش"، وهل يكون البديل مزيداً من تصفية خصومه في الداخل قبل الذكرى الخامسة لثورة يناير، وغض الطرف عن ممارسات إثيوبيا التي يبدو أنها لن تتوقف عن تحدّيها له وللمؤسسة العسكرية المصرية، أم إن الرجل يملك في جعبته الكثير الذي ربما لا يرغب في الإفصاح عنه الآن؟
إذن، تحدت إثيوبيا السيسي، بل أجبرته في مارس/آذار الماضي، وبدون تشاور مجتمعي، على توقيع اتفاقٍ، قال المستشار القانوني السابق والمستقيل من اللجنة الدولية للسد، الدكتور أحمد المفتي، إنه "لا يعطي مصر حقاً في مياه النيل". وظن السيسي أن لغة الاستعطاف التي تحدث بها في حينها ستجدي نفعاً مع إثيوبيا التي يبدو أنها على علم بكل صغيرة وكبيرة في مصر، وقد قال وزير خارجيتها "إن مصر لن تستطيع الدخول في حرب ضد بلاده، لانشغالها بأوضاعها الداخلية، وبمحاربة الإرهاب في سيناء".
ماذا يعني تعديل إثيوبيا مجرى النهرمرة ثانية، أو بمعنى آخر عودة المياه إلى مجاريها، وما دلالات ذلك؟
معنى عملية تعديل مجرى النهر ليعود إلى وضعه الطبيعي أن إثيوبيا انتهت فعلياً من المرحلة
وتتعلق الدلالة الثانية للتوقيت بتزامنه مع المفاوضات السداسية على مستوى وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، المتعلقة بالسد في الخرطوم، والتي يفترض أنها تبحث عن تكليف المكاتب الاستشارية بدراسة الآثار المختلفة للسد على مصر والسودان، حيث لا فائدة من الاستمرار في هذه المفاوضات، في وقت أصبح فيه السد أمراً واقعاً. وماذا لو خرجت الدراسات "غير الملزمة" بنتائج تؤكد خطورة أن تكون سعة السد 74 مليار متر مكعب، وليس 14 مليار فقط. هل سيحمل ذلك إثيوبيا على التراجع وهدم أعمال التوسع في السد. ومن الغريب أنه بدلاً من انسحاب مصر من هذه المفاوضات" العبثية"، والبحث عن بدائل أخرى لهذه الاستفزازات الإثيوبية، راح وزير الخارجية، سامح شكري، وللمرة الثانية، يصب غضبه على ميكروفون قناة الجزيرة!
ماذا عسى السيسي أن يفعل أمام الاستفزازات الإثيوبية. هل يتوعدهم (وإنْ بالكلام)، كما فعل أنور السادات، أم إنه يخشى الإحراج الإثيوبي الجاهز "ما تقدرش"، وهل يكون البديل مزيداً من تصفية خصومه في الداخل قبل الذكرى الخامسة لثورة يناير، وغض الطرف عن ممارسات إثيوبيا التي يبدو أنها لن تتوقف عن تحدّيها له وللمؤسسة العسكرية المصرية، أم إن الرجل يملك في جعبته الكثير الذي ربما لا يرغب في الإفصاح عنه الآن؟