السيسي و"جون أفريك".. لماذا الانقلاب؟

24 فبراير 2016

السيسي: العملية الديمقراطية في مصر تحتاج 25 عاما

+ الخط -
أعادت المقابلة الصحافية التي أجرتها مجلة جون أفريك الفرنسية مع عبد الفتاح السيسي، ونشرت في 14 فبراير/ شباط الجاري، ولاسيما قوله فيها إن تحقيق الديمقراطية في مصر يحتاج 25 عاماً، وإن هذا مدى ربما يكون قصيراً، أعادت التساؤل من جديد عن أسباب انقلابه على الرئيس المعزول محمد مرسي؟
وقبل الخوض في التفاصيل، ليست سطور هذه المقالة عن مرسي نفسه، أو "الإخوان المسلمين"، بقدر الحديث عن مبادئ الديمقراطية التي حلم بها الشعب قرابة 60 عاماً. ولقد تحدثت عن ذلك، في حوار مع قناة تي أر تي التركية، قبيل إعلان نتائج الجولة الأولى في الانتخابات عام 2012، بأن الهدف هو إطاحة الثورة المضادة التي كان يمثلها أحمد شفيق في حينها، وأنه أياً ما يكون الشخص الذي ينافسه في الإعادة، فلا بد من التكاتف الثوري لتحقيق انتصارات ثورة يناير، كما كان الرهان على وعي الشعب من خلال صناديق الانتخابات الذي كان يستطيع بها إسقاط مرسي، بل وإسقاط "الإخوان المسلمين" أنفسهم.. ولعل في تراجع النسبة التي حصل عليها "الإخوان" في الانتخابات البرلمانية 2011، مقارنة بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية 2012 "مؤشراً قوياً على ذلك، بل إن تراجع "الإخوان" في انتخابات اتحاد الطلبة التي تمت في عهدهم دليل آخر على ذلك".
أما عن حديث السيسي للمجلة، وقد قال فيه إن العملية الديمقراطية في مصر تحتاج 25 عاماً، فإن الرقم قد يكون غير دقيق، لأن السيسي بشأنه نسي مقولته "الجيش لا تلعبوا به، ولا تلعبوا معاه لو نزل مش حيرجع قبل أربعين سنة"... إذن، بحسب مقولة الرجل، إن صدق، عمر الدولة العسكرية، في زيها المدني، قد يتراوح بين 25- 40 عاماً. وهذه المدة، بحسب حواره، ليست كبيرة.
وهنا التساؤل يتجدّد، ما دام الأمر كذلك: لماذا تمت إطاحة أول رئيس منتخب بعد الثورة، في انتخابات حرة ونزيهة، شهد لها القاصي والداني. ألم يكن من قواعد الديمقراطية إعطاء الرجل فترته الدستورية، لتقييم أدائه عبر الشعب من جديد، لا سيما وأن أول ما قام به، بعد توليه الرئاسة، إعادة البرلمان الذي حلته المحكمة الدستورية، ليتولى المهام التشريعية بدلا منه، وليكون رقيبا على تصرفاته، وإن كانت أغلبيته التي جاءت بإرادةٍ شعبيةٍ، تنتمي إلى التيار الإسلامي. فلئن تكون هناك مؤسسة رقابية وتشريعية خير من أن يكون هناك فرد يستبد بالتشريع والتنفيذ في آن واحد. إذن، لم يكن الرجل مستبداً، ولم يقم بتصفية خصومه، أو اعتقالهم، على الرغم من تجاوزهم الشديد بحقه "وضع أعضاء من حركة 6 إبريل العلف أمام بيته، في إشارة لتبعيته لمكتب الإرشاد". ومع ذلك، لم يصدر أوامره لحرسه الخاص بالتعامل مع هذه الإهانات، بل إن مرسي عندما حدث التظاهر ضده قبيل عزله، دعا، أولاً، إلى إجراء انتخابات مبكرّة، من شأنها تشكيل حكومة تشارك الرئيس بموجب دستور 2012 قراراته المهمة، فضلا عن وجود برلمان يراقب عملهما. وفي أغلب الظن، لم يكن ليفوز بأغلبيته الإسلاميون، بسبب ضعف الأداء الذي يرجع، في جانب منه، إلى أداء الحكومة من ناحية، وتعمد إفشالها من مؤسسات الدولة العميقة من ناحية ثانية.. ولعلنا نتذكّر في هذا الشأن تفاقم أزمة البنزين قبل الانقلاب، ثم حدوث الانفراجة بعده مباشرة، حتى قبل تشكيل أول حكومة انقلابية برئاسة حازم الببلاوي.
حديث السيسي عن طول المدة اللازمة لاكتمال الديمقراطية دليل إدانةٍ ضده أيضاً من زاويتين.
الأولى أنه لا بد من الانتظار، حتى تؤتي الديمقراطية أكلها، بل وكذلك المشروعات الكبرى التي تحدث عنها في الحوار، وكيف أنها تحتاج إلى عشر سنوات لتحقيقها، ما قد يلوح بإمكانية تعديل الدستور حتى يحققها، لاسيما أن الدستور جعل أكبر مدة للرئاسة دورتين، مدة كل منهما أربع سنوات. إذا كان الأوْلى الصبر على مرسي، لاسيما أن بعض مشروعاته هي التي يتغنى بها السيسي الآن، مثل مشروع البطاقات الذكية الخاصة ببطاقات التموين المأخوذة من فكرة وزير التموين النابغة باسم عودة، والثاني مشروع محور قناة السويس، وليس حفر قناة السويس الذي ثبتت خسارته، منذ افتتاح التفريعة الجديدة في أغسطس/ آب الماضي، وفق الإحصاءات الرسمية لهيئة قناة السويس نفسها.
الزاوية الثانية، أنه بلغة المؤشرات والأرقام، فإن معدل الأداء، بصفة عامة، خلال حكم محمد مرسي كان أفضل، إلى حد ما، بمعدل الأداء بعد 20 شهراً من حكم السيسي، فمرسي لم يرفع الدعم عن السلع الأساسية، ولم تحدث في عهده هذه الطفرة الهائلة في الأسعار، كما لم يتراجع إنتاج القمح إلى درجة نعيه في صحيفة الأهرام الرسمية بهذه الدرجة، فضلا عن التراجع الكبير في الاحتياطي النقدي، على الرغم من الفلوس "زي الرز" من دول الخليج.
وأخيراً، أكتفي بسرد مؤشر من أفريقيا، ليس بحكم التخصص فقط، وإنما لأن حوار الرجل كان مع مجلةٍ فرنسيةٍ معنية بالشأن الأفريقي، فبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والتي تم تبويبها في قطاع نقطة التجارة الدولية التابع لوزارة التجارة والصناعة، فإن حجم التجارة المصرية مع الدول الأفريقية غير العربية شهد تراجعاً منذ ثورة يناير وحتى سبتمبر/ أيلول 2015، بلغ "سالب 2" في عملية التصدير، -17% في عملية الاستيراد. وفيما يتعلق بعملية التصدير، تراجعت من أكثر من ملياري دولار عام 2011 لتسجل 800 مليون دولار فقط في 2015 (أي نسبة الانخفاض بلغت 60%)، أما عملية الاستيراد فقد تراجعت، هي الأخرى، من 931 مليون دولار عام 2011 لتسجل 429 مليون دولار (أي أن نسبة الانخفاض بلغت أكثر من 55 %).
خلاصة الكلام، إذن، أن كلام السيسي يضعه، نظرياً، بين شقي رحى، أنه استعجل الانقلاب بعد عام من حكم مرسي، وكما اتضح بعد ذلك أن الهدف ليس الشعب، ولكن الوصول إلى الحكم، أو أنه، وفق معدلات الأداء هذه، يجعل الشعب يثور عليه، أو على الأقل، يدعوه إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لكن الرجل مطمئن لعدم حدوث هذين الفرضين النظريين. لسببين، الأول أن المؤسسة العسكرية معه، والثاني عدم وجود البديل، لا سيما بعدما تكشفت معظم النخب الليبرالية والعلمانية في موالاتها المؤسسة العسكرية من ناحية. أما الفئة القليلة منها الرافضة للعسكر، فقد شيطنتها وسائل إعلامه.
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.