الزلازل تتربّص بمدينة إسطنبول

03 ديسمبر 2017
هذا ما تركه زلزال 1999 (مانوشهر ديغاتي/ فرانس برس)
+ الخط -
لا تبدو الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية بعد الزلزال الكارثي الذي ضرب مدينة إسطنبول في عام 1999 كافية، بأي شكل من الأشكال، لتجنيب المدينة كارثة مماثلة. ويُجمع الخبراء الأتراك من جيولوجيين ومهندسين على أنّ أيّ زلزال جديد سوف يستهدف المدينة لن تكون حدّته أقلّ من الزلزال الذي ضرب الحدود الإيرانية العراقية الشهر الماضي، مشدّدين على الانتباه إلى الكارثة الإنسانية التي من المتوقّع أن تتعرّض لها المدينة.

وكان وزير البيئة والمدن التركي، محمد أوزحاسكي، قد أكّد، في فبراير/شباط الماضي، أنّ كارثة سوف تحل بمدينة إسطنبول التي يسكنها 15 مليون نسمة، في حال تعرّضها إلى أيّ زلزال، قائلاً إنهم يعملون على "تجهيز البلاد ضدّ أيّ زلزال مقبل. والبلاد كانت قد تعرّضت، خلال السنوات المائة الأخيرة، إلى أكثر من 60 زلزالاً بقوّة تفوق 6 درجات على مقياس ريختر، الأمر الذي أدّى إلى مقتل 82 ألف مواطن". وأشار إلى أنّ "منطقة مرمرة هي الأكثر خطورة، إذ يفيد العلماء بأنّها سوف تتعرّض إلى زلزال بقوة لا تقلّ عن 7.2 درجات في عام 2030، ونحن لسنا جاهزين. لذا نعمل على ذلك".

في أغسطس/آب من عام 1999، ضرب زلزال مدمّر منطقة مرمرة، بقوة 7.4 درجات على مقياس ريختر، استمرّ لمدة 45 ثانية وقتل 17480 مواطناً وجرح 23781 آخرين، فيما أصيب 505 أشخاص بإعاقة دائمة. كذلك أدّت الهزّة الأولى من الزلزال إلى انهيار 133683 مبنى وتضرّر 285 ألف منزل و43 ألف مكان عمل، بينما تشرّد نحو 500 ألف شخص.

ويحذّر الخبراء من قرب وقوع زلزال في مدينة إسطنبول، فيقول أستاذ الهندسة الجيولوجية، جلال شينغور، إنّ "ثمّة صدعاً زلزالياً يمرّ من جنوب تركيا، الأمر الذي يؤدّي إلى ركوب صفائح الأناضول على صفائح المنطقة العربية. وهذه رسالة واضحة لنا".

وكانت الحكومة التركية قد عملت بعد الزلزال على مستويات عدّة، المستوى الأوّل تضمّن إنشاء بنية متكاملة لتقديم الدعم للمتأثرين بالزلزال في حال وقوعه. وفي عام 2006 أنشئت وحدة مشروع الحدّ من المخاطر الزلزالية والاستعداد للطوارئ، فيما تشكّلت في عام 2009 إدارة موحّدة تمثّل مظلة للتعامل مع أيّ كارثة طبيعية وربطها برئاسة الوزراء، تحت اسم إدارة الكوارث والطوارئ. وعلى الرغم من الخطة الطموحة التي وُضعت بعد زلزال 1999، فإنّ التنفيذ أتى بطيئاً ولم يلتزم بالخطوات والمواعيد الموضوعة فيها.

بحسب وحدة تنسيق المشاريع التابعة لولاية إسطنبول، فقد عمدت الولاية، خلال السنوات التي تلت زلزال مرمرة، إلى تدعيم أبنية وجسور وطرقات رئيسية وصيانة خطوط الغاز والكهرباء والمياه. كذلك، صنّفت الحكومة 470 ساحة "منطقة إسكان مؤقت" في المدينة لتكون أماكن يتجمّع فيها المتضررون من الزلزال ليُقدَّم الدعم لهم، وجرى تحديد 562 وسيلة مواصلات من الدرجة الأولى لاستخدامها بعيد الزلزال. لكنّ ذلك لم يستمرّ طويلاً، إذ أتيح البناء في عدد كبير من تلك الساحات التي تحوّلت إلى مراكز تسوّق ومواقف سيارات. وهو الأمر الذي أكّده تقرير صادر عن لجنة الكوارث الطبيعية والطوارئ التابعة لبلدية إسطنبول، أشار إلى أنّ مناطق الإسكان المؤقت انخفضت إلى 77 منطقة بمساحة لا تتجاوز 20 هكتاراً مربعاً، وهو ما يبدو قليلاً جداً في مدينة يتجاوز عدد سكانها 14 مليوناً وتستقبل الهجرات الداخلية بصورة مستمرة.



في السياق، يقول رئيس شعبة إسطنبول في غرفة المهندسين المدنيين، نصرت سونا، إنّ "حدائق الأطفال والمدارس والمساجد ليست أماكن صالحة لتجميع الناس المتضررين من أيّ زلزال، لأنّه يتوجّب على أماكن التجميع أن تكون بعيدة عن الأماكن السكنية، وأن تكون واسعة وكافية لإنشاء مخيّمات ومدّ خطوط كهرباء وإقامة مراحيض وعيادات ومستشفيات ميدانية وما إلى ذلك". يضيف أنّ "تركيا غير جاهزة لأيّ زلزال، بما في ذلك مدينة إسطنبول. ففي إسطنبول وحدها ثمّة أكثر من مليونَي عقار غير آمنة لمواجهة الزلازل".

وقد أوضح أوزحاسكي أنّ "المباني التي شُيّدت قبل عام 1999 هي في معظمها مبانٍ نشكّ في مدى متانتها، إذ إنّها لا تلتزم بالمعايير التي جرى تحديدها بُعيد زلزال إسطنبول، في ما يخصّ متانة البناء وقدرته على تحمّل الزلازل. وأرقامنا تشير إلى أنّ ثمّة سبعة ملايين ونصف المليون بناء في حاجة إلى الهدم في عموم تركيا". أضاف أنّ "في إسطنبول وحدها نحو أربعة ملايين مبنى نتوقّع أن تتراوح نسبة ما يحتاج منها إلى هدم وإعادة بناء ما بين 10 و15 في المائة. بالتالي يمكننا الحديث عن أكثر من 600 ألف مبنى في حاجة إلى الهدم في المدينة". ولفت إلى أنّه "في حال تعرّضت إسطنبول إلى زلزال، فإنّ حصيلة الضحايا سوف تتراوح بين 15 و30 ألف قتيل، وإلى خسائر مادية تتراوح قيمتها بين 300 مليار و400 مليار ليرة تركية (ما بين 77 مليارا و100 مليار دولار)".

وفي سبيل ذلك، مرّرت الحكومة التركية في البرلمان في عام 2012، قانوناً حول التحوّل المديني الذي يسمح بتقديم تسهيلات لهدم المباني الخطيرة وغير المهيّأة لمواجهة الزلازل. وتشير وزارة البيئة والتمدن إلى أنّ البلاد شهدت بطريقة منتظمة منذ إصدار القانون، إعادة هدم وبناء 200 ألف مبنى سنوياً.

تجدر الإشارة إلى أنّه من المتوقّع أن يمرّر البرلمان التركي، في الفترة المقبلة، حزمة من مشاريع القوانين الجديدة التي تقدّمت بها وزارة البيئة والتمدن، لتشجيع المواطنين على معالجة أوضاع المباني المهددة، لجهة تسهيل القوانين والمحفزات في ما يخصّ التمويل، وكذلك تلك التي تفرض على كل البلديات القيام بعمليات مسح لكل المباني في أحيائها.

المساهمون