في فصل آخر من المفاوضات لحلّ قضية قبرص، يجتمع، اليوم الأحد، رئيس الشطر اليوناني القبرصي، نيكوس أناستاسياديس، بنظيره التركي القبرصي، مصطفى أكنجي، في جنيف السويسرية، أملاً في الوصول إلى حلّ يعيد توحيد، آخر العواصم الأوروبية المنقسمة، نيقوسيا، وسط دعم كبير من الأطراف الإقليمية والدولية، وتحديداً من الدول الضامنة، أي تركيا واليونان وبريطانيا.
في هذا السياق، وعلى الرغم التعتيم الإعلامي الشديد على التفاصيل، يبدو أن أكنجي، اليساري، لم يخيّب الآمال بإمكانية التوصل إلى حلّ للقضية القبرصية، بعد انتخابه رئيساً لقبرص التركية في أبريل/نيسان الماضي. وذلك على الرغم من الخلافات التي اندلعت بين أكنجي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حول رؤية رئيس قبرص التركية للحلّ، التي تتضمن تخلي أتراك قبرص ويونانييها عن الضامنين الدوليين، خصوصاً تركيا واليونان.
في هذا الإطار، علمت "العربي الجديد" من مصدر دبلوماسي تركي، بأن "أكنجي لم يدخل، خلال المحادثات التي جرت في جنيف لمدة خمسة أيام، برعاية الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بدءاً من السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، في تفاصيل خريطة كل من الإقليم التركي أو اليوناني، لكنه قدم اقتراحات كانت مهمة للغاية حول هذا الجانب، لدرجة أنها دفعت نظيره اليوناني، لطلب مهلة، حتى اليوم الأحد، للتشاور مع أثينا، وباقي الأطراف اليونانية الداخلية وبالذات الكنيسة، قبل الرد على هذه الاقتراحات". ورفض المصدر الخوض بالاقتراحات.
وأضاف أن "اقتراحات أكنجي كانت مفاجئة للغاية لأناستاسياديس، لدرجة أن الجانبين كانا على وشك تحديد يوم لعقد مؤتمر دولي، يحضره الضامنون الثلاثة أي كل من بريطانيا واليونان وتركيا، لبدء الحديث في الفصل السادس من المحادثات المتعلق بالضمانات الأمنية".
وبالفعل زار أناستاسياديس، العاصمة اليونانية أثينا، يوم الأربعاء، ملتقياً رئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، الذي أكد دعمه للمفاوضات، وعبر عن تفاؤل حذر بالتقدم الحاصل، قائلاً: "لا يمكن اعتبار المحادثات حول القضية القبرصية قد وصلت لأي اتفاق في أي شيء، قبل الوصول إلى اتفاق في جميع القضايا".
وبحسب بيان الأمم المتحدة، حول المفاوضات التي جرت في سويسرا، وتم تعليقها بطلب يوناني قبرصي في 11 نوفمبر الحالي، فقد ناقش الجانبان "الأمور المتعلقة بفصل الأراضي بين مناطق سيطرة الطرفين، وباقي المواضيع المرتبطة بذلك، وتم تحقيق تقدم ملحوظ".
من جانبه، أكد المتحدث باسم الحكومة القبرصية اليونانية، نيكوس كريستودوليديس، في 12 نوفمبر الحالي، أن "المفاوضات حققت تقدماً ملموساً"، مشيراً إلى أن الجولة المقبلة من المفاوضات المقررة اليوم، ستمتد لثلاثة أيام. ونوّه إلى أن "هناك تقدما ملحوظا وهاما، لذلك قررنا الاستمرار"، مضيفاً أنه "إذا كانت هناك إرادة، فإننا سنكون قادرين خلال يومين أو ثلاثة أيام على التوصل إلى اتفاق حول هذا الأمر"، في إشارة إلى تحديد حدود بين القسم اليوناني والتركي.
اقــرأ أيضاً
في تفاصيل النزاع، تعتبر قبرص واحدة من أقدم بؤر الصراع في العالم، التي يمتد تاريخها إلى مطلع خمسينيات القرن الماضي، ولا يوازيها في العمر إلا القضية الفلسطينية وأزمة الكوريتين. ووفقاً لمراقبين فإن سبب استمرار هذا الصراع لا يتعلق فقط بالقبارصة، ولكنه خاضع بشكل كبير لحساب السياسة الخارجية لكل من تركيا واليونان وكذلك بريطانيا، التي احتلت قبرص بين عامي 1878 و1960، بعد أن استولت عليها من الإمبراطورية العثمانية التي حكمتها لمدة ثلاثة قرون.
وبعد طول زمن اقتنع القبارصة اليونانيون بالتخلي عن "الإينوسيس" أي الاتحاد باللغة اليونانية. وهي الحركة التي ظهرت بين مختلف المجتمعات اليونانية بعد إنشاء المملكة اليونانية عام 1830، الموجودة حالياً في كريت وجزر دوديكانيز. وفي وقت اتحدت الجزر الأخيرة مع اليونان، وتم توقيع اتفاقية تبادل السكان مع تركيا بعد الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، بقيت حركة "الإينوسيس" في قبرص، وأدت دوراً هاماً، سواء في الاستقلال عن بريطانيا، وكذلك على طول فترة الصراع مع القبارصة الأتراك، مدعومة بالكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، لتبقى الآن فكرا منحصراً في صفوف القوميين اليونانيين، تحديداً في المناطق ذات الغالبية اليونانية في جنوب ألبانيا.
وفي رد فعل على تصرفات "الإينوسيس"، التي طردت المواطنين الأتراك من جزيرة كريت بعد توحيدها مع اليونان، وبعد أن تخلوا عن دعم الحكم البريطاني، الذي كان له دور أساسي في تجنيبهم الويلات التي تعرض لها الأتراك مطلع القرن الماضي بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في البلقان واليونان، طالب القبارصة الأتراك، بتقسيم الجزيرة، ومن ثم ضم القسم التركي إلى الوطن الأم، أي الجمهورية التركية أو تكوين جمهورية شمال قبرص التركية، والتي تم الإعلان عنها عام 1983، من دون أن تحظى بأي اعتراف دولي باستثناء أنقرة. بالتالي بدا أن القبارصة الأتراك، عادوا وتراجعوا عن الاستقلال والحل الكونفدرالي لصالح الحل الفدرالي الذي يقسم الجزيرة إلى قسمين، في إطار جمهورية قبرصية اتحادية.
في أغسطس/آب عام 1960، حصلت الجزيرة القبرصية على استقلالها، بعد المحادثات التي جرت بين كل من تركيا واليونان وبريطانيا، فيما عرف، في وقت لاحق، باتفاقيات زيوريخ ـ لندن، التي تكوّنت من ثلاث اتفاقيات. وهي اتفاقية إنشاء الجمهورية القبرصية، واتفاقية الضامنين التي تجعل كلا من تركيا واليونان وبريطانيا ضامنين للاستقرار في الجزيرة وتمنحهم حق التدخل للحفاظ على الأمن، وكذلك اتفاقية التحالف التي منحت بريطانيا أجزاء من الجزيرة تضم قاعدتين عسكريتين تابعتين لها، في الساحل الجنوبي.
لم يدم الاستقرار لأكثر من ثلاث سنوات في الجزيرة، لتعيش حالة من الفوضى والحروب الأهلية المحدودة، حتى قام اليمين القومي القبرصي اليوناني بانقلاب في الجزيرة عام 1974، على الرئيس الشرعي الأسقف مكاريوس، مدعوماً بالحكومة العسكرية التي نشأت بعد انقلاب 1973 في اليونان.
اقــرأ أيضاً
وبعد أن رفضت أثينا سحب دعمها للانقلابيين وكذلك الضباط اليونانيين الذين رافقوا الحركة العسكرية في الجزيرة، أمر رئيس الوزراء التركي الراحل بولنت أجاويد بتوجيه القوات المسلحة التركية بغزو الجزيرة، ليتمكن الجيش التركي، خلال يومين، في يوليو/تموز 1974 من الوصول إلى العاصمة القبرصية نيقوسيا، موسّعاً حدود سيطرته، لتشمل الجزء الشمالي كاملاً، بما نسبته 34 في المائة من مساحة الجزيرة.
لاحقاً، فشلت جميع المحاولات التي تمّت خلال الأعوام السابقة في إعادة توحيد الجزيرة، وذلك لأسباب كثيرة يأتي على رأسها رفض القبارصة اليونانيين لمختلف الحلول التي تمنح القبارصة الأتراك أي حكم ذاتي أو فدرالي واسع الصلاحيات، متمسكين بوحدة الأراضي القبرصية، وأيضاً رفضهم استمرار التواجد العسكري التركي. الأمر الذي يراه القبارصة الأتراك الضامن الوحيد لأمنهم.
بعد 20 عاماً من المحادثات، أقرّ الجانبان في محادثات عام 1996 مجموعة من المبادئ من أجل الحوار، ويقرّها المجتمع الدولي، وهي أن أي اتفاق يجب أن يجد حلولاً، كإيجاد إطار دستوري للعلاقة بين الجانبين، على أن تكون مبنية على أساس دولة فدرالية أو كونفدرالية تعترف بمجتمعين منفصلين، ووضع حدود لأماكن نفوذ وسيطرة كل من الجانبين، وإعادة أملاك المهجرين من الطرفين أو تعويضهم بما يتناسب مع ما كان عليه الوضع قبل التدخل التركي، وإخلاء الجزيرة من التواجد العسكري الأجنبي اليوناني أو التركي، وإيجاد ضع قانوني للمستوطنين الأتراك في الجزيرة، والتوافق على ترتيبات لحفظ السلام في الجزيرة في المستقبل.
بدوره، استغل الاتحاد الأوروبي الفشل في التوصل إلى حلول، ليدخل على خط الصراع، عام 1997، لصالح القبارصة اليونانيين، من خلال إعلانه نيته فتح الطريق أمام قبرص اليونانية للانضمام إليه. وحجة الاتحاد الأوروبي أن ذلك سيدفع الجانبين إلى تبنّي مواقف أكثر اعتدالاً ويساعد في تحقيق السلام. الأمر الذي عارضه القبارصة الأتراك، إذ استغلت نيقوسيا المفاوضات مع الاتحاد للمماطلة في التوصل إلى حلّ للقضية القبرصية، لحين الحصول على عضوية في الاتحاد الأوروبي. بالتالي العودة بموقف أقوى بغية الضغط على أنقرة، قبل أن ينخفض التوتر بين أنقرة وبروكسل، بعد موافقة الاتحاد الأوروبي على الاعتراف بتركيا دولة مرشحة للانضمام إليه في عام 1999.
على الرغم من ذلك بقيت مفاوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تحت رحمة القبارصة واليونانيين، الذين طالما استخدموا "الفيتو" لمنع فتح أي فصول جديدة في المحادثات. وكان آخرها الاتفاق التركي الأوروبي، في مارس/آذار الماضي، أثناء اتفاق إعادة قبول اللاجئين الذي تم توقيعه بين الجانبين.
كما تقدم الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، بمشروع لإنهاء الصراع في الجزيرة، يقوم على أساس تكوين فدرالية قبرصية، مكونة من قسمين، حيث تمتد أراضي القسم التركي على 28.5 في المائة من مساحة الجزيرة، بينما يحتفظ القسم اليوناني بـ 71.5 في المائة، علماً أن نسبة الأتراك لم تكن تتجاوز عام 1960 أكثر من 20 في المائة من سكان الجزيرة.
وبحسب مشروع أنان، سيكون لكل قسم برلمانه الخاص، على أن يكون هناك برلمان فدرالي بمجلسين، تكون حصة الأتراك 25 في المائة من مجلس النواب، بينما يتقاسم الجانبان بالتساوي أعضاء مجلس الشيوخ، على أن يتم حكم الجزيرة من خلال مجلس رئاسي يتناوب على رئاسته ممثلون عن المجتمعين، اللذين يحق لكل منهما نقض جميع التشريعات التي يمررها البرلمان الفدرالي.
وقد وافق القبارصة الأتراك على الحل، لكن اليونانيين رفضوه، بسبب الجدل الذي أثارته مجموعة من النقاط، منها إصرار القبارصة اليونانيين الذين تم تهجيرهم من القسم الشمالي على استعادة جميع أملاكهم، خصوصاً أنهم كانوا يمثلون أكثر من 90 في المائة من سكان هذا القسم قبل التدخل التركي. الأمر الذي يراه الأتراك غير قابل للتطبيق في دولة منقسمة على أساس عرقي، خصوصاً في ظلّ دعوة اليونانيين إلى ترحيل جميع الأتراك الذين استوطنوا الجزيرة بعد عام 1974، الذين تختلف التقديرات على عددهم بين 15 إلى 40 ألفاً.
ورفض اليونانيون أيضاً حفاظ مشروع أنان على معاهدة الضامنين، التي تسمح لكل من تركيا واليونان وبريطانيا بالتدخل. وهو الأمر الذي رفض الأتراك التخلي عنه خوفاً من تكرار الاعتداءات التي تعرّضوا لها قبل التدخل التركي، على الرغم من أن المشروع ذاته كان ينص عل خفض تعداد كل من القوات اليونانية والتركية في الجزيرة إلى 6 آلاف مقاتل، ليتم خفضها بشكل تدريجي خلال 19 عاما إلى 600 مقاتل.
ويُقدّر تعداد سكان الجزيرة بحوالي 1.1 مليون نسمة، بينهم 78 في المائة من اليونانيين، تنتمي غالبيتهم إلى الكنيسة الأرثوذكسية، و18 في المائة من الأتراك، غالبيتهم من المسلمين السنة. كما تضم الجزيرة ثلاث أقليات مسيحية معترف بها وهي كل من الموارنة واللاتين والأرمن، إضافة إلى مجموعات من الغجر.
اقــرأ أيضاً
في هذا السياق، وعلى الرغم التعتيم الإعلامي الشديد على التفاصيل، يبدو أن أكنجي، اليساري، لم يخيّب الآمال بإمكانية التوصل إلى حلّ للقضية القبرصية، بعد انتخابه رئيساً لقبرص التركية في أبريل/نيسان الماضي. وذلك على الرغم من الخلافات التي اندلعت بين أكنجي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حول رؤية رئيس قبرص التركية للحلّ، التي تتضمن تخلي أتراك قبرص ويونانييها عن الضامنين الدوليين، خصوصاً تركيا واليونان.
في هذا الإطار، علمت "العربي الجديد" من مصدر دبلوماسي تركي، بأن "أكنجي لم يدخل، خلال المحادثات التي جرت في جنيف لمدة خمسة أيام، برعاية الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بدءاً من السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، في تفاصيل خريطة كل من الإقليم التركي أو اليوناني، لكنه قدم اقتراحات كانت مهمة للغاية حول هذا الجانب، لدرجة أنها دفعت نظيره اليوناني، لطلب مهلة، حتى اليوم الأحد، للتشاور مع أثينا، وباقي الأطراف اليونانية الداخلية وبالذات الكنيسة، قبل الرد على هذه الاقتراحات". ورفض المصدر الخوض بالاقتراحات.
وبالفعل زار أناستاسياديس، العاصمة اليونانية أثينا، يوم الأربعاء، ملتقياً رئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، الذي أكد دعمه للمفاوضات، وعبر عن تفاؤل حذر بالتقدم الحاصل، قائلاً: "لا يمكن اعتبار المحادثات حول القضية القبرصية قد وصلت لأي اتفاق في أي شيء، قبل الوصول إلى اتفاق في جميع القضايا".
وبحسب بيان الأمم المتحدة، حول المفاوضات التي جرت في سويسرا، وتم تعليقها بطلب يوناني قبرصي في 11 نوفمبر الحالي، فقد ناقش الجانبان "الأمور المتعلقة بفصل الأراضي بين مناطق سيطرة الطرفين، وباقي المواضيع المرتبطة بذلك، وتم تحقيق تقدم ملحوظ".
من جانبه، أكد المتحدث باسم الحكومة القبرصية اليونانية، نيكوس كريستودوليديس، في 12 نوفمبر الحالي، أن "المفاوضات حققت تقدماً ملموساً"، مشيراً إلى أن الجولة المقبلة من المفاوضات المقررة اليوم، ستمتد لثلاثة أيام. ونوّه إلى أن "هناك تقدما ملحوظا وهاما، لذلك قررنا الاستمرار"، مضيفاً أنه "إذا كانت هناك إرادة، فإننا سنكون قادرين خلال يومين أو ثلاثة أيام على التوصل إلى اتفاق حول هذا الأمر"، في إشارة إلى تحديد حدود بين القسم اليوناني والتركي.
في تفاصيل النزاع، تعتبر قبرص واحدة من أقدم بؤر الصراع في العالم، التي يمتد تاريخها إلى مطلع خمسينيات القرن الماضي، ولا يوازيها في العمر إلا القضية الفلسطينية وأزمة الكوريتين. ووفقاً لمراقبين فإن سبب استمرار هذا الصراع لا يتعلق فقط بالقبارصة، ولكنه خاضع بشكل كبير لحساب السياسة الخارجية لكل من تركيا واليونان وكذلك بريطانيا، التي احتلت قبرص بين عامي 1878 و1960، بعد أن استولت عليها من الإمبراطورية العثمانية التي حكمتها لمدة ثلاثة قرون.
وبعد طول زمن اقتنع القبارصة اليونانيون بالتخلي عن "الإينوسيس" أي الاتحاد باللغة اليونانية. وهي الحركة التي ظهرت بين مختلف المجتمعات اليونانية بعد إنشاء المملكة اليونانية عام 1830، الموجودة حالياً في كريت وجزر دوديكانيز. وفي وقت اتحدت الجزر الأخيرة مع اليونان، وتم توقيع اتفاقية تبادل السكان مع تركيا بعد الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، بقيت حركة "الإينوسيس" في قبرص، وأدت دوراً هاماً، سواء في الاستقلال عن بريطانيا، وكذلك على طول فترة الصراع مع القبارصة الأتراك، مدعومة بالكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، لتبقى الآن فكرا منحصراً في صفوف القوميين اليونانيين، تحديداً في المناطق ذات الغالبية اليونانية في جنوب ألبانيا.
في أغسطس/آب عام 1960، حصلت الجزيرة القبرصية على استقلالها، بعد المحادثات التي جرت بين كل من تركيا واليونان وبريطانيا، فيما عرف، في وقت لاحق، باتفاقيات زيوريخ ـ لندن، التي تكوّنت من ثلاث اتفاقيات. وهي اتفاقية إنشاء الجمهورية القبرصية، واتفاقية الضامنين التي تجعل كلا من تركيا واليونان وبريطانيا ضامنين للاستقرار في الجزيرة وتمنحهم حق التدخل للحفاظ على الأمن، وكذلك اتفاقية التحالف التي منحت بريطانيا أجزاء من الجزيرة تضم قاعدتين عسكريتين تابعتين لها، في الساحل الجنوبي.
لم يدم الاستقرار لأكثر من ثلاث سنوات في الجزيرة، لتعيش حالة من الفوضى والحروب الأهلية المحدودة، حتى قام اليمين القومي القبرصي اليوناني بانقلاب في الجزيرة عام 1974، على الرئيس الشرعي الأسقف مكاريوس، مدعوماً بالحكومة العسكرية التي نشأت بعد انقلاب 1973 في اليونان.
وبعد أن رفضت أثينا سحب دعمها للانقلابيين وكذلك الضباط اليونانيين الذين رافقوا الحركة العسكرية في الجزيرة، أمر رئيس الوزراء التركي الراحل بولنت أجاويد بتوجيه القوات المسلحة التركية بغزو الجزيرة، ليتمكن الجيش التركي، خلال يومين، في يوليو/تموز 1974 من الوصول إلى العاصمة القبرصية نيقوسيا، موسّعاً حدود سيطرته، لتشمل الجزء الشمالي كاملاً، بما نسبته 34 في المائة من مساحة الجزيرة.
لاحقاً، فشلت جميع المحاولات التي تمّت خلال الأعوام السابقة في إعادة توحيد الجزيرة، وذلك لأسباب كثيرة يأتي على رأسها رفض القبارصة اليونانيين لمختلف الحلول التي تمنح القبارصة الأتراك أي حكم ذاتي أو فدرالي واسع الصلاحيات، متمسكين بوحدة الأراضي القبرصية، وأيضاً رفضهم استمرار التواجد العسكري التركي. الأمر الذي يراه القبارصة الأتراك الضامن الوحيد لأمنهم.
بعد 20 عاماً من المحادثات، أقرّ الجانبان في محادثات عام 1996 مجموعة من المبادئ من أجل الحوار، ويقرّها المجتمع الدولي، وهي أن أي اتفاق يجب أن يجد حلولاً، كإيجاد إطار دستوري للعلاقة بين الجانبين، على أن تكون مبنية على أساس دولة فدرالية أو كونفدرالية تعترف بمجتمعين منفصلين، ووضع حدود لأماكن نفوذ وسيطرة كل من الجانبين، وإعادة أملاك المهجرين من الطرفين أو تعويضهم بما يتناسب مع ما كان عليه الوضع قبل التدخل التركي، وإخلاء الجزيرة من التواجد العسكري الأجنبي اليوناني أو التركي، وإيجاد ضع قانوني للمستوطنين الأتراك في الجزيرة، والتوافق على ترتيبات لحفظ السلام في الجزيرة في المستقبل.
بدوره، استغل الاتحاد الأوروبي الفشل في التوصل إلى حلول، ليدخل على خط الصراع، عام 1997، لصالح القبارصة اليونانيين، من خلال إعلانه نيته فتح الطريق أمام قبرص اليونانية للانضمام إليه. وحجة الاتحاد الأوروبي أن ذلك سيدفع الجانبين إلى تبنّي مواقف أكثر اعتدالاً ويساعد في تحقيق السلام. الأمر الذي عارضه القبارصة الأتراك، إذ استغلت نيقوسيا المفاوضات مع الاتحاد للمماطلة في التوصل إلى حلّ للقضية القبرصية، لحين الحصول على عضوية في الاتحاد الأوروبي. بالتالي العودة بموقف أقوى بغية الضغط على أنقرة، قبل أن ينخفض التوتر بين أنقرة وبروكسل، بعد موافقة الاتحاد الأوروبي على الاعتراف بتركيا دولة مرشحة للانضمام إليه في عام 1999.
على الرغم من ذلك بقيت مفاوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تحت رحمة القبارصة واليونانيين، الذين طالما استخدموا "الفيتو" لمنع فتح أي فصول جديدة في المحادثات. وكان آخرها الاتفاق التركي الأوروبي، في مارس/آذار الماضي، أثناء اتفاق إعادة قبول اللاجئين الذي تم توقيعه بين الجانبين.
كما تقدم الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، بمشروع لإنهاء الصراع في الجزيرة، يقوم على أساس تكوين فدرالية قبرصية، مكونة من قسمين، حيث تمتد أراضي القسم التركي على 28.5 في المائة من مساحة الجزيرة، بينما يحتفظ القسم اليوناني بـ 71.5 في المائة، علماً أن نسبة الأتراك لم تكن تتجاوز عام 1960 أكثر من 20 في المائة من سكان الجزيرة.
وقد وافق القبارصة الأتراك على الحل، لكن اليونانيين رفضوه، بسبب الجدل الذي أثارته مجموعة من النقاط، منها إصرار القبارصة اليونانيين الذين تم تهجيرهم من القسم الشمالي على استعادة جميع أملاكهم، خصوصاً أنهم كانوا يمثلون أكثر من 90 في المائة من سكان هذا القسم قبل التدخل التركي. الأمر الذي يراه الأتراك غير قابل للتطبيق في دولة منقسمة على أساس عرقي، خصوصاً في ظلّ دعوة اليونانيين إلى ترحيل جميع الأتراك الذين استوطنوا الجزيرة بعد عام 1974، الذين تختلف التقديرات على عددهم بين 15 إلى 40 ألفاً.
ورفض اليونانيون أيضاً حفاظ مشروع أنان على معاهدة الضامنين، التي تسمح لكل من تركيا واليونان وبريطانيا بالتدخل. وهو الأمر الذي رفض الأتراك التخلي عنه خوفاً من تكرار الاعتداءات التي تعرّضوا لها قبل التدخل التركي، على الرغم من أن المشروع ذاته كان ينص عل خفض تعداد كل من القوات اليونانية والتركية في الجزيرة إلى 6 آلاف مقاتل، ليتم خفضها بشكل تدريجي خلال 19 عاما إلى 600 مقاتل.
ويُقدّر تعداد سكان الجزيرة بحوالي 1.1 مليون نسمة، بينهم 78 في المائة من اليونانيين، تنتمي غالبيتهم إلى الكنيسة الأرثوذكسية، و18 في المائة من الأتراك، غالبيتهم من المسلمين السنة. كما تضم الجزيرة ثلاث أقليات مسيحية معترف بها وهي كل من الموارنة واللاتين والأرمن، إضافة إلى مجموعات من الغجر.